ارشيف من :أخبار لبنانية
رفع الحصارعن غزة... بين المظهر والجوهر
صحيفة "الثورة" - بقلم: نواف أبو الهيجاء
لا يمكن للمراقب إلا أن يتوقف طويلاً أمام ما يجري في أوساط المحتلين الصهاينة ومن يواليهم ويوفر لهم حماية دولية وينقذهم دائماً من ( مواجهة) مايستحقون نتيجة اقترافهم المتكرر.
جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وصولاً الى مجزرة القرصنة في المياه الدولية في البحر المتوسط- وهي قد تكررت مرتين في غضون أيام- بين أسطول الحرية وسفينة(راشيل كوري)، ويبدو جلياً أن العزلة والإدانة الدوليتين اللتين تلاحقان تل أبيب تتعرضان لمحاولات(تنفيس) لا أكثر.
فالحديث عن تغيير لآلية الحصار المجرم المفروض على أهلنا في القطاع منذ أكثر من أربع سنوات يراد بها الالتفاف على مطلب قانوني ومشروع وهو( الرفع الفوري النهائي لحصار لا يملك أي مشروعية) على الإطلاق.
الموقف الملتوي يبدأ من قراءة رد فعل الإدارة الأمريكية ومن ثم ممثل( الرباعية الدولية) توني بلير الذي صرح بكل وضوح في الثامن من شهر حزيران الجاري( أنا مع إسرائيل 100٪) ما يعني أن جعله مستشاراً لنتنياهو هو أمر منطقي بدلاً من كونه( ممثلاً للرباعية الدولية) فهو بالأساس فاقد للصدقية حيال قضايانا العربية ، إنه شارك بقوة في العدوان على العراق واحتلاله وتدميره- كما أنه رفض ويرفض حتى اليوم تقديم أي اعتذار للشعب العراقي عما جناه بحقه بمشاركة إدارة جورج دبليو بوش في جريمة العصر( احتلال العراق وتدميره- والتسبب في مصرع أكثر من مليون وربع المليون إنسان حتى اليوم عدا عن الويلات والمصائب والمجازر والجرائم المقترفة منذ الاحتلال في نيسان 2003وحتى اللحظة الراهنة بحق العراق وشعبه وانتمائه وثروته وسيادته ووحدته).
المهم أن ما يجري في بعض العواصم الأوروبية- وغير الأوروبية ليس يهدف الى رفع المعاناة عن نحو مليون وثمانمئة ألف إنسان في القطاع- بل محاولة لإنقاذ العدوانيين العنصريين من الإحراج والمساءلة والعقاب- وذلك بطرح بدائل لتخفيف(الحصار) ومن زاوية( إنسانية) تشارك في آلياتها القوى المؤيدة للمحتلين. والمحتلون أنفسهم ويبقى الشعب في القطاع محاصراً وممنوعاً من مواصلة حياته كما هو حقه المشروع.
ألم يخرج الاحتلال من قطاع غزة ذليلاً ومدحوراً ومن طرف واحد ويفك مستوطناته؟ ألا يعني ذلك أنه لا يجوز له الاستمرار في محاصرة أهل القطاع؟ وإلا كان عليه الإقرار بأنه لا يزال يحتل القطاع ،وبالتالي فهو مسؤول عن ضمان الحياة وأسسها ومتطلباتها لكل من في القطاع، الاحتلال أراد ضرب عصفورين بحجر واحد، أراد أن يتخلص من أعباء الاحتلال وتكلفته البشرية والمعنوية المباشرة من جهة والاستمرار في خنق أهلنا في القطاع لتغيير مواقفهم منه ومن عدوانه ومن جريمة قيام(دولته) من جهة ثانية.
الجاري اليوم محاولات بائسة للإبقاء على القطاع تحت الحصار ولكن بطريقة مخففة وألطف، كمن يخنق إنساناً بحبل من (حرير) ويتأسف لأنه لا يقدر أن يخنقه بحبل من أزهار الورد الجوري، الحصار غير مشروع وغير قانوني - ولم يتم فرضه بأي قرار ذي صفة دولية( لا في المنظمة بجنيف ولا في المنظمة بنيويورك) إنه قرار صهيوني أحادي عنصري متعدد الأهداف والمرامي وهو يحظى بكثير من التواطؤ الدولي ومن بعضنا العربي- لا بل حتى من بعضنا الفلسطيني( مع الأسف) ولأهداف سياسية بينة للعيان تماماً، عليه: المطلوب أن يرفع الحصار مرة والى الأبد- والنظر إليه والى سواه من كل المظاهر التي تسبب التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة والعالم بنظرة شمولية تنطلق من كونه(ثمرة) مرة للاحتلال الصهيوني لفلسطين- منذ عام1948، فيكون العلاج الناجع بالتالي باقتلاع جذر الشجرة التي تنتج الثمار السامة.
على الفلسطينيين والعرب ومحبي العدل والحرية والسلام في العالم التحرك من هذا المنطلق، إن الاحتلال أمر غير مشروع وهو سبب كل الحروب والمآسي في المنطقة وتهديد أمن وسلام العالم ،فبغير الانسحاب من كل شبر تم احتلاله من قبل الصهاينة في فلسطين و سورية ولبنان، وبغير تنفيذ حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة والسيدة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف فإن الوضع المتفجر سيظل كذلك وتظل الحلول الآنية إما عرجاء وإما عمياء.
أن رفع اليد الضاغطة عن عنق الضمير الإنساني بشأن الحصار على قطاع غزة لا يكون إلا برفع الحصار فعلياً عن أهلنا هناك وأعني رفع الحصار براً وجواً وبحراً ولا يجوز أبداً السماح بمنطق( إن الذي يستحق المساعدة في القطاع هو جلعاد شاليط) والتخلي عن حقوق المليون وثمانمئة ألف إنسان في القطاع وحق الشعب الفلسطيني كله( في الوطن المحتل كما هو في الشتات، وهو يعد بنحو عشرة ملايين إنسان) وقد صدرت عن المجتمع الدولي عشرات القرارات القاضية بالاعتراف له بحقوقه، ولكن الكيان المارق ومن يسنده يقفون في وجه إنقاذ القانون والقرارات الدولية ومن عام 1948 حتى اليوم.