ارشيف من : 2005-2008
خاص "الانتقاد.نت": اتفاقية حظر القنابل العنقودية... كأنها لم تكن!
المسؤولة، وفق تقرير وزعه برنامج الأمم المتحدة للتنمية، عن مقتل ما لا يقل عن 13 ألف شخص في العالم، إضافة إلى أضعاف هذا العدد من المعوّقين والجرحى.
توقيع أقرب، من حيث معناه الحقيقي، إلى اللاتوقيع، برغم أن نحو مئة دولة قد وقعت على الاتفاقية: البلدان الأكثر إنتاجاً واستخداماً لهذا النوع من الأسلحة الموصوفة بأن استخدامها "غير أخلاقي" امتنعت عن توقيع الاتفاقية.
في مقدمة تلك البلدان ـ بالطبع ـ الولايات المتحدة و"إسرائيل".
روسيا والصين والهند وباكستان امتنعت بدورها عن التوقيع، ولكن درجة جرميتها لا ترقى إلى مثيلتها بالنسبة للولايات المتحدة و"إسرائيل"، أي الدولتين اللتين تنفردان باستخدام القنابل العنقودية، بدليل أن الغالبية العظمى من الضحايا هم من بلدان، كفييتنام ولاوس وأفغانستان ولبنان، سبق لها أن استهدفت في حروب شنتها الولايات المتحدة أو "إسرائيل".
أما مبررات الامتناع عن التوقيع فهي، على ما يقوله، دون أن يقول شيئاً، ناطق أميركي، اعتبارات تكتيكية على صلة بطريقة التعامل مع المشكلة. أما وزارة الخارجية الأميركية، فإنها لم تكلف نفسها عناء البحث عن مبررات، مكتفية بالتأكيد بأن الاتفاقية لن تغير شيئاً بالنسبة للولايات المتحدة. والصلف نفسه نجده في الموقف الذي أعلنه ناطق إسرائيلي وأكد فيه أن "بلاده" لن تتراجع مطلقاً عن القنابل العنقودية.
المتحمسون للتوقيع لم يكن بإمكانهم، والحالة تلك، أن يكيلوا المديح بلا حدود لاتفاقية دبلن، عبر إظهارها كإنجاز لا يفوقه إنجاز. فقد اعترفوا بوجود بعض الثغرات، أبرزها، على ما اعترفوا به، بند في الاتفاقية يكاد يلغي مفاعيلها، بالنسبة للدول الموقعة، بقدر ما يسمح لتلك البلدان بالتعاون مع بلدان حليفة غير موقعة. أي أنه يجعل البلدان غير الموقعة في مأمن من أية ضغوطات عملية قد تمارس عليها من قبل البلدان الموقعة، كما يجعل تلك البلدان في حل من الالتزام بمواقف تنسجم مع الاعتبار الأخلاقي الذي دفعها إلى التوقيع. أما الثغرة الثانية فهي شبه انعدام الجدوى من التوقيع ما دام أن كبار منتجي ومستخدمي القنابل العنقودية لم يوافقوا عليها.
هنالك ثغرات أخرى هامة، تم القفز فوقها ربما لحاجة المتحمسين لفكرة حظر تلك الأسلحة لا يروقهم ان يقول الناس ان مندوبي 111 دولة صرفوا 12 يوماً في مداولات بلا طائل. من تلك الثغرات أن الاتفاقية التي تلزم الموقعين بتدمير مخزوناتهم من تلك الأسلحة، تمنحهم فترة سماح من 8 سنوات قبل أن يقوموا بتدميرها، دون أن يكون الغرض من الاحتفاظ بها طيلة تلك السنوات مفهوماً بالشكل الكافي.
كل ذلك لم يحل دون أن تحظى الاتفاقية بسيل من المديح. أول المادحين هو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي حيا في الاتفاقية كونها تمثل نموذجاً عالمياً جديداً يسهم في حماية المدنيين ويعزز حقوق الإنسان. وباستثناء تمنيه على جميع الدول أن تبادر إلى التوقيع، لم تبدر عن الأمين العام للأسرة الدولية أية إشارة إلى ما يعنيه امتناع الولايات المتحدة عن التوقيع، مع كونها تطرح نفسها بامتياز كوصية على حقوق الإنسان.
أما الناطق باسم منظمة حقوق الإنسان غير الحكومية، هيومان رايت ووتش، فقد أدلى، من جهته، بتصريح لاهب اعتبر فيه أن الاتفاقية قد ألقت بالقنابل العنقودية على مزبلة التاريخ لأنها ستنقذ، بنظره، الآلاف من خطر الإصابة بتلك الأسلحة.
وبالطبع، لم يفطن الناطق إلى ما تعانيه مقولته من وهن، لأن أي خطر لا يهدد أولئك الآلاف من قبل بلدان وقعت الاتفاقية دون أن تكون لها أية صلة بإنتاج القنابل العنقودية أو استخدامها، على اعتبار أن الخطر سيظل ماثلاً ما أن البلدان المنتجة والمستخدمة ستواصل الانتاج والاستخدام!
والأكيد أن الإحساس العميق بهزلية الاتفاقية كان في أساس تصريحات انتصارية كتلك التي صدرت عن وزير خارجية إيرلندا، الدولة المستقبلة للاجتماع الدولي، حيث اعتبر أن الاتفاقية تفضح كل استخدام مستقبلي للقنابل العنقودية. أو عن وزير خارجية النروج، الدولة التي كانت في أساس المبادرة، حيث اعتبر أن الاتفاقية تشكل خطوة هامة لكونها قد وضعت هيكلية تسمح لبلدان العالم بالانضمام إليها.
واللافت أن أنصار الاتفاقية كانوا يأملون بأن تلقى نجاحاً مكافئاً للنجاح الذي حققته اتفاقية أوتاوا التي حظرت، عام 1997، استخدام الألغام المضادة للأفراد، على أساس أن تلك الألغام والقنابل العنقودية متكافئة من حيث الخطورة. المضحك في ذلك الأمل أن البلدان التي لم توقع اتفاقية دبلن هي نفسها التي لم توقع اتفاقية أوتاوا. ومع ذلك، يصر وزير خارجية النروج على أن عدم توقيع واشنطن على اتفاقية حظر الألغام يشفع له اعتراف واشنطن بأن استخدام الألغام غير شرعي من الناحية الأخلاقية. كلام لا يقبل الصرف إلا بلغة شريعة الغاب التي تطرح نفسها كشريعة للفضيلة تمجد في القاتل بيده رفضه للقتل بلسانه.
الانتقاد/ العد1270 ـ 9 حزيران/ يونيو 2008