ارشيف من : 2005-2008

براء ميكائيل لـ"الانتقاد": أميركا أفهمت الأكثرية أنها سوف تتخلى عنها في حال لم تنجح في تنفيذ المطلوب منها

براء ميكائيل لـ"الانتقاد": أميركا أفهمت الأكثرية أنها سوف تتخلى عنها في حال لم تنجح في تنفيذ المطلوب منها

باريس ـ نضال حمادة‏

براء ميكائيل باحث متخصص بشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في فرنسا، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الثامنة. كان لـ"الانتقاد" معه لقاء حول المستجدات السياسية والتحركات في منطقة الشرق الأوسط خصوصا بعد هزيمة الحزب الجمهوري في أميركا، وبعد صدور تقرير لجنة بيكر حول ضرورة إشراك إيران وسوريا في أي حل يخرج أميركا من مأزقها في العراق.‏

"الانتقاد" حاورت الأستاذ براء الذي قدّم تحليلاً عميقاً ومفصلاً لمجريات الأحداث في هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة في تاريخ أمتنا والعالم.‏

ـ ما هي التوجهات الحالية للإدارة الأميركية وحلفائها بخصوص الملف الإيراني؟‏

أعتقد أنه ليس هناك من إستراتيجية موحدة بين أميركا وحلفائها الأوروبيين حول الملف النووي الإيراني. الولايات المتحدة في الظروف الحالية تحبذ الوسائل العسكرية، ونحن رأينا أن لهذه الوسائل العسكرية حدوداً، زد على ذلك الانتقادات الموجهة للسياسة الأميركية في أميركا والعالم العربي من قبل حلفائها، خصوصاً في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي.‏

العرب يعتبرون أن أميركا تكيل بمكيالين، وبرغم قولها إن سياستها تهدف إلى دعم الاستقرار في المنطقة، نرى أنها ترفض أي إجراء يمكن أن يوجه حتى انتقاداً لسياسة "إسرائيل". من هنا نرى أن أميركا تواجه مشاكل في أدائها العسكري في العراق، ومن هذا المنطلق أميركا غير قادرة على التحرك عسكريا في المنطقة، يعني تحركا عسكريا خارج حدود العراق، وقد حصل تدخل أوروبي من خلال فرنسا، إيطاليا وألمانيا، التي حبذت الصدام السياسي مع إيران بدل الصدام العسكري. ولكن برغم خلافاتها مع السياسة الأميركية فإن هذه الدول لا تتمنى انهيارا أميركيا في المنطقة بسبب عدم وجود بديل يحل مكانها في المنطقة خلافا لما كان عليه الحال عام 1956 أثناء حرب السويس حيث حبذت أميركا سقوط فرنسا وبريطانيا لأنها اعتقدت أنها تستطيع الحلول مكان تلك الدولتين في العالم، في الحال العراقي ليس هناك بديل عن أميركا لذلك تجد نوعا من التحالف الموضوعي بين الأوروبيين والأميركيين سواء في القضية العراقية أو في الملف النووي الإيراني.‏

ـ هل تستطيع أميركا الآن شن حرب ضد إيران؟‏

في الوقت الحاضر لا يمكن لأميركا خوض حرب خارج العراق، ولكنها تسعى إلى تهيئة الوضع في العراق، وبرأيي أن أميركا فشلت على المستوى العسكري هناك، ولكنها مع الأسف نجحت إلى حد ما على المستوى السياسي لأن ما يشجع أميركا الآن على الاستمرار في سياستها في العراق هو عملها على تأجيج الطائفية السياسية. ما يحصل اليوم في العراق هو نتاج مباشر للسياسة الأميركية حيث يمكننا الرجوع إلى تصريحات بول بريمر الحاكم المدني الأول في العراق لنلاحظ أنه كان يدعو الطائفة السنية العراقية لتنال جزءا من كعكة الحكم. هنا بريمر لم يخاطب العراقيين على أساس وطني، ولكن على أساس طائفي محض، بحيث يضع الطوائف في موضع المواجهة الداخلية، ومن هذا المنطلق نرى أن هناك نجاحا للسياسة الأميركية في العراق، وبرغم ذلك فإن الإخفاقات العسكرية ألقت بظلها على الوضع الداخلي الأميركي ما أسهم في خسارة بوش والجمهوريين في الانتخابات النصفية. لأن بوش يواجه مشاكل داخلية كبرى وأميركا تسعى إلى مقاربة إيران في العراق، ولكن عبر طرق غير مباشرة. فهي تحاول محاورة الإيرانيين عبر إدخال أطراف أخرى بسبب عدم رغبة الطرفين في التحاور المباشر حاليا، أعتقد أن أميركا وإيران تسعيان إلى اتفاق مرحلي لا يلزمهما على المدى الطويل. إيران تريد إفهام أميركا أن لها نفوذا قويا في العراق. أميركا اقتنعت بالنفوذ الإيراني، وهي تحاول إيجاد حل لها في العراق عبر إدخال إيران. وأكرر أن هذا التعاون سوف يكون مرحليا بسبب الخلافات الكبيرة إيديولوجيا وسياسيا بين الطرفين.‏

