ارشيف من : 2005-2008

الدكتور جورج حجار في تقويم لما جرى ويجري:المشروع الأميركي في المنطقة انهار، وأنصح قادة الأكثرية بالإسراع إلى شقق باريس

الدكتور جورج حجار في تقويم لما جرى ويجري:المشروع الأميركي في المنطقة انهار، وأنصح قادة الأكثرية بالإسراع إلى شقق باريس

هذا التقويم "المتفائل" هو نتاج مسيرة طويلة من الاستقراء للكثير من المعطيات السياسية التي شهدتها الساحة الدولية والإقليمية ـ ومن ثم المحلية ـ على مدى المرحلة الماضية.‏

يمكن الانطلاق من نقطة زمنية أكثر بعداً من كل ما هو متصوّر للحكم على الفشل الأميركي، وربما يمكن البدء من اللحظة التي اعتبر فيها البعض أن المشروع الأميركي وصل إلى ذروته، لحظة دخول القوات الأميركية إلى بغداد.‏

قد تحمل هذه القراءة للأحداث شيئاً من التطرف، ولكنها تبدو واقعية تماماً لدى واحدة من أهم الشخصيات التي تقرأ الواقع الأميركي في هذه المرحلة، انطلاقاً من تجربة طويلة في فهم "العملية السياسية" الأميركية من الداخل، ومن تماس مع الواقع العراقي والعربي فيه الكثير من المعايشة الحيّة والمتابعة البحثية الدقيقة.‏

أستاذ الكرسي في أكبر الجامعات الأميركية، ومؤسس "اليسار الجديد" في الولايات المتحدة، والمدرس في جامعة بغداد على مدى ثلاث سنوات، المفكر والباحث، عضو المجلس الوطني للإعلام في لبنان الدكتور جورج حجار لا يتردد في القول إن لحظة دخول القوات الأميركية إلى العاصمة العراقية كانت لحظة بداية نهاية المشروع الأميركي في المنطقة، بالرغم من الصورة التي تبدّت خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي تحمل في مكوّناتها الكثير من التقدم للمشروع الأميركي، وبشكل خاص على الساحة اللبنانية.‏

طبعاً هو لا يقول ذلك الآن، وإنما هو يكرره في هذه اللحظة بعد انكشاف الحقيقة للجميع، فيما هو كان يردد هذه المقولة على مدى السنوات الماضية، من دون أن ينتظر من أحد أن يسمعه.‏

يضع د. حجار رؤيته في إطار سيناريو متكامل يبدو من المفيد استعراضه كما يضعه صاحبه، بدون التدخل فيه.‏

إن "النصر ـ المزيف ـ السهل" الذي حققه الرئيس الأميركي جورج بوش في العراق أغراه في استكمال مشروع القضاء على "الدول المارقة" في المنطقة والعالم، فأطلق مسار "الثورات الملوّنة" في كل بقاع الأرض، واستطاع ان يحقق نجاحاً كبيراً في جورجيا، ونجاحاً أكثر بريقاً في أوكرانيا، من خلال انقلاب شيوعيين سابقين على أنظمة شيوعية، وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية.‏

هذا النجاح الباهر شكل "إلهاماً" لبعض اللبنانيين الذين رغبوا في اقتباس التجربة على المستوى المحلي فبدأوا بإنتاج "الشالات البيضاء والحمراء" تمهيداً لإطلاق ثورة ملوّنة جديدة تكون ساحتها لبنانية، ولكن هدفها يتسع لأكثر من "تغيير الواقع" في لبنان من خلال إخراج القوات السورية منه، ليصل إلى حد تغيير النظام في سوريا ليتحول إلى نظام تابع للمشروع الأميركي، ومنسجم مع الأنظمة العربية التي دعمت هذا "المشروع التغييري" على الساحة اللبنانية.‏

ما لم تدركه واشنطن ـ وأنصارها اللبنانيون ـ أن لبنان يحتوي في داخله على مكوّنات معقدة لا يمكن أن يتم التغلب على مكوّناتها بالدولارات (تكلّفت "ثورة" أوكرانيا ما لا يزيد عن خمسين مليون دولار، وغيّرت الوجه السياسي لبلد يضم ستين مليون نسمة)، فظهرت صعوبات أمام المشروع الأميركي الهادف لإعادة بناء الشرق الأوسط في إطار القالب الأميركي، وترافقت هذه الصعوبات مع بدء انكشاف الانكسار الأميركي في العراق، الذي ظهر إلى العلن أواخر عام 2004.‏

وجاء اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لإعطاء دفعة للمشروع من خلال تحقيق الأهداف عبر اعتماد تكتيك "الصدمة والترويع" الذي استخدم في العراق، إلا أن القوة المقابلة لهذا المشروع تمكنت من إحباط هذه المحاولة، لتأتي فرصة العمل السياسي التي أعطيت لـ"الأكثرية اللبنانية" كي تقوم بتحويل لبنان إلى "المعسكر الآخر" وتفعيل دوره كنقطة انطلاق للمخططات الأميركية في المنطقة.‏

وبعد فشل السياسيين، جاء دور العسكريتاريا الإسرائيلية في الثاني عشر من تموز/ يوليو، وكان ـ باختصار شديد ـ الفشل مصيرها أيضاً.‏

ماذا الآن؟‏

"المشروع الأميركي انهار تماماً"، هذا ما يقوله الدكتور حجار، ولم يعد لديه ما يقاتل به في المنطقة كما في لبنان، والأنظمة العربية التي التحقت بهذا المشروع تعاني من مأزق شديد، فيما "الأكثرية اللبنانية" تخطت المنطقة الحرجة.. إلى الهاوية.‏

أما النصيحة التي يقدمها الدكتور حجار إلى قادة هذه الأكثرية محدداً منها شخصيتين هما "الأكثر بروزاً" فهي بسيطة: لقد اشتُريت لكما شقق في باريس، فعجّلا إليها، لأن الوقت ما يزال يسمح بذلك".‏

في "محاضرته" التي يقدم خلالها هذه النصيحة التي تبدو أقرب إلى "النبوءة" يصر الدكتور حجار على توجيه رسالتين لا بد من نقلهما بدقة، بناءً على إصراره: الأولى إلى بكركي والبطريرك الماروني، مفادها أن السياسة التي يعتمدها هذا الموقع المهم ستؤدي إلى القضاء على عشرين مليون مسيحي مقيمين في الشرق، لأنها تقف في "الجانب الخطأ" من الصراع.‏

أما الرسالة الثانية فهي منه ـ معرّفاً نفسه بأنه المسيحي المشرقي العروبي ـ إلى بطريركية أنطاكية وسائر المشرق، وإلى البطريرك هزيم بالذات، وهي تدعوه لأن يقول للمسيحيين الآخرين، كما قال لهم عام 1984: يا أخواني نحن الأصل وأنتم الفرع، فاتقوا الله في المسيحيين في الشرق.‏

محمود ريا‏

الانتقاد/ العدد 1192 ـ 8 كانون الاول/ ديسمبر 2006‏

2006-12-09