ارشيف من : 2005-2008

أيام التحريروالانتصار في ايار/ مايو 2000

أيام التحريروالانتصار في ايار/ مايو 2000

لم يكن متوقعاً أن ينهار الاحتلال الذي استمر حوالي اثنين وعشرين عاماً في لبنان بسرعة ويلملم أذيال خيبته في غضون اثنتين وعشرين ساعة.. هذا الواقع أظهرته المجريات الميدانية التي بدأت اعتباراً من ليل الثاني والعشرين من أيار من العام 2000، ومهد لذلك تحركات مكثفة لقوات الاحتلال قبل أيام تم خلالها تفكيك معظم المنشآت العسكرية الإسرائيلية في المواقع على امتداد المنطقة المحتلة، في حين لم تهدأ عمليات المقاومة الإسلامية في استهداف دوريات وجنود الاحتلال.
وضعت المقاومة الإسلامية خطة للتعامل مع التطورات بشكل منظم ومبرمج، وتهدف إلى الحؤول دون بقاء أي لغم إسرائيلي في المناطق التي يندحر عنها الاحتلال، ولا سيما الإجهاز تماماً على بقايا الميليشيا كي لا يعود ممكناً استخدامها تحت أي ظرف من الظروف، وبالتالي جعل إنجاز التحرير نظيفاً مئة بالمئة.
وقضت خطة المقاومة الإسلامية أن يدخل المجاهدون أولاً إلى المناطق التي تتحرر ويخلي فيها الاحتلال مواقعه بغية إزالة المعابر التي أقامها العدو في المنطقة وإزالة الألغام التي تمنع تقدم الأهالي باتجاه قراهم، كما قضت الخطة في مرحلتها الثانية بتجميع أبناء القرى المحررة عند مداخل قراهم والدخول إليها بكثافة بشرية فور فراغ المقاومين من إزالة المعوقات الميدانية من سواتر وألغام، وفي المرحلة الثالثة تتولى المقاومة الإسلامية قصف ما تبقى من مواقع للعدو وعملائه بهدف شل قدرتها على القيام بأعمال عدوانية بحق القرى والأهالي العائدين ودفع العملاء إلى الفرار باتجاه فلسطين المحتلة أو الاستسلام للأهالي والمقاومة لتسليمهم إلى أجهزة الدولة اللبنانية في وقت لاحق.
وقائع التحرير
بدأ شريط التحرير بتاريخ 21/5/2000 باكراً، في ظل غياب أي موقف أو تصريح من قبل مسؤولي العدو السياسيين أوالعسكريين يعلن عن بدء الاندحار الذي تسارعت وتيرته، في وقت أعلنت كتيبتان تابعتان لميليشيا العملاء في القطاع الأوسط استسلامهما، وتداعى الأهالي، خصوصاً أبناء القرى المحتلة، من شتى المناطق استعداداً للاجتياح البشري المدعوم من قبل مجموعات المقاومة الإسلامية، لتحرير قراهم وبلداتهم بعد تهجير قسري عنها دام سنوات طويلة، ولم تفلح قوات الاحتلال التي شنت سلسلة من الاعتداءات البرية والجوية والبحرية، في منع مسيرة العودة للمواطنين.