ـ ما الهدف من الهجوم السياسي الأميركي في المنطقة إن على الصعيد الفلسطيني أو على صعيد زيارتي بوش وتشيني إلى بعض الدول فيها؟ وهل هناك حلف جديد يتشكل؟‏

هناك من الحكومات في المنطقة من تتأقلم مع الإستراتيجية الأميركية وتسعى إلى إقامة نوع من التحالف مع الأميركيين، خصوصا السعودية لأن أميركا تعرف أنه بإمكان السعودية التأثير على بعض الحكومات الموجودة في المنطقة، لذلك نرى أنه بعد وصول أميركا إلى حدود قوتها العسكرية بدأت التحرك على الخط السياسي، وهي تحاول أن تجد لها حلفاء يكونون جسر عبور للنفوذ الأميركي، إذ رأينا ديك تشيني يزور السعودية فنحن نعرف أهمية البترول، ولكن الأهم من ذلك نفوذ السعودية على سوريا بسبب دور الأخيرة في لبنان وفلسطين، زد على ذلك النفوذ السعودي على بعض سنّة العراق من القبائل العراقية التي لها تواصل عصبي مع القبائل في السعودية، ونحن نعرف أن هناك احتقانا كبيرا في العراق من طرف بعض السنة، وأقصد بذلك حارث الضاري الذي يوجه انتقادات للحكومة العراقية. لذلك في اعتقادي أن تشيني يعتبر أنه بحكم العلاقة بين السنة في المنطقة بشكل عام فهو يعتقد أنه بإمكان السعودية التأثير على الشيخ الضاري لتليين مواقفه من الحكومة العراقية.‏

ـ يعني ليس هناك نوع من إنشاء تحالف عربي تركي ضد سوريا وإيران؟‏

لا يمكن لنا أن نستبعد ذلك برغم انه يخالف مصالح الحكومات القائمة في المنطقة اليوم، فأي تمحور سني شيعي يضر بأمن تلك الحكومات. وبرأيي أن أميركا تشجع الخلاف الطائفي في المنطقة خصوصا بين الشيعة والسنة، هذا الشيء نراه في العراق ونراه أيضا في لبنان، فالتطورات في لبنان لها علاقة أيضا بالإرادة الأميركية. برغم ذلك فإن أميركا لا تريد لهذا الانقسام الطائفي أن يمتد كثيرا لأنه قد يضر بمصالحها، فلو حصل نوع من التحالف السني العام فقد تأتي قوى سنية تضر بمصالح أميركا الإستراتيجية في المنطقة، من هنا نرى أن أميركا طبقت الطائفية في العراق وتحاول تأجيج الطائفية في لبنان، ولكنها لا تريد تفجير الوضع بين ليلة وضحاها لأن هذا الوضع سوف يضع حدا نهائيا للوجود الأميركي في المنطقة، وانتهاء مصالح أميركا فيها.‏

ـ الزيارات شملت عدة دول منها الأردن وتركيا ومصر؟‏

هذه دول حليفة أساسية لأميركا في المنطقة. فيما يخص الأردن هناك الموضوع الفلسطيني، والأهم من ذلك هناك موضوع القبائل الأردنية المرتبطة عصبيا ببعض عشائر العراق. فهذه العشائر تشكل ثقلاً كبيراً في الحياة السياسية الأردنية، وهي تفرض إرادتها في كثير من الأمور على الملك عبد الله، كما كانت تفعل مع والده. وأميركا تعتقد أنه للسعودية والأردن دور كبير على المستوى السياسي في العراق بسبب الترابط القبلي والمذهبي الموجود بين هذه البلدان. بالنسبة لمصر فالوضع مختلف، ليس هناك امتداد قبلي، والقضية المذهبية لا تشكل أمرا مهما، ولكن مصر سارت في الركب نفسه كما رأينا في تصريحات الرئيس مبارك في نيسان عام 2006 والذي تحدث فيها عن تحالف شيعي من إيران إلى لبنان مرورا بسوريا والعراق، والتي أتت متطابقة مع تصريحات ملك الأردن. هم متخوفون من سياسة إيران ونفوذها على العرب الشيعة. حينما تذهب أميركا إلى مصر فهي تعرف أنها أمام حكام مقتنعين بوقف تقدم أي نفوذ إيراني في المنطقة. إذاً هناك تطابق مصالح من هذه الناحية بين أميركا ومصر، فيما يخص تركيا هناك مصالح مشتركة ومن أهمها المسألة الكردية.‏

