ارشيف من : 2005-2008
المدير السابق لجهاز مكافحة التجسس الفرنسي (دي أس تي) في مقابلة خاصة بـ"الانتقاد": من قتل الرائد وسام عيد مقرب منه ويعمل في محيطه
باريس ـ نضال حمادة
يعيش لبنان حالة من الانقسام السياسي والشعبي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج الجيش السوري منه، وما تلا ذلك من سيطرة فريق الرابع عشر من شباط على مفاصل السلطة متسلحاً بدعم أميركي، وغربي غير محدود.
اثنتان وعشرون عملية اغتيال عجزت كل أجهزة الفريق الحاكم عن كشف ملابسات واحدة منها، اللهم غير الاتهامات التي يطلقها أعضاء هذا الفريق ضد سوريا من دون أي دليل أو برهان، حيث بلغ الانكشاف الأمني مرحلة جعلت الكثير من المراقبين والعارفين بالشؤون الأمنية والاستخباراتية في الغرب يضعون أكثر من علامة استفهام وتساؤل حول حقيقة ما يجري في لبنان، ومن يقوم بكل تلك الاغتيالات.
شيراك خلط بين جيبه ومصالح فرنسا وساركوزي ليس ديغول أما كوشنير فيعمل من خلفيته اليهودية
"الانتقاد" التقت في باريس إيف بونيه، المدير السابق لجهاز مكافحة التجسس في فرنسا، وهو أحد أهم الخبراء في مجال الأمن ومكافحة التجسس في فرنسا، وفضلا عن تبوئه إدارة أهم مؤسسة أمنية في فرنسا (دي أس تي) مرادفة (أف بي أي في أميركا) فقد شغل منصب محافظ كما انتخب نائباً في البرلمان الفرنسي، وكان هذا الحوار:
ــ لماذا كل هذا الاهتمام الدولي في لبنان؟
هناك ثلاثة بلدان تريد الدخول إلى لبنان، هي أميركا أولاً، ومن ورائها السعودية و"إسرائيل"، هناك تلاقي مصالح وتعاون سعودي إسرائيلي كبير في لبنان، وهذا التعاون يمر عبر جماعة دافيد ولش في بيروت، وأميركا تريد لبنان قاعدة لها للضغط
على سوريا وحزب الله.
ــ من تعني بجماعة ولش؟
أقصد الرباعي جعجع جنبلاط الحريري والسنيورة، فهؤلاء الأشخاص يخضعون كليا لما يمليه عليهم دافيد ولش.
ــ لماذا تطلق عليهم هذا اللقب؟
أنظر إلى الواقع اللبناني اليوم، هناك انقسام داخلي كبير، وأبرز نتائجه هو ضعف المسيحيين بسبب عدم قدرتهم على اختيار رئيس للجمهورية، من دون موافقة واشنطن، والسعودية و"إسرائيل". لقد زرت لبنان وتفاجأت بحجم الانقسام الناتج عن التدخل الخارجي، الكل يريد أن يفرض إرادته على اللبنانيين، بدءا من وزير خارجيتنا (برنار كوشنير) الذي صرح أن على الجيش اللبناني تدمير نهر البارد. أنا متأكد لو تركنا اللبنانيين لشأنهم لتوصلوا إلى حكومة وحدة وطنية.
ــ من هو الطرف الذي منع قيام حكومة وحدة وطنية في لبنان؟
الولايات المتحدة الأميركية، ومن ورائها "إسرائيل"، لأن السؤال الوجيه هنا هو، في مصلحة من تصب الجريمة؟ والجواب البديهي أن انقسام لبنان يخدم مصلحة "إسرائيل" في الدرجة الأولى.
عند زيارتي للبنان في آب عام 2006 كان لبنان يمر بحالة من الوحدة الوطنية تجلت بمواقف ميشال عون وحسن نصر الله، لقد كان نصر الله ذكيا جدا في اعتباره انتصار حزب الله انتصارا لكل اللبنانيين، في نفس الوقت الذي وقف فيه ميشال عون إلى جانب حزب الله طيلة تلك الحرب. أميركا و"إسرائيل" تسعيان لخلق الشقاق بين اللبنانيين على قاعدة فرّق تسد.
ــ لماذا خاض الجيش اللبناني معركة نهر البارد؟
هناك إرادة أميركية بالعودة إلى لبنان عسكريا، وبما أن الجنوب اللبناني منطقة نفوذ لحزب الله، فإن الحل الأفضل هو الدخول من بوابة الشمال اللبناني عبر إحياء المشروع القديم ببناء قاعدة عسكرية هناك، من أجل ذلك أتت الفكرة في رؤوس البعض في أميركا بافتعال أحداث ومشاكل تشكل حجة لتدخل ووجود عسكري في المنطقة، وهنا يجب معرفة أن هذه المجموعات من فتح الإسلام كانت ممولة من آل الحريري، حيث بلغ معاش الفرد سبعمئة دولار أميركي، وهذه معلومات لا جدال حول صحتها.