الجموع البشرية تحركت من بلدة الغندورية باتجاه بلدة القنطرة المحررة، ووصلت إليها مسيرة ضمت حوالي مئتي شخص يتقدمها عضوا كتلة الوفاء للمقاومة النيابية النائبان عبد الله قصير ونزيه منصور، ودخلوا إليها للمرة الأولى منذ العام 1978، في وقت كانت ميليشيا العملاء قد انسحبت من مواقعها المتاخمة للبلدة. وكان ذلك مدخلاً لعودة الأهالي إلى البلدات الأخرى كالطيبة وديرسريان وعلمان وعدشيت، ولم يكن الأهالي على علم بأن موقع الطيبة ما زال يحوي عدداً من عناصر العملاء فتوجهوا صوبه، وفي محاولة لإرغام الناس على التراجع قصف العملاء محيط موقعهم بعدة قذائف، في حين حلقت مروحيتان صهيونيتان من طراز أباتشي فوقه، وعلم أن العملاء في الموقع انقسموا إلى فريقين، الأول غادر باتجاه بلدة العديسة والمواقع الأخرى وفريق سلم نفسه للأهالي، وكان هذا الموقع هو الأول الذي أخلي من المناطق المحتلة التي تقع تحت إشراف قوات الطوارئ الدولية. وأخلت قوات الاحتلال حاجز معبر الحمرا/الناقورة ونقلته إلى مسافة ألف وخمسمئة متر باتجاه بلدة الناقورة، وتحررت بذلك بلدة بيوت السيّاد في القطاع الغربي، كما تم إخلاء موقع المحيسبات. ووصف مراسل التلفزيون الصهيوني الانسحاب من الطيبة بواقعة درامية وقال إن الطيبة غرقت بعد دقائق من وصول العشرات إليها بأعلام حزب الله. ففي ساعات الظهر كان قد وصل إلى البلدة عدد غير قليل من المتظاهرين على شكل مسيرة مدنية، ولم تفلح قوات الطوارئ في منعهم، وبعد دقائق ظهرت غابة من أعلام حزب الله، وأضاف أنه على الرغم من الدعم الجوي لموقع الطيبة فقد أخلته الميليشيا مخلّفة ناقلة جند مدرعة وربما دبابة، واستغرب قادة أركان الاحتلال انضمام سكان الطيبة إلى عملية رفع أعلام حزب الله.
وفي موازاة الزحف البشري كان هناك زحف من نوع آخر تمثل بفرار أعداد كبيرة من عناصر الميليشيا، ووصل عددهم إلى ثمانين عنصراً في غضون أسبوع، مما ساهم في تعجيل انهيار المواقع وبالتالي تسريع تحرير القرى، واعترفت قيادة الميليشيا بحالات الفرار وادعت أنها ستبقي على قواتها للدفاع عن المنطقة، وحاولت قوات الاحتلال ردع الأهالي من إكمال مسيراتهم عبر قصف بري وبحري وجوي لأطراف قرى ساحلية جنوبية، فأطلقت بارجتان إسرائيليتان في غضون نصف ساعة نحو عشرين قذيفة على أطراف المنصوري وبيوت السيّاد ومجدل زون، وسقطت إحدى القذائف قرب موقع تابع للقوة الفيدجية، وألقت طائرات حربية ستة صواريخ جو/أرض على محيط بلدة ياطر.
مسيرة التحرير المتواصلة قسمت في يومها الثاني بتاريخ 22/5/2000 المنطقة المحتلة إلى قسمين أحدهما شمالي شرقي والآخر جنوبي غربي بعد انسحاب الميليشيا اللحدية من عدد من مواقعها في القطاع الأوسط، الأمر الذي سمح بتحرير قرى كونين، بيت ياحون، رشاف، حولا، بني حيان، طلوسة، مركبا، محيبيب، ميس الجبل، والعديسة وبليدا التي دخلها عدد من أهاليها على الرغم من المحاولات التي قام بها الاحتلال والعملاء لمنعهم من ذلك عبر القصف البري والجوي، حيث أقدم عناصر العملاء المتمركزين في ثكنة الـ 17 في صف الهوا بإمرة العميل يوسف هاشم على إطلاق النار على الأهالي، أثناء محاولة مجموعة من الأهالي التقدم من بيت ياحون باتجاه كونين وعيناتا وبنت جبيل فأصيب المواطن رضا سعد، فتراجع الأهالي وانتشروا بين تبنين وبيت ياحون فيما كانت المقاومة ترفع أعلامها فوق موقع برعشيت وتمشط موقع حداثا.
وقرابة السادسة والنصف، حاولت مجموعة من الأهالي، يرافقهم عضو كلتة الوفاء للمقاومة النائب نزيه منصور التقدم من بيت ياحون باتجاه كونين فتعرضت لإطلاق النار من قبل المروحيات الصهيونية وبقي أكثرهم في بيت ياحون، وأدى القصف على موقع بيت ياحون إلى استشهاد ابراهيم ماروني (15 عاماً) وهو من بلدة شقرا، وعلي عبد اللطيف عساف وعبد الكريم عساف، وجرح كل من باسم موسى برجي، حسام فرحات، ابراهيم علي شهاب، جعفر حسين فرحات، ناريمان سمير غطيمي، ابراهيم محمد شري، حليم رياض دقيق، علي حسين طراف، عباس صولي، صادق فرحات، غالب خليل بيضون، نبيه محمد علي بزيع، كما أسفر القصف على بلدة رشاف إلى استشهاد كل من حسين علي كرنيب وعلي جفال، كما استشهد سليمان عبد الرسول رمال جراء انفجار قذيفة أطلقتها دبابة معادية في العديسة بينما كان يحاول فتح طريق العديسة/الطيبة، وهو على ظهر جرافة، وقصفت البوارج الحربية الصهيونية موقع الحردون في القطاع الغربي ودمرته وبالتالي انسحبت عناصر الميليشيا من معبر رأس البياضة البحري ومن بعض قرى القطاع الغربي، ومنع الاحتلال أبناء بلدتي بنت جبيل وعيناتا من دخول بلدتيهما وبات المواطنون ليلتهم على تخومهما تمهيداً لتحريرهما.