التحرك الأميركي هنا لمعرفة نوع التحركات التركية المقبلة في العراق. نحن نعرف أن تركيا تتخوف من قيام دولة كردية في كردستان العراق، وربما تكون أميركا تتحسب أن انفجار الوضع العراقي الحالي قد يدفع تركيا إلى التدخل في العراق لمنع وجود كيان كردي مستقل، وهي تريد طمأنة تركيا حول وضع كردستان، ولكن تريد أن يطمئنها الأتراك أنه في حال انفجر الوضع العراقي الحالي أنهم لن يتدخلوا في كردستان العراق.‏

ـ هل التحرك جاء على المستوى الفلسطيني هذه المرة؟‏

للأسف لا أعتقد ذلك، كل ما يهم أميركا و"إسرائيل" هو إزاحة حماس عن أداء أي دور سياسي في فلسطين، قد يحصل لقاء هنا وهناك بين أولمرت ومحمود عباس، ولكن سوف يبقى كل ذلك في إطار ديكوري بحت إذا لم يكن هناك موقف قوي عربي ودولي يجبر أميركا و"إسرائيل" على إعطاء الفلسطينيين حقوقهم.‏

ـ أين يقع لبنان في هذه الإستراتيجية الأميركية، وماذا تريد أميركا من لبنان بالتحديد؟‏

لبنان يشكل جزءا من الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وذلك لأن فرنسا شجعت هذا الوضع، وهي التي أرادت التقرب من أميركا منذ حزيران عام 2004 عبر الملف اللبناني، ما سعت إليه فرنسا عبر هذا الملف هو إيجاد نوع من التحالف مع واشنطن بعد التباعد الذي حصل في الملف العراقي إبان معارضة فرنسا للحرب على العراق. فرنسا مسؤولة عن الوضع الحالي بشكل كبير، زد على ذلك التركيبة السياسية الطائفية في لبنان والسابقة على الحالة العراقية قبل الغزو الأميركي، وهنا تندفع أميركا إلى تحقيق هدفين:‏

1 ـ زيادة الاحتقان اللبناني الذي تشجعه أميركا، والذي يكون امتدادا للوضع في العراق، وبذلك يصبح هناك جبهتان بدلا من واحدة في العراق.‏

2 ـ إجبار الحكومة اللبنانية الحالية على الدخول في مفاوضات مع "إسرائيل" على غرار مصر والأردن، هذان هما الهدفان الأساسيان لأميركا في لبنان. هذا الأمر لن يكون سهلا، ولكن يبقى السؤال عن نوع الضمانات التي يمكن أن تقدمها أميركا للحكومة اللبنانية للوصول إلى ما تريد. هناك أسئلة تبقى من دون إجابة، منها ماهية استعداد الحكومة اللبنانية للاعتراف بـ"إسرائيل"، ونحن نعرف أن هناك أطرافا داخل الحكومة لها علاقات قديمة بـ"إسرائيل"، ولكن هذا لا ينطبق على مجمل أطراف هذه الحكومة، ويبقى في النهاية إرادة أميركا ونفوذها على هذه الحكومة، فهي التي تملك العصا ومجلس الأمن وخصوصا قضية المحكمة الدولية.‏

ـ ماذا يمكن لأميركا فعله لمنع إسقاط هذه الحكومة؟‏

السؤال هنا هل أميركا فعلاً متمسكة بهذه الحكومة؟ أم تسعى من خلالها لخلق فتنة داخلية؟ ما يقلقني هنا بشكل أخص هو الهجوم الذي يشنه بعض السياسيين المسيحيين على العماد عون لفك تحالفه مع حزب الله بعد اغتيال بيار الجميل، ليس للحفاظ على الوحدة الوطنية، ولكن حفاظا على الوحدة المسيحية، وهذا ما سوف يساهم في إذكاء الحالة الطائفية في لبنان وإيصالها إلى مستوى الحالة العراقية. هذا بالطبع إذا ما تخلى العماد عون عن تفاهمه مع حزب الله، أميركا سوف تستخدم هذا النزاع الطائفي لفرض إرادتها على الحكومة اللبنانية، وبرأيي أنها أفهمت الأكثرية أنها سوف تتخلى عنها في حال لم تنجح هذه الأكثرية في تنفيذ السياسة الأميركية المطلوبة. أميركا في نهاية المطاف تبحث عن مصالحها، وهي سوف تتخلى عن حليف عاجز عن تنفيذ هذه المصالح، وسوف تبحث عن بديل ما. الواضح أن العماد عون فهم خطورة ذلك على الوحدة الوطنية ولذلك فإنه في رأيي سوف لن يتخلى عن تحالفاته مع حزب الله والقوى الأخرى في لبنان.‏

الانتقاد/ العدد 1193 ـ 15/12/2006‏

2006-12-15