ارشيف من : 2005-2008
"الانترنت إعلام ضد الإعلام" لعبد الحليم حمود
"في الطبيعة (الحياة) ليست هناك جوائز، ولا عقوبات، هناك نتائج"، هذا ما قاله يوماً "روبرت جرين"، وهذا ما تؤكده الدراسة الجديدة (من سلسلة "الإعلام سمة العصر") لفنان الكاريكاتور اللبناني المعروف، والباحث الصحافي عبد الحليم حمود، الصادرة حديثاً عن دار الهادي ـ بيروت، بعنوان "الإنترنت إعلام ضدّ الإعلام".
فهذه الدراسة تستعرض بكفاءة لافتة طبيعة "النتائج" الباهرة الناجمة عن الثورة التكنولوجية العظمى والكاسحة للاتصالات الحديثة التي جعلت عصرنا، عصر الإنفوميديا بامتياز، بفضل الانصهار التكنولوجي المدهش الذي ولّدته الشبكة العنكبوتية الهائلة والأسطورية المتمثلة بالإنترنت، والتي شبّت عن الطوق المرسوم لها أساساً، بفعل عوامل عدة، أقدرتها على أن تُخضع بالكامل، عالمنا الحقيقي والواقعي للمشيئة المطلقة لعالمها الافتراضي، وذلك من خلال سطوة كمٍ هائل من المعلومات المتاحة التي ساعدت في تخزينها واحتوائها ذاكرة اصطناعية عملاقة أتاحت فرض تبادلها واستخدامها، واستناداً إلى ذلك كله، نهض بناء هذه الدراسة على ما تضمنته من قراءة تشريحية مفصّلة للمشهد التكنولوجي العالمي العام، بامتلاكاته وتحولاته، وتداعيات تأثيراته الدامغة، عبر الدخول إلى عمق أبرز ظاهرة علميّة حديثة، ورصد ظواهرها وبواطنها، للإضاءة على الدور المتزايد الذي تلعبه في حياتنا الحاضرة.
لذا تروي هذه الدراسة وبشكل دقيق ومتوازن وموثّق المصادر "القصة الكاملة" للإنترنت منذ ولادتها ونشأتها وتطوراتها وصولاً إلى عصرنا الحالي. فتقدم للقارئ المتخصص والعادي معاً، خريطة بانورامية عالمية للإنترنت، وعلى طريقة المسح الشامل والكاشف لتركيبة ومواصفات هذه الشبكة المعقدة، بمواقعها، وكيفية ونوعية استخداماتها، بحسناتها وسيئاتها، استثماراتها، بإيجابياتها وسلبياتها، وأعداد مستخدميها واهتماماتهم، مع إظهار تطلعات ونوازع، ومنازع من يقودها ويتحكم بمقدراتها، في استعراضٍ تحليلي، نقدي للمعطيات الحالية المحيطة بنتائج عمل هذه الشبكة الدولية، يقودنا بالتالي إلى استشراف آفاقها المستقبلية في رسم صورة حيّة، كوّنها تضافر شهادات وآراء ومواقف خبراء أساسيين يعدّون مراجع ثقة في مجالات الاتصالات الالكترونية، عالمياً وآراء "عاملين" مياومين على الإنترنت ومهتمين ومشاركين في الحركة اللاهثة لهذا العالم الافتراضي، بمنجزاته والمستفيدين من تصنيفاتها المتنوعة.
وإذ تنطق هذه الدراسة من واقع أن مجتمع المعلومات هو ـ بالضرورة ـ متخلّف عن مجتمع المعرفة ـ كماً ونوعاً ـ مظهرة الفارق الشاسع بينهما، فهي تضع تعريفاً مبسّطاً للإنترنت التي جاءت ولادتها "عبارة عن هيكلية عامة لتبادل الملفّات الرقمية، وقد صممت أنظمة شبكاتها المبنية في شكلٍ يخدم الجميع بشكل عادل متساوٍ، وأراد لها أساتذتها الأوائل أن تنقل المعلومات والبيانات بشكل لا يميّز بين الأشخاص الذين يقومون بإرسالها، ولا نوع المعلومات المتدفقة عبر فضائها، ولا متلقيها"، لكن ما حدث لاحقاً، هو أن هذه الشبكة، كانت في بعض تحولاتها، ذات منحىً "ديكتاتوري" محكم، ما جعل كثراً يحاولون وضع حدّ لها، ويسارعون في التشكيك بمشروعيتها، غير أنها نمت وتفاقمت سطوتها إلى درجة أنه لم يعد في وسع أحدٍ السيطرة عليها أو ادعاء مثل هذه السيطرة، ومن هنا فقد تحولت هذه الشبكة الأسطورية وبغياب الضوابط الأخلاقية والقانونية إلى "إعلام ضد الإعلام" في أغلب وجوهها السافرة، فأضحت هذه الوسيلة التكنولوجية الأرقى في العالم أداة إعلامية "غامضة" تحوطها الشبهات، فهي "التي أثبتت مقاومتها العنيفة لجهود من يحاولون تخليصها من المواد الإباحية، والبريد الالكتروني "سبام"، ورسائل استدراج الزبائن بصورة زائفة "فيشينغ" وغيرها من المواد غير المرغوبة.. وهذا ما يعطي مصداقية مطلقة للتحذير الذي تسجّله هذه الدراسة، والذي أطلقه ذات