وتعرض موقع برعشيت الذي أخلي من عناصر العملاء لقصف من موقع صف الهوا ومن موقع محيبيب، كما أغارت عليه مروحيتان إسرائيليتان ومشطتا محيطه مما أدى إلى إصابة كل من حسين محمود عباس، علي أحمد شهاب، حسن علي اسماعيل، حسين عبد المجيد شهاب، ناجي أحمد جرجير، حسين محمود شهاب، صلاح عبد جفال وحسين علي صبرا.
وتجمع أبناء بلدة شبعا بهدف تحرير بلدتهم عبر مرتفعات جبل الشيخ الغربية، وأوضح هؤلاء أن الهدف من التجمع هو حشد كل الطاقات البشرية المدنية في ما يشبه المقاومة الشعبية لمساندة المقاومة العسكرية انطلاقاً من المفهوم الوطني والعمل تحت جناح المقاومة الإسلامية والوطنية ولن يكون تجاوزاً لها، وتطبيقاً للنداء الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله بحض العملاء على الاستسلام للمقاومة والدولة اللبنانية أو تنفيذ حكم الإعدام بكل واحد منهم يصر على ارتداء ثوب الخيانة والذل. وتأخر دخول الأهالي إلى بلدة ميس الجبل حتى ما بعد منتصف الليل حيث تعرضت طريق شقرا – حولا – ميس الجبل للقنص في وقت قصفت مروحية أباتشي صهيونية آلية عسكرية كانت محملة بالذخيرة، وكان حوالي مئتي شخص قدموا من بيروت للمشاركة في تحرير البلدة، وسلم الأهالي 27 عميلاً مع الاحتلال وفر اثنان إلى داخل فلسطين المحتلة، وتجمع حوالي خمسين آخرين في حسينية البلدة تمهيداً لتسليمهم إلى الأجهزة اللبنانية.
وأفيد أنه ابتداءاً من الساعة الثامنة والنصف مساءً بدأ جيش الاحتلال بجمع آلياته وأسلحته الثقيلة من المواقع المحيطة بحاصبيا، وهي شويا، عين قنيا، زمريا، كوكبا، وذلك في باحة تلة زغلة تمهيداً للانسحاب من المنطقة، وحصلت خلافات حادة وانقسام في وجهات النظر في أوساط ميليشيا العملاء في حاصبيا، حيث قرر فريق منهم وضم حوالي سبعين عنصراً الفرار باتجاه مرجعيون مع آلياتهم، في حين أصر فريق آخر وضم حوالي 250 عنصراً البقاء وتسليم أنفسهم للأجهزة الرسمية اللبنانية، ورفض العشرات منهم التوجه إلى المواقع الأمامية التي شهدت نقصاً فادحاً في عناصر الحماية.
