ارشيف من : 2005-2008
وزير شؤون الأسرى والمحررين الفلسطيني لـ"الانتقاد" : واهم من يظن ان الحكومة ستسقط خلال فترة قصيرة
أجرى الحوار علي سمودي
كثيرة هي الملفات الشائكة التي تواجهها الحكومة الفلسطينية العاشرة في ظل الحصار والحرب المتصاعدة إسرائيليا بدعم أورو ـ أميركي، والتي تستهدف إفشال الحكومة التي شكلتها حركة المقاومة الإسلامية حماس.
ومن أبرز هذه الملفات الحوار الوطني والوحدة الوطنية والمقاومة ووثيقة الأسرى ومنظمة التحرير الفلسطينية, إضافة لهموم الأسرى والرواتب وغيرها من القضايا التي طرحها مراسل "الانتقاد" في جنين على المهندس وصفي قبها وزير شؤون الأسرى والمحررين، وهو من أبرز قادة حركة حماس في فلسطين، ويمتلك تجربة طويلة في قضايا الأسرى، وقد تم اختياره من قبل الحكومة الفلسطينية وزيرا لهذا الملف الشائك.. وفي ما يلي نص المقابلة:
ـ أين وصلت قضية الأسرى والمعتقلين بعد تسلمكم ملف الوزارة الجديدة؟ وما هو موقع ومكان ملف الأسرى في أولويات الحكومة الفلسطينية الجديدة؟
ضمن المعطيات الجديدة هناك قرار واضح وصريح اتخذه مجلس الوزراء الجديد بأن لا يكون هناك أي أفق سياسي وأن لا يتم الحديث عن الأمن والاستقرار في المنطقة ما لم يتم مسبقاً الاتفاق على آلية لضمان تأمين الإفراج الشامل عن جميع الأسرى والمعتقلين دون تمييز.
ـ هل هناك جهود لتحريك قضية الأسرى وتفاعلاتها على المستوى الدولي والعالمي في ظل تنامي الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في معتقلات وسجون الاحتلال الإسرائيلي؟
نعم هناك الآن تواصل مع كل السجون والمعتقلات وحوار شامل بين كل المؤسسات الرسمية والأهلية من أجل بلورة خطة وطنية شاملة لمتابعة وتفعيل ملف الأسرى، ومن ضمن هذه الخطة بلورة آلية للتواصل مع المؤسسات الحقوقية العربية والإسلامية والدولية من أجل صياغة رؤية قانونية للذهاب بها للمؤسسات الأممية، ومن ضمنها محكمة العدل الدولية لاستصدار القرارات التي تُلزم الاحتلال بتطبيق الاتفاقات الدولية التي تتعلق بالأسرى، ومن ثم نقل قضية الأسرى من الساحة المحلية الفلسطينية وتفعيل أبعاد هذه القضية العربية والإسلامية والدولية.
ـ الملاحظ أن هناك تأخراً في دفع رواتب ومستحقات الأسرى، فماذا عن واقع الأسرى ورواتبهم ومستحقاتهم؟
عندما استلمنا وزارة شؤون الأسرى والمحررين يوم السبت (1/4/2006) تلقيت عدة اتصالات هاتفية تطالب بدفع مستحقات الأسرى عن شهر شباط 2006، فتساءلت باستغراب: لماذا لم تُدفع مستحقات الأسرى برغم أن الحكومة السابقة قد دفعت رواتب ومستحقات كل الموظفين والمستخدمين من المدنيين والعسكريين في الدولة في 17/3 عن شهر شباط؟ أبلغت الحكومة وكان قرار بالعمل بكل الوسائل لتسريع تأمين دفع مستحقات الأسرى وأهاليهم وذويهم، وإعطائهم الأولوية في دفع المستحقات. وبالفعل خلال 10 أيام وبرغم استلامنا خزينة فارغة وديون مالية كبيرة وعجز مالي استطعنا بفضل الله عز وجل دفع مستحقات شهر شباط.. وقبل أسبوعين قمنا باستلام شيك من وزارة المالية ونحن الآن بصدد الانتهاء من الإجراءات المطلوبة لعملية تأمين دفع مستحقات شهر آذار.
