ارشيف من : 2005-2008
.. وانقلب المشهد
استبق الرئيس الأميركي جورج بوش الأحداث حينما اعتبر أن ما حصل في لبنان في ربيع العام الماضي هو مثال على تقدم مسيرة الديمقراطية في العالم، واصفاً هذا البلد بأنه "البلد الفتيّ بثورته الديمقراطية المتجددة في منطقة الشرق الأوسط الكبير، ورياحه تبعث التغيير فيها".. مضيفاً: "نحن بدورنا ندعم ثورة الأرز فيه، بكل ما في الكلمة من معنى".
ولم يطل الأمر بالرئيس الأميركي حتى أبدى خشيته على هذا "المثال"، قائلاً بعد لقائه بعض المسؤولين العرب الأسبوع الفائت في عمان: "إن هناك متطرفين يريدون زعزعة الاستقرار والديمقراطية الناشئة في لبنان، ونحن ندعم حكومة الرئيس السنيورة".
أي ديمقراطية عرجاء يريدها الرئيس الأميركي في لبنان؟ هل هي ديمقراطية التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وفرض سياسات الكيل بمكيالين، أم هي "الديمقراطية" التي تتغنى بشق الصفوف الوطنية في البلاد, كما في فلسطين والعراق والسودان؟
إن دعم واشنطن لـ"ثورة الأرز" في لبنان لم يكن محبة بالأرز، وإنما لزرع الأشواك حول أبناء الوطن الواحد, وإثارة النعرات الطائفية في ما بينهم, وذلك إرضاءً لسياساته ومصالحه، الأميركية منها والإسرائيلية.
ودليل السعي إلى تحقيق هذه المصالح هو اختلاف النظرة إلى ما جرى في الساحة نفسها، ولكن من الطرفين المتقابلين في لبنان. فحين كان الفريق الحاكم يتجمع في ساحة الشهداء ويتغنى بالحرية والديمقراطية، كانت واشنطن ترى في ذلك قمة الديمقراطية، ولم تعتبر ما يحصل فوضى، ولم ترَ فيه إضراراً بمصالح الناس واقتصادهم.
أما اليوم، ومع اعتصام المعارضة، فقد خرجت الأصوات الأميركية التي تتباكى على الوضع اللبناني، وتعبّر عن حزنها على ضياع الاستقرار واضطراب الأوضاع.
إن العلاقة تبدو غير واضحة اليوم بين أهل السلطة الحاكمة والسياسة الأميركية التي ينفذها "المندوب الأميركي الدائم" في لبنان جيفري فيلتمان، الذي يتهاوى حزبه الجمهوري.
ويبقى السؤال: ما هو الدور المشبوه الذي يؤديه فيلتمان بزياراته المتكررة، إن لم نقل الدائمة، لفريق السلطة الحاكمة؟ ألا يمكن تفسيره بأنه تدخل صارخ في الشؤون اللبنانية الداخلية, وتحريض متواصل لفريق السلطة ضد الفريق الآخر في البلد؟
محمد طالب
الانتقاد/ العدد 1192 ـ 8 كانون الاول/ ديسمبر 2006