وسرعان ما عادت حاصبيا والعرقوب إلى الوطن في اليوم ذالثالث لعمليات التحرير بتاريخ 23/5/2000، وتقاطر الألوف من الأهالي المنتظرين من كل حدب وصوب، وكانت الأجواء الصباحية حذرة بسبب تواصل الاعتداءات الصهيونية، في حين كان موقع زغلة ما زال يحوي قوة إسرائيلية قوامها ثمانية جنود بإمرة ضابط معززين بدبابة ميركافا، وعمدت هذه القوة إلى احتجاز ثمانية عناصر من ميليشيا العملاء من أجل الاحتماء بهم خلال الانسحاب من الموقع، وفي هذه الأثناء كان الأهالي يتحضرون في بلدة ميمس للبدء بمسيرة تحرير حاصبيا وباقي القرى، في حين كانت قوات الاحتلال تسعى في عملية معقدة لاستنقاذ القوة التي ما زالت في موقع زغلة، وأصبحت محاصرة في الطرف الجنوبي للتلة، وكانت مهددة بأن يطبق عليها رجال المقاومة والوقوع في الأسر، فعمدت الطائرات الحربية الصهيونية إلى قصف مكثف للمنطقة في طوق ناري حول الموقع، واستهدفت الغارات جسر وادي ميمس الذي يربط قرى حاصبيا المحررة بالأخرى المحتلة لجهة الشرق وجسر آخر في محيط ميمس يربط البلدة بمنطقة زمريا، كما دمرت الغارات جسراً ثالثاً يربط قاطع ميمس بالحاصباني عبر زمريا فضلاً عن الأحراج المحيطة بتلة زغلة، وشاركت المدفعية الصهيونية في العباسية بقصف المناطق المذكورة بأكثر من 300 قذيفة، وتمكنت القوة الصهيونية في الموقع عند الساعة الثالثة والنصف في ظل غزارة القصف الناري من الانسحاب عبر طريق ترابي يربط الموقع بالحاصباني ومن هناك باتجاه تلة الشريفة، وبعد ساعة واحدة زحفت مسيرات الأهالي الذين أتوا بالسيارات ومشياً على الأقدام باتجاه حاصبيا، واستقبلهم سكان المدينة وقرى عين قنيا وشويا وشبعا وكفرشوبا والهبارية والفرديس وعين جرفا وكفرحمام وبرغز، وكذلك أهالي بلدات إبل السقي ودبين وبلاط، ودخل المقاومون الذين رافقوا الأهالي إلى موقع زغلة الذي ترك الاحتلال داخله دبابة من طراز "ت 54" وناقلات "م113" وشاحنات وسيارات جيب وخمسة مدافع هاون فضلاً عن أسلحة متوسطة وثقيلة، وخرائط ومستندات عائدة لجيش العدو وعملائه، كما دخل المقاومون إلى مواقع شويا وعين قنيا وزمريا حيث بقيت داخلها كميات كبيرة من المعدات العسكرية والآليات والذخائر فضلاً عن مدفع من عيار 130 ملم لم يتمكن جنود العدو من سحبه أثناء اندحارهم. وفي بلدة شبعا أقام الأهالي الذين تبقوا فيها برفقة مجموعة من الأهالي الذين وصلوا إليها احتفالا بالتحرير مما حدا باثني عشر عميلاً إلى تسليم أنفسهم إلى الأجهزة الرسمية عبر مختار البلدة.
وتزامن تحرير منطقة حاصبيا والعرقوب مع بدء العملاء إخلاء المواقع تدريجياً واللجوء إلى مشايخ البياضة، وبلغ عدد هؤلاء حوالي 250 عميلاً تم جمعهم في بعض المنازل، وتم نقلهم بواسطة سيارات تابعة للصليب الأحمر اللبناني بمواكبة عدد من المشايخ إلى قاطع ميمس، وعملت قوة من الجيش اللبناني هناك على تسجيل أسمائهم ونقلهم بشاحنات عسكرية، كما استسلمت دفعة ثانية من العملاء في قرى الهبارية وكفرشوبا وكفرحمام إلى مخفر درك حاصبيا.
وأصدرت قيادة الجيش اللبناني بياناً جاء فيه: يطلب إلى جميع عناصر ميليشيا لحد المتعاملة مع العدو الإسرائيلي الذين لم يسلموا أنفسهم بعد، وجوب تسليم أنفسهم دون تأخير إلى أقرب مركز عسكري تابع للجيش اللبناني عند المعابر الآتية: الحمرا، بيت ياحون، كفرتبنيت، كفرفالوس، باتر وزمريا، وذلك بحضورهم شخصياً إلى هذه المراكز أو بواسطة مخافر الأمن الداخلي المتواجدة في المنطقة". وأفادت مصادر أمنية أن أكثر من نصف عدد العملاء اللحديين، أي حوالي 1250 عنصراً قد استسلموا للجيش اللبناني والمقاومة.
