ارشيف من : 2005-2008

اليوم الثاني للاعتصام: هتافات تزنر القابع خلف الأسلاك

اليوم الثاني للاعتصام: هتافات تزنر القابع خلف الأسلاك

العاشرة صباحاً من اليوم الثاني للاعتصام، شباب وصبايا يملأون ساحة رياض الصلح. المشهد من فوق: خيم تنتشر على طول الساحة وعرضها "يسكنها" معتصمون احتجاجا على القابع في السرايا الحكومي بخلاف ميثاق العيش المشترك. حركة غير اعتيادية لمنظمي الاعتصام يجهدون في رفع خيم إضافية لاستضافة "ضيوف" آخرين أتوا للتو من مختلف المناطق مواساة لزملائهم، عناصر انضباط شغّلت حواسها الخمس لمراقبة حركة المعتصمين، دخول وخروج من والى الساحة يصعب على أي عدّاد إحصاؤها. أسلاك معدنية تفصل بين المعتصمين والقوى الأمنية المولجة حماية السرايا، مع انتشار كثيف لعديدها، وهي متأهبة لأي طارئ قد يحصل، أصوات مكبرات الصوت تبث أناشيد ومقتطفات لبعض قادة المعارضة يعقبها هتافات ورفع الأعلام اللبنانية.‏

المشهد من تحت: عدد من شباب "تيار التوحيد اللبناني" بقمصانهم الحمراء يقوّمون أمام خيمهم الأحداث التي حفزتهم على النزول إلى ساحة الاعتصام، أحاديث جانبية نحاول أن نلتقط بعض خيوطها، نفهم من "بلال عياص" وهو من أبناء الشوف أن مجيئه إلى مخيم الاعتصام إنما للتأكيد على أننا نريد أن يتدفق دم جديد في عروق الوطن، وحكومة تتحمل كامل مسؤولياتها تجاه الشباب اللبناني "حتى لا نسافر إلى الخارج ونصبح في خبر كان"، هذا الكلام يستفز زميلته "هنادي" الآتية للتو من منزلها "بدنا لبنان لكل أبنائه، كل من ينتمي لطائفة، هيك بدنا لبنان مع بعضه البعض".‏

ليس صعباً على الزائر معرفة هوية أصحاب الخيم المنصوبة، التي بلغت العشرات، يكفي أن تنظر إلى الاسم المخطوط باليد، أو العلم المرفوع أمامها لتصل إلى مبتغاك.. هنا خيمة الجامعة اللبنانية (كلية الإدارة والأعمال) يجلس في داخلها عدد من الطلاب يتسامرون، نسألهم عن وجودهم، يجيب احدهم على الفور "نريد إسقاط حكومة السنيورة التي لم تعد دستورية". صبية إلى جانبه وقد لفت رأسها بعلم الجهة السياسية التي تنتمي إليها، تقول "ما النفع إذا تعلمنا في بلد لا توجد فيه أي مقومات للعيش، فتحصيلنا العلمي سيذهب سدى".‏

في ساعات الصباح الأولى ينخرط الشباب في قراءة الصحف اليومية بغية تقطيع الوقت، فيما آخرون يعدون "النرجيلة" بعد ليل طويل في ممارسة طقوس المعارضة المعتادة: هتافات وأناشيد.‏

في الجهة الموازية لمبنى الاسكوا يغرق كثيرون في سباتهم، ملتحفين بألوان أعلامهم السياسية. لا ضير أن يفترش بعضهم الأرض ما دام الهدف الأسمى الذي جاؤوا من اجله هو إسقاط الحكومة.‏

كثيرون ممن صادفناهم، هم من الطلاب الجامعيين، وأصحاب أعمال، وربات منازل، تركوا كل شيء خلفهم، ويمموا وجوههم شطر ساحة "رياض الصلح". امرأة خمسينية جلست بالقرب من شقيقتها المتشحة بالسواد، تهاجم وتهاجم جنبلاط، وجعجع، ونايلة معوض التي كان لها الحظ الأوفر منها، طبعاً من دون أن تنسى ذلك "المتمسك في كرسي رئاسة الحكومة"، يساندها شاب عشريني جلس القرفصاء قبالتها "أنا أتيت من مارون الراس تاركاً عملي ولن أتزحزح من مكاني إلى أن تسقط الحكومة".‏