وثيقة الأسرى
ـ شكلت وثيقة الأسرى محوراً للحوار، وهناك أخذ ورد من أسرى حماس.. البعض قالوا إنهم لم يوقعوا، والآخرون اختلفوا أو أيدوا، ما هو موقف الحكومة من الوثيقة؟
لا شك في أن الوثيقة لا تمثل موقف ورؤية مختلف السجون والمعتقلات، وإنما رؤية عدد من الكادر وأعضاء الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس في سجن هداريم تحديداً، وعليه من غير المنصف أن نُطلق عليها المسمى العام "وثيقة الأسرى"، وهذا ينسحب أيضاً على مختلف الأسرى من باقي الفصائل، وخاصة الأخوة في الجهاد الإسلامي، وحديثنا هذا لا يعيب ولا ينقص من قدر من وقع عليها من حماس، ومع اليقين التام أن محركهم الوحيد هو الحرص التام على مصالح شعبنا والشعور بالمسؤولية من خلال المشاركة في صنع القرار. وهنا لا بد من الإشارة أن لحماس دوائر شورى إحداها السجون والمعتقلات، ورأي الأسرى دائماً حاضر في مختلف القضايا وفي مختلف المراحل، لهذا هناك آلية متبعة لدى حماس في كيفية التواصل وبلورة مواقف الحركة من خلال دوائرها الشورية.
الوثيقة بدون أدنى شك تشكل أرضية وأساسا للانطلاق منها لكونها تشتمل على جوانب إيجابية متفق عليها، من جهة ثانية هناك جوانب في الوثيقة بحاجة إلى دراسة معمقة من مختلف الزوايا، وهي بحاجة إلى تمحيص وحوار من أجل بلورة القواسم المشتركة بين مختلف فصائل العمل الفلسطيني.
ـ ما هي التحفظات التي تمنع الحكومة من الموافقة على الوثيقة؟
الوثيقة عبارة عن أفكار يمكن الاستفادة منها والبناء عليها، وليست خطة عمل كاملة ومتكاملة تُمكن الجميع من التحرك نحو تحقيق أهداف وأماني وآمال وطموحات شعبنا الفلسطيني، وهناك كثير من النصوص تحتمل أكثر من تفسير، ما سيخلق عدة اشكاليات مستقبلا تؤدي للعودة الى المربع الاول من حيث تفسيرات النصوص، حيث ان الصياغات فيها تحمل الكثير من التعميم. من هنا الوضوح المسبق والحوار المعمق والاتفاق على كل القضايا مسبقاً والوصول إلى قواسم مشتركة أفضل من القبول المطلق بالوثيقة، ومن ثمَّ نختلف مع بعضنا حول تفسيرات النصوص. كما أن الحديث عن حق العودة يتطلب الوضوح الكامل: إلى أين؟ وهل هناك سقف زمني لتمكين الفلسطيني من العودة إلى وطنه؟ كما أن الحديث عن الشرعية سواء كانت العربية أو الدولية يعني الاعتراف بالمحتل، واعتراف الضحية بالجلاد، وشعبنا الفلسطيني الذي فوضنا على أساس البرنامج الذي تقدمنا به لا يقبل بأي حال بهذا الاعتراف، وهناك مطبات سياسية أخرى خاصة عند الحديث عن التمسك بالثوابت.. ومن هنا لا بد من الفصل بين الثوابت التي لا يستطيع كائن من كان أن يقدم من خلالها تنازلا، وهناك ما يمكن تسميته هامش التحرك من خلال سقف سياسي أقل يمكن التعاطي به بإيجابية في ظل ظروف قاهرة واستثنائية.. لذلك نحن مع كل ما يخدم المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني، وفي نفس الوقت نحن على استعداد تام لمناقشة كل ما هو مطروح علينا ولا يتناقض مع الثوابت الفلسطينية التي لا بد من إعادة صياغة كل ما يتعلق بها، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُطرح للاستفتاء. وهنا لا بد من تناول بعض الأمثلة التي ستكون موضع خلاف في تفسيراتها: فمثلا هل تقبل مؤسسة الرئاسة العمل المقاوم على مختلف أرض فلسطين التاريخية من دون تحقير لهذا العمل، سيما ان البند الثالث ينص على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتمسك بخيار المقاومة بمختلف الوسائل وتركيز المقاومة في الأراضي المحتلة عام 1967، هذا النص سيكون من البنود التي ستثير إشكالا في المستقبل لدى الآخرين، لأن هذا البند يُطالب بتركيز المقاومة في الأراضي المحتلة عام 1967 ويعطي الضوء الأخضر للعمل على كامل أراضي فلسطين التاريخية. ومثال آخر يتعلق بتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وانضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي وإعادة تشكيل المجلس الوطني الجديد مع نهاية العام الحالي بما يضمن تمثيل جميع القوى وتجمعات شعبنا في كل مكان، وكل المؤسسات والقطاعات والفعاليات والشخصيات على أساس نسبي في التمثيل والحضور والفاعلية النضالية والسياسية والجماهيرية.