مرة، مخترع شبكة الانترنت البريطاني "تيم بيرنزلي"، الذي كان قلقاً بشأن مستقبل الشبكة وكيفية استخدامها لنشر معلومات خاطئة، وقوى "غير ديموقراطية". وقال إنه إذا أُطلق العنان لمثل هذه الاستخدامات دون مراجعة فيمكن أن تحدث "أشياء سيئة، فإذا لم نستطع أن نُدرك تطور الإنترنت، فقد نُعاني من الأشياء السيئة للغاية، وأن بعض القوى غير الديموقراطية قد تظهر، وتبدأ المعلومات الخاطئة في الانتشار عبر الانترنت". وتقول الدراسة تعقيباً على هذا القول: "الأرجح أن فكرة التحكم بالشبكة الدولية للكومبيوتر، تحمل الكثير من التناقضات، بالنسبة إلى 875 مليون مستخدم للشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وما حذّر منه مخترع الشبكة قد أصبح أمراً واقعاً، بل ومستفحلاً بلا حدود أو موانع، تتناوله هذه الدراسة من جوانبه كافة في توليفة سياقيّة محكمة تؤكد بشكل قاطع وملموس طغيان هذا العالم الافتراضي، بمسوّغاته المشروعة وغير المشروعة، والذي لا يعدو كونه "غولاً" صناعياً يبتلع كل مقدرات العالم الواقعي، وعلى رأسها الوسائل والأجهزة الإعلامية ومحتوياتها جملة، فاحتواء هذه الشبكة كإعلام حديث وعصري هو مُرعب ولا نهائي للإعلام التاريخي من وجوهه وجوانبه كافة، ما يضعنا ـ وعلى حد قول حمود: "أمام عنوانٍ يحتل مساحة من الحاضر ستتسع بشكل مطّرد في المستقبل إن كان من الناحية المعرفية أو الاقتصادية، وصولاً إلى طريقة العيش، من هنا كان هذا الكتاب بمواضيعه المتشعبة كمحاولة لالتقاط أكبر قدر ممكن من نواحي الانترنت، التي تكاد تكون لا متناهية (بتشكيلها) منظومة شديدة التعقيد، وأصعب ما فيها، الدينامية التقنية والابتكارية التي تجعلنا أمام مشهد متحرك، تصعب قراءته بهدوء والخروج بمسلّمات ثابتة سلباً أم ايجاباً".
أحمد ياسين
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو2008
فهذه الدراسة تستعرض بكفاءة لافتة طبيعة "النتائج" الباهرة الناجمة عن الثورة التكنولوجية العظمى والكاسحة للاتصالات الحديثة التي جعلت عصرنا، عصر الإنفوميديا بامتياز، بفضل الانصهار التكنولوجي المدهش الذي ولّدته الشبكة العنكبوتية الهائلة والأسطورية المتمثلة بالإنترنت، والتي شبّت عن الطوق المرسوم لها أساساً، بفعل عوامل عدة، أقدرتها على أن تُخضع بالكامل، عالمنا الحقيقي والواقعي للمشيئة المطلقة لعالمها الافتراضي، وذلك من خلال سطوة كمٍ هائل من المعلومات المتاحة التي ساعدت في تخزينها واحتوائها ذاكرة اصطناعية عملاقة أتاحت فرض تبادلها واستخدامها، واستناداً إلى ذلك كله، نهض بناء هذه الدراسة على ما تضمنته من قراءة تشريحية مفصّلة للمشهد التكنولوجي العالمي العام، بامتلاكاته وتحولاته، وتداعيات تأثيراته الدامغة، عبر الدخول إلى عمق أبرز ظاهرة علميّة حديثة، ورصد ظواهرها وبواطنها، للإضاءة على الدور المتزايد الذي تلعبه في حياتنا الحاضرة.
لذا تروي هذه الدراسة وبشكل دقيق ومتوازن وموثّق المصادر "القصة الكاملة" للإنترنت منذ ولادتها ونشأتها وتطوراتها وصولاً إلى عصرنا الحالي. فتقدم للقارئ المتخصص والعادي معاً، خريطة بانورامية عالمية للإنترنت، وعلى طريقة المسح الشامل والكاشف لتركيبة ومواصفات هذه الشبكة المعقدة، بمواقعها، وكيفية ونوعية استخداماتها، بحسناتها وسيئاتها، استثماراتها، بإيجابياتها وسلبياتها، وأعداد مستخدميها واهتماماتهم، مع إظهار تطلعات ونوازع، ومنازع من يقودها ويتحكم بمقدراتها، في استعراضٍ تحليلي، نقدي للمعطيات الحالية المحيطة بنتائج عمل هذه الشبكة الدولية، يقودنا بالتالي إلى استشراف آفاقها المستقبلية في رسم صورة حيّة، كوّنها تضافر شهادات وآراء ومواقف خبراء أساسيين يعدّون مراجع ثقة في مجالات الاتصالات الالكترونية، عالمياً وآراء "عاملين" مياومين على الإنترنت ومهتمين ومشاركين في الحركة اللاهثة لهذا العالم الافتراضي، بمنجزاته والمستفيدين من تصنيفاتها المتنوعة.