والتحقت قرى رميش، دبل، عبن إبل والقوزح بسائر القرى المحررة بعد اندحار الاحتلال عنها، ودخلها الأهالي وأقاموا الاحتفالات في ساحاتها، وكانت بلدات الناقورة، مروحين، رامية، شمع، طيرحرفا، البياضة، شيحين، الجبين، يارين وعلما الشعب في القطاع الغربي قد التحقت بدورها بالقرى المحررة، وعمل أهالي بلدة الناقورة على إزالة البوابة التي وضعها الاحتلال. وعلى خط آخر انسحبت قوات الاحتلال فجراً من مواقع البرج وعلي الطاهر والطهرة والدبشة المشرفة على منطقة النبطية، وبقيت قوة صهيونية في موقع قلعة الشقيف، كما أخلى العدو موقع السويداء، المشرف على بلدة عربصاليم التي عانى أهلها الويلات الكثيرة من جراء الاعتداءات التي كانت تنطلق منه، وقد فجر الجنود الذين كانوا بداخله الدشم والتحصينات في ظل تغطية كثيفة من القصف المدفعي الذي استهدف المناطق المحيطة بالموقع، بهدف تسهيل اندحار الجنود والعملاء عنه، وعند الصباح اندفع الأهالي إلى تفقد الأحياء التي هجروها داخل البلدة بفعل الاعتداءات الصهيونية المستمرة، ومن ثم تسلقوا باتجاه الموقع ورفعوا على دشمه وتحصيناته رايات المقاومة، وفوجئ الأهالي والمقاومون بقصف استهدفهم داخل الموقع ما أدى إلى جرح المواطن عباس علي حنجول ما اضطرهم إلى تركه والعودة إلى البلدة، وبعد وقت قليل عمدت الطائرات الحربية الصهيونية إلى قصف الموقع وتدمير ما تبقى منه.
وقرابة الظهر أخلى العملاء موقعهم في بلدة أرنون وانسحبوا باتجاه جسر الخردلي على نهر الليطاني، وحاول عدد من المواطنين الدخول إلى البلدة من جهة كفرتبنيت فتعرضوا لنيران الرشاشات من موقع الاحتلال في موقع الشقيف، وبعد الظهر قصفت مدفعية الاحتلال بقذائف من عياري 155 ملم و175 ملم مواقع العدو في القلعة ومزرعتي الحمرا والمنصورة وسهل يحمر الشقيف ومروج كفرتبنيت وثكنة الجيش اللبناني المهجورة في النبطية وخراج بلدات كفررمان، حبوش النبطية الفوقا ووادي الكفور ومجرى نهر الزهراني، مما يعني أن قوات الاحتلال قد أخلت هذه المواقع، وتأكد ذلك ليلاً حيث أفيد أيضاً عن انسحاب العدو من ثكنتي الريحان والعيشية.
وكانت الطائرات المعادية أغارت نهاراً على ثلاث دفعات على الطريق المؤدية إلى بلدات الريحان وعرمتى وكفرحونة والسريرة وألقت عليها صواريخ ثقيلة مما أدى إلى قطعها بحفر كبيرة بهدف إعاقة عودة أبنائها إليها. وفي إطار اعتداءاتها التي استهدفت الأهالي العائدين قصفت مدفعية العدو بلدة مارون الراس كما أغارت الطائرات الحربية على ملالة غنمتها المقاومة، وأصيب في القصف كل من عصام محمد علوية، أحمد محمد غدار، عماد عبد المجيد حسين، علي حسن عطار، محمد حسين منصور، هاني زين العابدين سويد، قاسم محمد دهيني، حسين محمد حسون، والطفل حسان محمد سويدان.
في هذا الوقت كانت قوة من جيش الاحتلال لا تزال تتمركز داخل ثكنة مرجعيون وعدة مواقع في منطقة الريحان – العيشية، في حين عمدت العناصر اللحدية في هذه المنطقة إلى التجمع في مطرانية مرجعيون، وأحصي حوالي 350 عميلاً، وفي كنيسة بلدة القليعة حيث أحصي حوالي 500 عميل، وفي مسجد الخيام حوالي 120 عميلاً، وأرسل العديد من العناصر في مواقع بئركلاب والريحان والعيشية، عبر وسطاء يطلبون تسليم أنفسهم إلى الجيش اللبناني، ولم يبق سوى مواقع بلاط والشريفة والعبّاد، فضلاً عن جيب في العيشية – الريحان وآخر في مرجعيون – القليعة وثالث في بلدة العديسة التي تتداخل منازلها مع منازل المستوطنين، وقد أخلاها العدو مع انتصاف اليوم الرابع للتحرير.