الحوار الوطني
ـ أين وصلت جهود الحوار الوطني؟ وهل تبلور موقف نهائي من الحكومة تجاه الاستفتاء؟
الظروف الأمنية المعقدة التي يعيشها شعبنا في الضفة الغربية والتي تحول دون التواصل والمساهمة الفاعلة، حيث الحواجز وتقطيع أوصال الوطن، استدعت ـ بناءً على رغبة فصائل أخرى كالجهاد الإسلامي ـ نقل الحوار إلى غزة، ونأمل أن تفضي هذه الحوارات إلى خطة وطنية شاملة تعكس كل القواسم المشتركة التي ستشكل السياسة العامة لكل أطياف العمل السياسي الفلسطيني، برغم بعض المعوقات ومحاولات فرض النتائج المسبقة في الحوار، كطرح الاستفتاء وإعطاء مهلة عشرة أيام، وكنا نتمنى ان تكون هذه النتيجة نابعة من الحوار وليس مفروضة في بداياته.
وللحقيقة من الواضح ان هناك بعضا غير معني بالحوار، والدليل على ذلك تلك التصريحات المسمومة التي تؤجج المشاعر في الشارع والساحة وخلق حالة من الاحتقان الفصائلي بهدف إفشال الحكومة وتحميلها مسؤولية فشل الحوار، برغم أنها تعمل بكل طاقاتها لتوفير الأجواء المناسبة لإنجاح الحوار الذي هو أحد خيارات الحفاظ على وحدة الصف وصون دماء الشهداء.
أما الاستفتاء فإن عملية طرحه جاءت نتيجة مسبقة للحوار، وهذا الامر ليس من الشفافية ولا المنطق.. كما ان طرح هذه الوثيقة من دون الوثائق الأخرى المطروحة على الحوار للتصويت بانتقائية هو توظيف لحالة تحمل بعداً إنسانياً وعاطفياً ودغدغة للعواطف والمشاعر التي تتعلق بنتائج ورأي غير ملزم لأحد صادر عن الأسرى، وإن كان هذا الموقف محط وموضع احترام، وكنا نتمنى ان يُستفتى الشعب على الخطة والقواسم المشتركة التي يفضي اليها الحوار حتى نعزز الشورية والشفافية واحترام رأي الشعب. كما أن الاستفتاء قد طرح في ظل الحصار وتحت ضغط وفزاعة التجويع، وهذا توقيت لا يليق بنا كشعب فلسطيني له تجربة جهادية ونضالية متراكمة، فربط الثوابت برغيف الخبز الذي يمنعه الاحتلال وأعوانه أمر مرفوض شعبياً ورسمياً، وليتنا لم نسمعه من أي مسؤول فلسطيني. ومن حقنا أن نتساءل: لماذا لم يرجعوا في السابق الى الشعب الفلسطيني في قضايا كثيرة ومصيرية تتعلق بقضيتنا الفلسطينية، كمدريد وأسلو؟ ولماذا لم يُستفتَ شعبنا عندما أُلغيت بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني وكثير من الاتفاقيات التي أجحفت بحقوق شعبنا؟ وقد استغربت من تصريحات البعض أنهم جاهزون للاستفتاء، حيث الغطاء القانوني والتمويل والآلية، كل شيء جاهز، فإذا كان هناك تمويل فلماذا لا يوفر لإطعام الشعب ومساعدة الأسرى وتوفير مستحقاتهم.. وما دور الحكومة كسلطة تنفيذية.
ـ هناك من يراهن على ان حكومة حماس ستسقط خلال 3 شهور، كيف ترد على ذلك؟
واهم من يظن ان حكومة الشعب الفلسطيني ستسقط، لأن شعبنا بغالبيته ـ الا فئة قليلة ـ ملتف حول حكومته ويدرك صوابية تمسكها بالثوابت. هناك محاولات لابتزاز مواقف سياسية على حساب الثوابت ويتم توظيف المال السياسي لتحقيق هذا الابتزاز، لذلك فإن الحكومة ستمضي بأداء خدماتها ومهماتها، وشعبنا هو صاحب القرار الأول والأخير في منح هذه الحكومة الثقة من خلال المجلس التشريعي مرة أخرى.
حماس والمبادرة العربية
ـ ما هو موقفكم من المبادرة العربية في ظل الدعوات المصرية والسعودية الى تبنيها والضغوط المستمرة على الحكومة للاعتراف بها؟
من المستغرب جداً أن تُطرح مبادرات ويُتحدث عنها وقد رفضها الاحتلال ووصفها بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به، وقد داستها جنازير الدبابات الإسرائيلية وردت عليها من خلال عملية السور الواقي في نيسان 2002، وتوجتها بالمجزرة الرهيبة التي نفذها الاحتلال في مخيم جنين.. فلماذا نجعل الخلاف بيننا على أمر غير مقبول إسرائيليا؟! فالحديث يجب أن يكون حول الاعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني أولاً، وبالآليات التي تُجبر الاحتلال على قبول ما يُطرح ويُتفق عليه.
الانتقاد/ مقابلات ـ العدد 1165 ـ 9 حزيران/يوينو2006