سوريا بعيدة كل البعد عن هذه الاغتيالات
لقد وقع الجيش اللبناني ضحية فخ كبير نصب له، وجر إلى مواجهة دامية كان في غنى عنها، انا عندما أرى السيد كوشنير يتصرف كجنرال عسكري ويدعو إلى تدمير نهر البارد أرى حجم عدم المسؤولية التي تم التصرف بها في هذا الموضوع.
ــ من الذي يقوم بالاغتيالات في لبنان؟
هنا يحضر السؤال القديم، في مصلحة من تصب الجريمة؟ وهنا، هل يمكن اتهام سوريا دوريا، السوريون يعلمون جيدا أنهم تحت المجهر، أنا أعتقد أن سوريا بعيدة كل البعد عن هذه الاغتيالات.
ــ من قتل الرائد وسام عيد حسب رأيك؟
هذا الاغتيال من فعل مقربين من الضحية ويعملون في محيطه. ليس المهم معرفة من نفذ الاغتيال، ولكن يجب معرفة من يوجه القاتل ويديره.
ــ لماذا كل هذه الاغتيالات؟
هذه عمليات يراد منها استمرار الأزمة وتعقيدها، وهي لا تستهدف الشخص بقدر ما تهدف إلى تصعيد التوتر، وهنا نسأل في موضوع اغتيال بيار الجميل، ما هو قدر الإزعاج الذي كان يمثله، والحقيقة لا شيء، هذا اغتيال الهدف منه استمرار الاشتعال في فتيل الأزمة.
ــ برأيك لماذا يشعر جعجع بكل هذه القوة والطمأنينة؟
هناك تفسير واحد وهو انه يقف في الجهة التي تنفذ الاغتيالات.
ــ جنبلاط يتهم حزب الله؟
فليقدم قرائنه، هو ينسى أن له باعاً طويلاً في هذه المسائل، من المؤكد للجميع أن حزب الله ليس له أية علاقة في كل هذه الاغتيالات، وهي تصب في مصلحة خصومه.
ــ هل كل ما تقوله مبني على معلومات أم تحليلات؟
الاثنين معا.
ــ لو وقعت هذه الاغتيالات في فرنسا هل كان سيتم كشفها؟
نعم كان سيتم كشفها.
ــ لماذا إذاً لا يتم ذلك في لبنان؟
لأنهم في لبنان لا يبحثون جيدا، وهنا أريد أن أقول، إن كشف من قتل الحريري أصبح من المستحيلات.
ــ لماذا؟
لأنهم تأخروا جدا. ألا ترى معي أنه بعد ثلاث أو أربع سنوات، مدة طويلة، تقنياً كان يجب جمع الأدلة فوراً، يعني في الساعات والأيام التالية.
ــ هم يقولون إنهم يملكون الأدلة؟
فليخرجوها إذاً، لماذا لا يعلنون أدلتهم.
ــ يقولون إنهم يحتفظون بالأدلة للمحكمة الدولية؟
هل تعتقد انه يمكن إخفاء أدلة بهذه الأهمية كل هذه المدة، مع وجود نظام الاتصالات والمعلومات الهائل حول العالم.
ــ هم يتهمون الضباط الأربعة؟
ليس لديهم أية أدلة، كلها اتهامات وتكهنات.
ــ يقولون إن خلاف الحريري مع لحود المقرب من سوريا أدى إلى اغتياله؟
لحود رجل صادق وحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأعتقد أن المستقبل سينصفه بطريقة أفضل، لقد اصطدم الرجل مع حيتان الأعمال والمال وحاول منع سيطرتهم على لبنان، لقد فعل ما يستطيع فعله.
ــ كيف تقوّم تفاهم حزب الله والتيار الوطني الحر؟
أولاً لا بد من الإشارة إلى الاعتدال والهدوء الكبير الذي يميز شخصية حسن نصر الله، هذا شخص ذكي جدا، والجنرال ميشال عون عمل من خلال هذا التفاهم على درء أية مخاطر لحرب أهلية جديدة، فضلا عن سعيه الجاد للحفاظ على الوجود المسيحي في لبنان عبر هذا التحالف، حزب الله سند قوي يطمئن المسيحيين على دورهم المهم في لبنان والشرق الأوسط.
