ارشيف من : 2005-2008
الأمين العام لرابطة الشغيلة النائب السابق زاهر الخطيب لـ"الانتقاد": شرق أوسط جديد نصنعه بدماء شهدائنا وسواعد مقاومينا
"المشروع الأميركي يودع.." لماذا؟ "لأنه استنفد كل الوسائل للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط".. هذا ما يخلص اليه الأمين العام لرابطة الشغيلة النائب السابق زاهر الخطيب.
..الخطيب الذي وقف في المجلس النيابي عام 1982 ضد اتفاق 17 أيار يؤكد أن "جبهة الممانعة" التي هو منها هي بصدد صناعة شرق أوسط جديد، لكن من "دماء شهدائنا وسواعد المقاومين في المنطقة، وسيكون على صورة أحلام شهداء الأمة العربية وعلى صورة قرارات دول الممانعة". فالأميركي الغارق في الوحول بدءا من أفغانستان مروراً بالعراق وصولاً إلى فلسطين ولبنان لم يعد يستطيع ان يحقق بـ"القفزات السياسية ما عجز عنه بالبارود والنار"، وربما هذا ما دفعه بحسب الخطيب الى التراجع عن جملة شروط كان أملاها على الفريق المتحالف معه للإتيان برئيس للجمهورية، فجاء ترشيح العماد سليمان ثمرة التبدل في موازين القوى الدولية والإقليمية.
انكسار المشروع الاميركي في المنطقة عنوان الحوار مع الامين العام لرابط الشغيلة النائب والوزير السابق زاهر الخطيب.. وفي ما يلي نص الحوار:
الحديث عن مشروع أميركي في المنطقة وتحديداً في لبنان ليس بجديد، إلامَ يهدف هذا المشروع؟
المشروع الأميركي يهدف إلى السيطرة على العالم باعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية هي الطليعة الجائرة لما يسمى بالعولمة، غايتها في منطقة الشرق الأوسط تحديداً أمران محددان: الأول الاستيلاء على النفط باعتبار ان هذه المنطقة هي من اغنى بلاد العالم، والامر الثاني الحفاظ على وليدها الكيان الصهيوني وصونه وتعزيزه.
أين لبنان من هذا المشروع؟
لبنان ليس غاية بذاته.. لبنان ساحة من ساحات الاشتباك ضد المشروع الأميركي الصهيوني الغربي العربي الاستسلامي. هذا المشروع يفتش عن موقع قدم في لبنان ليتمكن من خلاله ان يطلق النار على سوريا وإيران، ولمعالجة تأزمه المتفاقم الذي يعيشه غرقاً في وحول العراق وأفغانستان وباكستان وفلسطين ولبنان، ووحول منطقة الصومال وأفريقيا، ومجابهة ما يسمى بظاهرات المقاومات التي اندلعت في المنطقة، سواء العراقية او اللبنانية أو الفلسطينية للقضاء على ما زعم أنه يحارب الإرهاب. وتحت شعار محاربة الإرهاب توجه إلى منطقة الشرق الاوسط لتنفيذ مشروع ما يسمى الشرق الأوسط الجديد الهادف الى الاستيلاء على ثرواتنا وطمس هويتنا وتغييب عروبتنا وحماية الصهيونية.
هذه الشعارات التي رفعها هذا المشروع هل وجدت لها أرضا خصبة في المنطقة، وتحديداً في لبنان؟
أولاً هذا المشروع ارتكز على الامبراطورية الأوروبية الآفلة، والأميركية التي هي في طور الهزيمة والانهيار على حد قول رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ريتشارد هارس، وعلى حد قول كوندليزا رايس. هذا المشروع كان مراهناً على أوروبا المتصدعة والمأزومة والتي شاهدنا بعض مآثرها في باريس وإيطاليا، وعلى حماية وغطاء الأنظمة العربية الاستسلامية والكيان الصهيوني. في لبنان حاول هذا المشروع ان يربط بين وجود المقاومة ودول الممانعة، وهدف من خلال محاصرة طهران ودمشق ان يحمي الكيان الصهيوني بضرب المقاومة، فحاول عبر أدواته في الداخل اللبناني ان ينهي ظاهرة المقاومة، لكن عندما عجز عن ذلك كلف في تموز بقرار أميركي الكيان الصهيوني ليقوم بهذه المهمة، وعندما انتصرت المقاومة وهُزمت "إسرائيل" كُرس بذلك خيار المقاومة في الإرادة السياسية والعربية، وباتت ظاهرة المقاومة ظاهرة منتشرة.. ويوما بعد يوم دخلت الامبراطورية الأميركية في مأزق يليه مأزق.. ونقول ان أميركا هُزمت لا يعني انها رفعت الراية البيضاء، ولكن مؤشرات هزيمتها بدأت تظهر بوضوح.