يحين وقت الظهيرة، يُرفع أذان الظهر، يتحضر البعض للصلاة، فيما آخرون يستمرون في ممارسة طقوس المعارضة، في وقت ينهمك لجان تنظيم الاعتصام في توزيع الوجبات الغذائية على المعتصمين.‏

.. قبالة السراي الحكومي مشهد من نوع آخر، أسلاك حديدية في مواجهة المعتصمين الذين نصبوا خيمهم على "تماس" مع القوى الأمنية، وعددها يزيد على عشر.. هنا وقف المعتصمون قبالتها، يهتفون، ينادون بأعلى أصواتهم "يا سنيورة قول الحق أنت حرامي أم لأ". يصرخ احدهم في الموقع المتقدم من "الحدود" "عيتا.. هاهاهاي، سنيورة .. هووو". شاب متحمس اعتلى أكتاف رفيقه، وراح يوجه كلامه للسنيورة وهو يرفع العلم اللبناني في يده خطاب تتوقع أن يخرج السنيورة الى شرفة السراي ويقول له كما تشاء سأستقيل، وبالتأكيد فهو لا يتوقع خروجه لأنه مشغول في تعداد عدد المتظاهرين على حدّ تعليق أحد المعتصمين. صبايا دبت بهن الحماسة، ورحن يطلقن شعارات كنا استلهمناها من اليوم الأول من التظاهرة "أخضر أحمر ليموني بدنا نسقط الحكومي"، و"أحمد فتفت يا قبضاي واحد قهوة وإثنان شاي". شاب يلف عنقه بشال "التيار الوطني الحر" يبدي استياءه لما روجته بعض وسائل الإعلام من أن الحضور المسيحي كان ضئيلاً، وهو يعدد على أصابعه المناطق التي جاء منها شباب "التيار"، وآخر سبعيني من عكار يعتمر قبعة "التيار" يؤكد أننا مستمرون في الاعتصام لإنقاذ البلد من الوصاية الأجنبية.‏

ويأتي المساء لتبدأ الخطب السياسية تشحن همم الشباب من جديد، فتعود معها "الساحة" إلى سابق عهدها في اليوم الأول للتظاهرة.‏

البرنامج المسائي من الاعتصام اشتمل على كلمات سياسية لعدد من قادة المعارضة، فتحدث رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو فقال: "يا شباب لبنان أتيتم إلى هنا لتقولوا لا لحكومة لا شرعية لها، حكومة رهنت سياستكم للأجنبي، حكومة يديرها فيلتمان".‏

أضاف "نريد قانونا جديدا للانتخابات النيابية لا يزور الإرادة الشعبية، ولا يكرس الطائفية، قانون نسبية، ونريد أن نكسر الحلقة التي تعيد انتاج الواقع السياسي مثلما هو، ونريد انتخابات نيابية مبكرة ليصبح عندنا مجلس نواب يعكس الإرادة الشعبية الحقيقية".‏

وإذ طالب الرئيس السنيورة بالاستقالة، توجه قانصو إلى بعض الحكومات العربية بالقول "إنكم تنفخون كثيرا في آذان قوى 14 شباط "وخليتوهم يركبوا رأسهم". يا عرب انتم مسؤولون عن استمرار الازمة".‏

ثم ألقى الوزير السابق بشارة مرهج كلمة أكد فيها "أن هذا اللقاء هو لقاء الوحدة الوطنية وليس لقاء التحدي, نحن لا نعرف منطق التحدي بين أبناء الوطن الواحد, لقد برز منطق التحدي في الدفاع عن لبنان وعن جنوبه وعن أرضه وسمائه ومياهه، وكما رفع المقاومون الرايات بالأمس على أرض الجنوب، واستطاعوا أن يدحروا العدو الصهيوني, أثبتوا لبنانيتهم وصمودهم وانتصارهم, كذلك استطعتم أنتم بالأمس في هذه المسيرة الديموقراطية السلمية, أن تؤكدوا مرة أخرى أن شعبنا اللبناني, هو شعب راق وحضاري ومتمسك بالديموقراطية وبالسلم الأهلي".‏

