ارشيف من :آراء وتحليلات

هيلين توماس... آخر ضحايا البطش الصهيوني !

هيلين توماس... آخر ضحايا البطش الصهيوني !

فيما لو صح أن عميدة الصحافيين الأميركيين، هيلين توماس، قد استدرجت، على ما قاله بعض المراقبين، إلى فخ نصب لها، أو على ما لم يقله أحد، قد نطقت بما نطقت به بناء على اتفاق مبرمج، لاتضح أن تصريحاتها اللاهبة بالعداء لـ "إسرائيل"، تندرج في إطار محاولة لصرف الأنظار ولو جزئياً عن المأزق الذي وقعت فيه "إسرائيل" جراء الهجوم على أسطول الحرية.

نوع من عملية انتحارية تكون هيلين توماس قد نفذتها، بتدبير محكم من قبل جهات صهيونية ذات قدرات معروفة في مجالات الإفك هذه، مع علمها بما سيجره عليها ذلك من أضرار، واستعدادها لتحمل تلك الأضرار، بهدف تقديم خدمة لـ "إسرائيل" من خلال تصرف يعيد للمرة المليون إحراج الرأي العام الأميركي والغربي لجهة احتضان الغرب لتوجهات لا تكتفي بمعاداة السامية، بل تذهب إلى حد اقتراح حلول من نوع ترحيل اليهود عن فلسطين وإعادتهم إلى المكان الذي جاؤا منه.

إنها عملية الابتزاز المعروفة التي مارستها الصهيونية إزاء أميركا والغرب وضمنت، من خلالها، الحصول على التأييد المطلق الذي كان شرط قيام دولة "إسرائيل" واستمرارها حتى اليوم. وما يعزز هذا الافتراض هو انشغال الإسرائيليين المحموم، بابتكار كل ما أمكن من مناورات وافتعالات من شأنها أن تخفف من وقع الجريمة، خصوصاً بعد الطوفان غير الاعتيادي من ردود الأفعال، الرسمية والشعبية، الشاجبة للهجوم على أسطول الحرية. وأية مناورة أو افتعال يمكنهما تحقيق هذا الغرض بمستوى الناجعية الذي تكفله معزوفة اليهودي الذي استولى لنفسه على صفة الضحية الدائمة للقهر والاضطهاد ! وإذا لم يصح كل ذلك، تكون هيلين توماس التي أمضت سبعين عاماً من حياتها وهي تغطي أخبار البيت الأبيض، وتكتب في الصحافة الأميركية موضوعات تخدم السياسات الأميركية، بما فيها سياسات الدعم المطلق

لـ "إسرائيل"... تكون قد انتابتها صحوة ضمير جعلتها، وهي في التسعين من عمرها، تكفر عما سلف منها، وتطلق تصريحاتها التي قالت فيه بأن الإسرائيليين يحتلون فلسطين، وعليهم مغادرتها والعودة من حيث جاؤا.

 في واشنطن، عاصمة حرية التعبير في الصحافة وغيرها، حرية أجمع المراقبون على أن لها حدوداً واضحة بما فيه الكفاية عندما يتعلق الأمر بالاعتراض على "إسرائيل".

بعضهم غفر لها هذه "الزلة" التي بدرت منها بسبب التقدم في العمر، وتحديداً بسبب "الخرف" الذي غالباً ما يصاحب التقدم في العمر. غفران أشد نكاية من الانتقام، كما هو واضح. لكن أكثرية المعلقين والمحللين شهروا عليها سيوف الانتقام ووجهوا إليها التهم المعهودة، معتبرين أن ما صدر عنها "فضيحة" أو شطط أو تعصب أعمى...والأهم من ذلك أن الإجراءات العقابية لم تقتصر على مجرد الكلام القاسي، بل تجاوزته إلى الاضطهاد والتنكيل. فقد أقيلت من وظيفتها ككاتبة "مزمنة" في إحدى الصحف الأميركية. وشغر مقعدها في الصف الأمامي في القاعة

التي يجلس فيها الصحافيون لتسجيل مقررات البيت الأبيض. وألغيت كلمة كان من المقرر أن تلقيها في حفل تنظمه إحدى المدارس. وصرح صحافي كان قد اشترك معها في تأليف كتاب حول بعض شؤون البيت الأبيض، بأنه لم يعد يرتبط معها في أية مشاريع لتأليف الكتب... وهكذا، على ما لفت إليه أحد المراقبين، انسحقت هيلين توماس، عميدة الصحافيين الأميركيين، تحت عجلات محدلة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن.


في واشنطن، عاصمة بلد يطرح نفسه على أنه بلد حرية التعبير، في الصحافة وغير الصحافة. حرية أجمع المراقبون على أن لها حدوداً واضحة بما فيه الكفاية عندما يتعلق الأمر بالاعتراض على "إسرائيل". وحدوداً أسف بعض المعلقين لأنها لم تعد موجودة في كل مكان!

وبما أن العالم يعيش حتى الثمالة لحظة الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية، وما اشتمل عليه من إظهار لقوة البطش، لاحظ، معلق آخر، ولكن من الزاوية المقابلة، كيف أن لوبي "إيباك" يظهر قوة بطشه في منع الصحافيين من التعبير عن آرائهم. وكما في الهجوم على المدنيين العزل في أسطول الحرية، جاء الهجوم على هذه العجوز التسعينية ليظهر كيف أن الصهيونية تستمريء البطش بالضعفاء الذين لا قدرة لهم على الرد، وتبني على هذا البطش أساطير عن جيشها الذي كرس لفترة على أنه لا يقهر، ثم تبين أنه يولي مولولاً أما صمود فئة قليلة من النوع المؤمن الذي لا يقعقع له بالشنان.

وسواء تعلق الأمر بهاتين الواقعتين أم بغيرهما مما لا يحصى من وقائع متراكمة، تواتر، بالتوازي مع استحكام نزعة البطش الغاشم عند الصهاينة، ظهور مشاعر التشاؤم إزاء مستقبل "إسرائيل" عند الكثيرين من اليهود الذين يؤذيهم الصلف الذي بات يحكم السياسات الإسرائيلية.

هاكم مثلاً ترجمة حرفية لما كتبه أحد المعلقين على ما حدث لهيلين توماس، وهو أكاديمي وحائز على الدكتوراه ودرجة الاستاذية وجائزة علمية رفيعة : "كان أبي يقول محقاً بأن ألد عدو لليهودي هو اليهودي نفسه. ليس على الإسرائيليين أن يعودوا إلى بولندا ولا إلى ألمانيا أو ليتوانيا أو هنغاريا. ولا سبب يدعوهم للعودة إلى إسبانيا أو البرتغال. من البديهي أن من الأفضل لهم بدلاً من العودة إلى الغرب، أن يختاروا الطريق الذي سلكه متزمتو المسادا *... أعتقد أن العزيزة هيلين توماس تحتاج إلى علاج جيد... فإسرائيل هي، لا أكثر ولا أقل من استطالة لدولة يهودا التي غزاها الرومان... بلا تعليقات إضافية".

(*) (**) مسادا هي قلعة حوصر فيها آخر المدافعين عن دولة يهودا في وجه الرومان في العام 73 ب.م. ثم انتحروا جميعاً مفضلين ذلك على الوقوع أسرى في يد عدوهم.

2010-06-11