هل الأميركي استخدم هذا الفريق الحاكم (الأدوات) أم الأخير استفاد منه لتحقيق أهدافه السياسية؟
لا، مشروع الشرق الأوسط الجديد مرسوم منذ فترة، وعدوان تموز لم يكن عابراً وطارئاً. أدوات هذا المشروع موجودة قبل العدوان واستمرت ما بعده على تنسيق كامل مع الإدارة الأميركية، لذلك لا نستطيع أن نقول ان هذه الأدوات لم تشارك في العدوان، بل شاركت بغطاء عربي، وبالتالي الحلف الصهيوني العربي لا يزال راهنا يحاول استبدال العدو الصهيوني بطهران والعدو الإسرائيلي بسوريا.
.. هل هذا ما جرى التعبير عنه لدى بعض قوى الداخل عندما اعتبر سوريا عدواً و"إسرائيل" جارة؟
هذا يندرج في إطار برنامج ومحطات جرى التعبير عنها بالتوالي: أن يُبدأ بوصف "إسرائيل" على انها الجار.. هذه المقّدمة لأحد الوزراء الذين أعانوا العدو الصهيوني على ضرب منزل سماحة السيد حسن نصر الله، ثم الترويج بأن رئيس الجمهورية ينبغي أن يطبّع في كل الاتجاهات، بما فيها الاتجاه الإسرائيلي، انتهاء بما قاله "ادلمن" مؤخراً بأننا لا نجد مبرراً لعداوة بين لبنان و"إسرائيل". إذاً هذه الحبكة اللبنانية من أدوات المشروع الأميركي تفيد ان هناك مخططا هادفا يجري تنفيذه.
انهزام المشروع الأميركي ما هي مؤشراته.. معالمه ودلائله؟
اولاً يجب أن نميز بين أمرين من الهجمة الأميركية: بين ان تكون مستمرة كهجمة عسكرية ودبلوماسية وسياسية وإعلامية واقتصادية، وأن تكون في طور الهزيمة. من حيث الهجمة فهي ما زالت بكل أنواعها، لكن هذه النيوبرالية التي انتشرت في أصقاع الأرض يكفي ان نقول ان القدرة الاقتصادية العائدة لها بدأت تشير حسب "ستغلس" وكبار الاقتصاديين الى انها باتت تقارب ازمة 1929. كأن نقول مثلاً ان كلفة الحرب على أفغانستان والعراق بلغت ألفين ومئتي مليار دولار، فضلا عن عجز في الاستدانة العامة والميزان التجاري وميزان المدفوعات، هذه القوة الاقتصادية لها انعكاساتها الكبيرة.. أضف إلى ذلك القدرة العسكرية لها انعكاساتها أيضاً، فأميركا صرفت نصف احتياطها من الذخائر، كل هذا يجعلها غير قادرة على الاستمرار في هذا النهج، ما ألزم بوش بضرورة الالتزام بتقرير بيكر ـ هاملتون الذي يقضي بأن ينفتح الأخير على طهران وسوريا، وهذا ما نشهده حالياً نتيجة المأزق التي تعيشه.. وجاء "أنابوليس" حتى يدير حالة الفراغ هذه.