وقال "حان الوقت للتلاقي مرة أخرى، وبصوت واحد نتوجه إلى كل اللبنانيين الشرفاء كي ننضم في مسيرة وطنية واحدة, تحفظ المقاومة وتحفظ الوفاق الوطني والوحدة الوطنية, ونشكل حكومة وحدة وطنية تنطلق لمعالجة مشاكل اللبنانيين, المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".‏

وألقى رئيس حركة الناصريين الديموقراطيين خالد الرواس كلمة خاطب في مستهلها "المترددين من أهالي العاصمة الذين لم يشاركوا بالتظاهرة"، بالقول "اعتصامنا في سبيل إحقاق مطالبنا المحقة". وذكر ببعض مواقف وكلمات الرئيس الشهيد رفيق الحريري الواردة في كتابه "الحكم والمسؤولية", حول الموقف من النظام الطائفي والشحن المذهبي.‏

وتابع الرواس مناشدا أهالي العاصمة بالقول "يا من حملتم لواء العروبة وهموم القضية, يا من آمنتم بالإسلام كرسالة توحيدية, ألم تحزروا بعد من هو صاحب المصلحة في اغتيال حالة الحريري؟". وقال: "ان الحكومات تستمد الشرعيات من الأرض، وهذه هي الأرض أمامكم. وان من يرأس الحكومة اليوم وهو الرئيس فؤاد السنيورة لم يمش على خطى قائده, قائده أبى عام 98 ورفض أن يتكلم بتشكيل حكومة، فقط لان بعض النواب قد فوضوا رئيس الجمهورية بالتسمية ولم يسموه هو بالذات، أتعلمون لماذا؟ لان هذا الرئيس الشهيد كان رجل دولة ولم يكن تهمه المناصب بدليل "اليافطة" التي علقها على باب السرايا التي تقول "لو دامت لغيرك ما آلت اليك". بعد ذلك تحدث رئيس حركة النضال اللبناني العربي النائب السابق فيصل الداوود، فشكر الذين شاركوا في هذا الاعتصام "على مدى الوطن", وقال "إن هذا الاعتصام السلمي والحضاري، إن دل على شيء, يدل على قيم وأخلاق المعتصمين. لأن هذا الاعتصام رسم تاريخا جديدا في الحياة السياسية اللبنانية للإطار الوطني"، وتوجه إلى المعتصمين بالقول "لن نترك هذه الساحات, والساحات الأخرى حتى تحقيق حكومة وطنية تقول لا للوصاية الأجنبية, نعم للبنان المقاوم". وفي الختام ألقى أمين رابطة الشغيلة النائب السابق زاهر الخطيب كلمة أكد فيها أن رئيس الحكومة "خان مسؤوليته الوطنية والضمير والوجدان, وأكثريتهم باعت لبنان وباعت الأمانات والكرامات للقناصل والسفارات". وأضاف "نقف اليوم لنقول إننا في هذه المناسبة لا نقر أمرا وإنما نعلن أن حكومتهم ساقطة وفاشلة"، وتساءل عن "هذا الإمعان في التجبر والتكبر لهذا الفريق في الاستمرار في الاستئثار بالحكم، بلا رادع ولا وجدان، أم أنها إرادة الاميركي والصهيوني؟ ما هي جريمة الشرفاء والمقاومين وحزب الله؟ وما هي جريمتهم، ألأنهم قاتلوا القوة التي لا تقهر، أو لأنهم صنعوا للأمة جمعاء مجد الحرية والتحرير؟ أو لأنهم حققوا النصر التاريخي الذي غابت عنه لسنوات جيوش العرب والمتخاذلين؟‏

الانتقاد/ العدد 1192 ـ 8 كانون الاول/ ديسمبر2006‏

2006-12-09