ــ تريد القول إن عون يعمل على إنقاذ الوجود المسيحي عبر هذا التفاهم؟
لو كنت مسيحيا لبنانيا، لتحالفت مع ميشال عون وأيدته في سياسته، هل تعتقد أن المسيحيين في لبنان وهم أقلية في العالم
العربي، يمكن لهم العيش في ظل السلفية، جماعة حزب الله معتدلون، وهذا شيء يعرفه كل من يتابع الشأن اللبناني والعربي.
حسن نصر الله يقوم في لبنان بما قام به شارل ديغول في فرنسا
ــ هل هناك خوف على الوجود المسيحي في لبنان؟
المسيحيون لهم دورهم اللبناني والعربي وهم جزء من تلك المنطقة، وأكرر أن تفاهم عون ـ نصر الله يصب في مصلحتهم ومصلحة وجودهم، هم كيان معترف به منذ القدم في تلك المنطقة.
ــ كيف تقوّم السياسة الفرنسية في لبنان؟
هذه السياسة تدعو للشفقة، منذ أواخر عهد الرئيس شيراك الذي خلط بين جيبه وبين مصالح فرنسا، بالنسبة للرئيس ساركوزي، لم تعد الأمور الشخصية كما كانت على عهد شيراك، ولكن الرجل ليس شارل ديغول وهو مقرب من الأميركيين، أما وزير الخارجية برنار كوشنير فهو صاحب معتقدات يتصرف على أساسها، وفي الحالة اللبنانية وفي المسألة الإيرانية يتصرف في كثير من الأحيان انطلاقا من مشاعره اليهودية، ألم يكن من القلائل الذين أيدوا غزو العراق.
ــ تحدثت عن حزب الله كحالة اعتدال في لبنان، لكن الإعلام الفرنسي يتكلم عكس ذلك تماما؟
صحيح، وهذا شيء معيب أن نظهر الأمور بهذا الشكل، حيث يحاول الإعلام أن يقول إن لبنان منقسم إلى قسمين، جماعة الديمقراطية، وهم فريق الحكم، وجماعة سوريا، وهم المعارضة، وأنأ أريد أن أسأل، على أي أساس ترون الفريق الحاكم في لبنان أكثر ديمقراطية من الآخرين، أما بالنسبة لسوريا فالمثير للسخرية أن أكثر جماعة الحكم أكلوا لمدة طويلة على موائد السوريين، ويتهمون عون بأنه تابع لسوريا، من الذي أخرج ميشال عون من لبنان إلى فرنسا؟
حزب الله عام 2008 ليس هو عام 1985، إنه حركة مقاومة ضد الاحتلال، وحسن نصر الله يقوم في لبنان بما قام به شارل ديغول في فرنسا.
ــ تحدثت عن تحوير الحقائق في الإعلام الفرنسي، لماذا كل هذا التزوير؟
هناك تشويه لصورة الشيعة في الإعلام الفرنسي، وهذا يعود إلى اللوبي الإعلامي المسيطر هنا، فضلا عن تقصير إعلامي كبير من جانب الشيعة، يجب الإكثار من الظهور عبر الإعلام الفرنسي، وعدم ترك الآخرين يشوّهون الصورة بهذا الشكل، أنا مصاب بالصدمة من الأكاذيب التي يروجها بعض اللبنانيين في فرنسا عن الشيعة عبر وسائل الإعلام.
ــ صدر لك مؤخراً كتب حول "النووي الإيراني"، هل أنت بصدد إصدار كتب أخرى؟
أنا مصاب بالصدمة من الأكاذيب التي يروجها بعض اللبنانيين في فرنسا عن الشيعة عبر وسائل الإعلام
كتاب "النووي الإيراني نفاق دولي"، صدر مؤخرا وهو يحتوي على وثائق دامغة حول عملية النفاق التي تقودها أميركا منذ أيام الشاه في هذا الموضوع، وأنا الآن بصدد إصدار كتاب عن الرهائن الفرنسيين في لبنان، تحت عنوان "رهائن الأكذوبة" أروي فيه ألاعيب شيراك لاستغلال الموضوع في الصراع الداخلي على السلطة بينه وبين ميتران، وقد عشت كل تلك التفاصيل عبر منصبي الأمني آنذاك، وأنا أفكر بإصدار كتاب عن الشيعة أيضا.
ــ هل تنوي زيارة لبنان قريبا؟
أنا أزور لبنان دائما، ولي رغبة كبيرة بلقاء حسن نصر الله، فهذا رجل لاهوتي يستحق كبير الاحترام.
الانتقاد/ العدد 1253 ـ 8 شباط/ فبراير 2008