.. هنا نسأل ما إذا كان الفراغ الرئاسي دليلاً على انكسار هذا المشروع؟
مجرد ان ترضى أدوات أميركا بالتراجع عن كل ما كان يروج له السفير الاميركي.. التراجع عن النصف زائد واحد، عن الإتيان برئيس للجمهورية من فريق 14 شباط، عن فكرة تعديل الدستور، كل هذه التراجعات التي ظهرت فجأة تفيد بعد "أنابوليس" بأن التوجه الأميركي وصل إلى السد الذي فرضه الرأي العام والبنتاغون والاستخبارات والكونغرس، والذي حد من جموح بوش بما يتناقض مع تقرير بيكر هاملتون المعبر الحقيقي عن مصالح الاستراتيجية للطبقة الحاكمة.. لذلك أجد هذا التراجع هو الذي حبك من جديد مع سوريا وإيران، وجاء الاستحقاق الرئاسي بترشيح العماد سليمان ثمرة التبدل في موازين القوى الدولية والإقليمية. ونستطيع القول ان التسوية جرى ترتيبها عالمياً وتغطيتها عربيا، إنما الطابق الداخلي لمصالح ضيقة وفئوية هي التي تجعل من أدوات المشروع الأميركي الغربي الصهيوني العربي الاستسلامي على تباين مع المصالح الكبرى، علهم يستطيعون ان ينجزوا بعض المصالح الخاصة بهم ويحسنوا موقعهم التفاوضي. فإما رد اعتبار السنيورة أو كسب موقع وزاري؟ او لزيادة الاموال التي يسلبونها من خلال مشاريع سياسية مالية اقتصادية تقوم على الفساد والخصخصة، لذا يعملون على مد عمرهم من خلال المفاوضات والانقلاب على المساعي من حين لآخر، في حين ان الاستحقاق الرئاسي حسم لمصلحة العماد سليمان، فلماذا لا يلبون الصيغة التوافقية على سائر الأمور الخلافية السياسية الأخرى؟
.. لكن هل تقبل أميركا الانكسار، خصوصاً انها لن تعدم وسيلة لتحقيق مشروعها؟
هم استنفدوا كل الوسائل، والسؤال المطروح: إلى أين وصلوا؟ وصولوا إلى الإقرار بضرورة التخلي عن الشرط الذي كانوا يضعونه إزاء الاستحقاق الرئاسي. أما في ما يعني سائر الشروط فعندما يجد الاميركيون ان الصيغة التي رست في النهاية هي صيغة التوجه نحو التسويات الكبرى وليس نحو الحروب الكبرى، كل ما في الأمر ان السنيورة وفريقه يزيدون من معاناة الناس الاقتصادية والاجتماعية والوطنية، الا ان موازين القوى لا يمكن ان تعود إلى الوراء.. نحن أمام أفق جديد للبنان جديد بدا يجري ارساء معالمه الانتقالية، علّنا اذا حققنا انتخابات جديدة تعيد صياغة التمثيل الشعبي نستطيع بعدها أن ننهض بالدولة الحديثة.
هل تعتقد أن الأميركي أمام صياغة جديدة لمشروعه؟
الأميركي يودع.. ليس ثمة أفق لولاية تأتي أشرس مما فعله بوش، لأن الأخير دفع الأمور إلى أقصاها من خلال الحروب الوقائية والاستباقية. السؤال: هل تستطيع أميركا بعد كل هذه الوحول التي غرقت فيها أن تحقق بالقفزات السياسية ما عجزت عنه بالبارود والنار؟ أنا أقول لا يمكن لأي إدارة أميركية أن تحقق ما عجزت عنه بالحروب.
اذاً.. أي شرق أوسط ننتظره في المرحلة المقبلة؟
نحن بصدد شرق أوسط جديد، لكن نصنعه بدماء شهدائنا، ونصنعه بسواعد المقاومين في المنطقة.. وسيكون هذا الشرق الاوسط جديدا ولكن على صورة أحلام شهداء الأمة العربية، وعلى صورة قرارات دول الممانعة.
ما ردكم على الكلام الذي يساق ضدكم في إقليم الخروب لجهة التسلح؟
الفريق الآخر هو من يقوم بالتسلح وبالتوظيف تحت عناوين شركات أمن خاصة ليلعب دورا ميليشياويا تخريبياً يستجيب للمخطط الأميركي الهادف لما يسمى إثارة الفتن، ويستطيع من خلالها ان يستعيد ما عجز عن تحقيقه عبر الحروب. أما نحن فمنذ سنة 1973 نتحدث عن ضرورة بناء ملاجىء وتدريب أبناء الجنوب وتسليحهم، وفي عامي 82 و83 عندما رفضنا 17 ايار سُئلنا: ما هو البديل؟ فقلنا المقاومة، لأنها خيار الشعوب. ونحن الآن نلتزم المقاومة خياراً، ولنا الشرف ان نمتشق السلاح في وجه العدو. أما في معركة الإصلاح والتغيير فلنا الشرف أن نلتزم الحكمة بالنضال الحضاري السلمي، وهذا ما عبرنا عنه في اعتصام المعارضة.
حاوره حسين عواد
الصور لموسى الحسيني
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007