ارشيف من :آراء وتحليلات

العقوبات الدولية على إيران... كأنها لم تكن

العقوبات الدولية على إيران... كأنها لم تكن
عقيل الشيخ حسين

هنالك وقائع وازنة تفعل في التاريخ، ووقائع بلا وزن يدهسها التاريخ ولا يبقي لها أثراً ولا ذكراً. إنها قصة ما يمكث في الأرض مقابل الزبد الذي يذهب جفاءً.
الوقائع الوازنة التي احتلت لنفسها مواقع في رسم مسيرة التاريخ في الأيام القليلة الماضية يتصدرها الاتفاق الثلاثي الموقع بين إيران وتركيا والبرازيل حول تخصيب اليورونيوم، من جهة، وأسطول الحرية، من جهة الثانية. وكل ذلك على خلفية الهزائم السياسية والعسكرية والأزمات الاقتصادية التي تضرب بلدان المعسكر الأميركي.

الاتفاق الثلاثي تم توقيعه على أنقاض أمل أميركي بأن تفضي المفاوضات بين إيران وتركيا والبرازيل إلى الطريق المسدود، وبالتالي إلى كسب البلدين الأخيرين إلى جانب الموقف الأميركي، الأمر الذي سبق لكبار المسؤولين الأميركيين أن بذلوا ما فوق طاقتهم في سبيل تحقيقه، على أساس أنه قد يسهم في عزل إيران وإضعاف موقفها.

لكن النتيجة المنتظرة جاءت عكسية ودللت، في ما يتجاوز حيثيات النووي الإيراني، على تعزز علاقة إيران ببلدين صاعدين لهما ثقلهما الإقليمي والدولي، وفتحت الباب واسعاً أمام تغيرات كبرى على مستوى بنية النظام الدولي، من خلال بروز مطلب إصلاح الأمم المتحدة، تلك المنظمة التي لم يعد بإمكانها، في ظل التغيرات الكبرى التي يشهدها العالم، أن تواصل إدارة الشأن الدولي بالشكل الذي دأبت عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

فإذا كانت المنظمة الدولية قد تحولت، لا سيما من خلال مجلس الأمن، ومؤسساتها الأخرى، ما بين مالية وثقافية واجتماعية وحقوقية، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، إلى أداة مكشوفة في يد الولايات المتحدة التي ظنت وظن معها الكثيرون بإنها باتت قاب قوسين أو أدنى من إدخال العالم في العصر الأميركي، فإن ما سجلته السياسات الأميركية من إخفاقات على جميع الصعد الداخلية والخارجية، انعكس مباشرة، وبشكل سلبي، على قدرة الولايات المتحدة على الاضطلاع بدور قائدة العالم.
 
العقوبات نوع يجدر به أن يرمى في سلة المهملات وهو ما اقر به الإسرائيليون والكونغرس الأميركي، في حين أن الاتفاق الثلاثي سيعود قريباً إلى احتلال واجهة المسرح،وسيدلل على مصداقية الموقف الإيراني مقابل تهافت الموقف الأميركي

ليس أدل على ذلك، وعلى صحة الدعاوى بخصوص شيخوخة المنظمة الدولية ومجلس الأمن، غير إلحاق الحليف الألماني بذلك المجلس، فيما يخص الملف النووي الإيراني.

وعلى طريقة النعامة، وجدت الولايات المتحدة نفسها ملزمة بدفن رأسها في الرمال كوسيلة وحيدة للمحافظة على ماء وجهها، إزاء التطور الهام الذي مثله الاتفاق الثلاثي : تجاهلت ذلك الاتفاق ومضت قدماً نحو التصويت في مجلس الأمن على القرار 1929 القاضي بفرض عقوبات جديدة على إيران.

وبالطبع، ضمنت مسبقاً تأييد الروس والصينيين. لكنه جاء تأييداً لا يضر بإيران ولا يحدث فرقاً باتجاه تعزيز الموقف الأميركي، إضافة إلى كونه يسمح للروس والصينيين أن يبتزا أميركا في أكثر من ملف، مع الحرص على عدم الإضرار، استراتيجياً، بعلاقاتهما مع إيران.

العقوبات هي إذن من النوع الجدير بأن يرمى في سلة المهملات. وذلك أمر اقر به الإسرائيليون والكونغرس الأميركي، في حين أن الاتفاق الثلاثي سيعود قريباً إلى احتلال واجهة المسرح، وسيدلل على مصداقية الموقف الإيراني بالتوازي مع تهافت الموقف الأميركي الذي يتخذ النووي الإيراني ذريعة لمحاولة التحشيد، لا ضد النووي الإيراني، بل ضد سياسة إيران الفاعلة في مواجهة الاستكبار.

ومن دون أن تضطر إيران إلى التلويح، رداً على العقوبات، بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو بالانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وفي ذلك تأكيد إضافي على انعدام وزن العقوبات، ترافق التصويت على هذه الأخيرة مع تطور ذي دلالة بين قرار مجلس الأمن وموقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أعربت عن رغبتها في مواصلة المفاوضات مع إيران، وهي الرغبة التي تتقاسمها، في النهاية، مع روسيا والصيني رغم تصويتهما "الفارغ" لصالح قرار العقوبات.

وعلى ذلك لا تكون العقوبات قد أحدثت فارقاً حتى على مستوى الحاجة الموضوعية إلى التفاهم مع إيران، في وقت لم تعد فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها في موقع امتلاك القدرة على إلحاق الأذى بالمشروع الإيراني بوجه عام.

صحيح أن العقوبات قد لعبت دوراً، على المستوى الإعلامي، في حرف الأنظار عن أسطول الحرية وعن همجية "إسرائيل" في التعامل مع هذه الظاهرة. لكن ذلك الدور يظل هزيلاً ومؤقتاً ولا فاعلية له في تغيير المواقف الدولية، الرسمية والشعبية، التي استجدت بعد الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية، وهي مواقف أعطت دفعاً قوياً وغير مسبوق للقضية الفلسطينية.

وبشكل غير مسبوق أيضاً، دفع المعتركان ـ الملف النووي الإيراني وأسطول الحرية ـ بالملف النووي الإسرائيلي إلى مقدم المسرح. وكسبت فكرة شرق أوسط بلا أسلحة نووية دفعة هامة إلى الأمام، الأمر الذي ينطوي على إحراج بالغ لأميركا و"إسرائيل" وسائر حلفائهما في المنطقة.
2010-06-14