ارشيف من : 2005-2008
سائد وجودت النبهان..جمعتهما الأخوة والمقاومة وحتى الشهادة!!
اللحظة الأخيرة في هذه الدنيا، إنهما الشقيقان سائد عبد الله نبهان المقاوم في كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس، وجودت المقاوم في سرايا القدس ـ الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي من سكان شمال قطاع غزة.
بداية قصتهما كانت فجر الخميس الموافق السابع من شهر فبراير/ شباط الجاري، حيث خرجا للدفاع عن بلدة جباليا مسقط رأسيهما عقب تعرضها لعدوان صهيوني بري وجوي غاشم؛ أما عن التفاصيل فرواها لنا رفاق درب الشهيدين بالقول: "كان هناك ظهور مفاجئ لطائرات الاحتلال في الأجواء الشرقية لجباليا، صاحبه إطلاق نار كثيف، وبعد وقت قصير جاءتنا الإشارة عبر أجهزة اللاسلكي بأن هناك قوات خاصة تقدمت نحو حي السلام، حينها لم يتأخر سائد في التحرك مع مجموعة من المجاهدين للتصدي لتلك القوات".
موعد مع الشهادة
ويتابع أصدقاء الشهيد أن سائد (26 عاماً) تسلل بين مجموعة من الأشجار لا تبعد سوى عدة أمتار عن مكان وجود القوة الصهيونية القريبة من منزله، وما هي إلا لحظات حتى بدأ بإطلاق النار باتجاهها قبل أن تباغته طائرات الاحتلال بصاروخ سقط في منطقة قريبة منه؛ لكنه لم يصب بأذى؛ إلا أن تلك الطائرات عادت وأطلقت صاروخاً آخر باتجاهه الأمر الذي أدى إلى استشهاده على الفور، برفقة زميله محمود المطوق.
في هذه الأثناء خرج جودت (29 عاماً) مسرعاً من منزله فور سماعه دوي الانفجار، معتقداً أن الصاروخ أصاب أخيه بحكم علمه بوجوده بجوار المنزل، وعندما وصل وجد شقيقه ورفيقه المطوق ملقيان على الأرض بعد أن أصابهما الصاروخ مباشرة ومزق جسديهما، عندها طلب جودت الإسعاف عبر هاتفه المحمول، وانتقل برفقة ابن عمه صالح إلى الشارع الرئيس الذي يؤدي إلى المنطقة التي يوجد فيها جثمان شقيقه في انتظار سيارة الإسعاف، دون أن يعلما بتمركز القوات الخاصة في المنطقة المطلة على الشارع؛ وما هي إلا طلقات معدودة أطلقها القناصة الصهاينة على جبل الريس كانت كفيلة بإنهاء حياة جودت مباشرة، وإصابة ابن عمه صالح بجراح حرجة استشهد على إثرها في وقت لاحق.
هكذا رحل سائد وشقيقه جودت الذي رافقه في هذه الدنيا كأخ ومقاوم حتى الشهادة، أما كيف تلقت أسرتهما نبأ استشهادهما فهذا ما أجابتنا عنه الحاجة أم سعدي والدتهما التي قالت: "إنها تلقت في البداية خبر استشهاد سائد عبر إحدى الإذاعات المحلية بعد أن أنهت تناولها لطعام السحور حيث اعتادت على صيام يومي الاثنين والخميس كما كان يفعل ابنها، واصفةً في الوقت ذاته لحظة سماعها خبر استشهاد سائد بالصدمة مع أنها كانت على يقين بأنه من الممكن أن يستشهد في أي عدوان يتعرض له القطاع".
شوق وفراق
وتضيف الحاجة أم سعدي "دقائق معدودة وإذ بصراخ النساء يعلو في المنزل فخرجت لهن وقلت لماذا كل هذا؟؟ الله يرحمه، فإذا بهم يبلغونني باستشهاد ابني الثاني جودت، فانهمرت الدموع من عيني، لأن المصاب جلل، ولم أحتمل خبر استشهاد اثنين من أبنائي في وقت واحد، وبرغم ذلك ذهبت وصليت ركعتين لله عز وجل ودعوت لأبنائي بالرحمة".
وعن اللحظات الأخيرة التي قضتها مع ولديها، تحدثت أم سعدي وقد اغتسل وجهها بالدموع: "لم أر سائد منذ عشرة أيام؛ لأنه لم يعد يتردد على المنزل بعد أن كانت قوات خاصة توغلت في المنطقة القريبة من منزلنا واعتقلت ستة أفراد من عائلة واحدة".
وتابعت أم سعدي حديثها: "ذهبت قبل استشهاده بعدة ساعات لمنزل ابنتي المتزوجة لعلّي أجده عندها، إلا أنها أبلغتني أنه زارها لفترة وجيزة وغادر، فقلت لها: عندما ترين سائد قولي له إن أمك اشتاقت لرؤيتك".
غادر الشهيدان سائد وشقيقه جودت الدنيا وتركا خلفهما خطيبتيهما الشقيقتين، بعد أن كان من المقرر أن يزفا إليهما بعد اقل من شهرين من استشهادهما، وتقول أمهما "أراد الله أن يزوج أبنائي بحور العين في جنته بدلاً من زواجهما في الدنيا".
رحل سائد وجودت ولسان حالهما يقول: "إن احتدام الثأر في جوف الثرى أمر يثير حفيظة البركان، وتتابع القطرات ينزل بعده سيل يليه تدفق الطوفان، فيموج يقتلع الطغاة مزمجراً أقوى من الجبروت والطغيان".
الانتقاد/ العد1270 ـ 9 حزيران/ يونيو 2008