وإذ تنطق هذه الدراسة من واقع أن مجتمع المعلومات هو ـ بالضرورة ـ متخلّف عن مجتمع المعرفة ـ كماً ونوعاً ـ مظهرة الفارق الشاسع بينهما، فهي تضع تعريفاً مبسّطاً للإنترنت التي جاءت ولادتها "عبارة عن هيكلية عامة لتبادل الملفّات الرقمية، وقد صممت أنظمة شبكاتها المبنية في شكلٍ يخدم الجميع بشكل عادل متساوٍ، وأراد لها أساتذتها الأوائل أن تنقل المعلومات والبيانات بشكل لا يميّز بين الأشخاص الذين يقومون بإرسالها، ولا نوع المعلومات المتدفقة عبر فضائها، ولا متلقيها"، لكن ما حدث لاحقاً، هو أن هذه الشبكة، كانت في بعض تحولاتها، ذات منحىً "ديكتاتوري" محكم، ما جعل كثراً يحاولون وضع حدّ لها، ويسارعون في التشكيك بمشروعيتها، غير أنها نمت وتفاقمت سطوتها إلى درجة أنه لم يعد في وسع أحدٍ السيطرة عليها أو ادعاء مثل هذه السيطرة، ومن هنا فقد تحولت هذه الشبكة الأسطورية وبغياب الضوابط الأخلاقية والقانونية إلى "إعلام ضد الإعلام" في أغلب وجوهها السافرة، فأضحت هذه الوسيلة التكنولوجية الأرقى في العالم أداة إعلامية "غامضة" تحوطها الشبهات، فهي "التي أثبتت مقاومتها العنيفة لجهود من يحاولون تخليصها من المواد الإباحية، والبريد الالكتروني "سبام"، ورسائل استدراج الزبائن بصورة زائفة "فيشينغ" وغيرها من المواد غير المرغوبة.. وهذا ما يعطي مصداقية مطلقة للتحذير الذي تسجّله هذه الدراسة، والذي أطلقه ذات مرة، مخترع شبكة الانترنت البريطاني "تيم بيرنزلي"، الذي كان قلقاً بشأن مستقبل الشبكة وكيفية استخدامها لنشر معلومات خاطئة، وقوى "غير ديموقراطية". وقال إنه إذا أُطلق العنان لمثل هذه الاستخدامات دون مراجعة فيمكن أن تحدث "أشياء سيئة، فإذا لم نستطع أن نُدرك تطور الإنترنت، فقد نُعاني من الأشياء السيئة للغاية، وأن بعض القوى غير الديموقراطية قد تظهر، وتبدأ المعلومات الخاطئة في الانتشار عبر الانترنت". وتقول الدراسة تعقيباً على هذا القول: "الأرجح أن فكرة التحكم بالشبكة الدولية للكومبيوتر، تحمل الكثير من التناقضات، بالنسبة إلى 875 مليون مستخدم للشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وما حذّر منه مخترع الشبكة قد أصبح أمراً واقعاً، بل ومستفحلاً بلا حدود أو موانع، تتناوله هذه الدراسة من جوانبه كافة في توليفة سياقيّة محكمة تؤكد بشكل قاطع وملموس طغيان هذا العالم الافتراضي، بمسوّغاته المشروعة وغير المشروعة، والذي لا يعدو كونه "غولاً" صناعياً يبتلع كل مقدرات العالم الواقعي، وعلى رأسها الوسائل والأجهزة الإعلامية ومحتوياتها جملة، فاحتواء هذه الشبكة كإعلام حديث وعصري هو مُرعب ولا نهائي للإعلام التاريخي من وجوهه وجوانبه كافة، ما يضعنا ـ وعلى حد قول حمود: "أمام عنوانٍ يحتل مساحة من الحاضر ستتسع بشكل مطّرد في المستقبل إن كان من الناحية المعرفية أو الاقتصادية، وصولاً إلى طريقة العيش، من هنا كان هذا الكتاب بمواضيعه المتشعبة كمحاولة لالتقاط أكبر قدر ممكن من نواحي الانترنت، التي تكاد تكون لا متناهية (بتشكيلها) منظومة شديدة التعقيد، وأصعب ما فيها، الدينامية التقنية والابتكارية التي تجعلنا أمام مشهد متحرك، تصعب قراءته بهدوء والخروج بمسلّمات ثابتة سلباً أم ايجاباً".
أحمد ياسين
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو2008