الفرحة الكبرى التي عاشها الأهالي تمثلت بتحرير الأسرى المحتجزين في معتقل الخيام، حيث تردد أن قيادة الاحتلال والعملاء قررت نقلهم إلى داخل فلسطين المحتلة، ولكن تسارع التطورات والاجتياح البشري العارم الذي عم القرى المحررة قطع الطريق أمام أي إمكانية للعدو من تحقيق ذلك، فما أن وطأ الأهالي أرض بلدة الخيام حتى توجهوا مع أهالي البلدة إلى المعتقل بعد فرار حراسه في ساعات الصباح الأولى، وغادر العملاء المولجون بحراسة المعتقل في موكب ضم حوالي أربعين سيارة مدنية ومصفحة وهم يطلقون النار في الهواء لتفريق المحتشدين، وتوجهت القافلة إلى بلدة المجيدية عند الحدود حيث توجد إحدى بوابات العبور نحو فلسطين المحتلة، واجتاح حوالي خمسمئة شخص من الأهالي المعتقل في وقت لم يكن الأسرى واعين لما يجري حولهم، وحطم الأهالي أبواب الزنازين بما وصلت إليه أيديهم من عصي وقضبان حديدية، وكان اللقاء الكبير واختلطت الأيدي والأصوات المهللة بالنصر والتحرير، وتجمع الأسرى المحررون في حسينية بلدة الخيام لإحصائهم والتأكد من عددهم وهو 144 أسيراً.
وفي اليوم الرابع للتحرير بتاريخ 24/5/2000 وصل الأسرى المحررون إلى بيروت واستقبلتهم حشود الأهالي على طول الطريق من بلدة الخيام، وواكبتهم السيارات حتى باحة شورى حزب الله في حارة حريك، حيث اقيم لهم مهرجان حاشد تحدث فيه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الذي بارك لهم بالحرية في يوم الانتصار التاريخي المجيد الأول منذ بدء الصراع العربي – الصهيوني قبل خمسين عاماً مؤكداً أن هذه الحرية لم تكن منة من أحد، لا من إسرائيل، ولا من العميل انطوان لحد الهارب الجبان الرعديد، ولا من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي، وقال سماحته نحن مجتمعون هنا وعند الحدود دعت حكومة العدو الصحافة العالمية حتى تكون على إحدى البوابات الحدودية لتصوير آخر جندي إسرائيلي يذهب ذليلاً من الشريط المحرر، هم الآن كما في الليالي الماضية يخرجون أذلاء مهزومين تحت جنح الظلام ويفككون بسرعة آخر المواقع، لكنهم لم يكونوا يخططون للخروج بهذه السرعة، وقال السيد نصر الله نحن لا نعتبر – مع احترامنا للأمم المتحدة – أن الانسحاب الذي حصل اليوم عند الساعة الثالثة ظهراً انسحاباً كاملا، لأن هناك أرضاً لبنانية ما زالت محتلة، ولأن هناك رجالاً لبنانيين ما زالوا قيد الاحتجاز.. والفرحة تبقى ناقصة لأن هناك أخوة ما زالوا في السجون وقيد الاعتقال، وأكد سماحته أن الذين قاوموا وقاتلوا وقدّموا الشهداء سيتابعون الطريق حتى تحقيق الأهداف.
وبتاريخ 5/6/2000 نظم حزب الله عرضاً للآليات التي غنمتها المقاومة الإسلامية من قوات الاحتلال وعملائه خلال اندحاره من جنوب لبنان وانطلق العرض من جبشيت مروراً بالنبطية وصيدا في الجنوب إلى الأوزاعي والضاحية الجنوبية من بيروت إلى مناطق العاصمة في كورنيش المزرعة والبسطة والأشرفية والمتحف وخرج عشرات الآلاف من اللبنانيين لملاقاة المقاومين العائدين بغنائمهم، واستمرت الاحتفالات حتى منتصف الليل، كما نظم الحزب مسيرات أخرى جالت شوارع المناطق في ضاحية بيروت الشرقية وجبل لبنان ومن ثم في طرابلس ومناطق البقاع في بعلبك والهرمل.


2008-04-29