ارشيف من : 2005-2008
عمى الألوان
كتب إبراهيم الموسوي
الدعوة إلى الحوار التي أطلقها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أسقطت فوراً من جانب قوى الموالاة، فأرباب السلطة، والاستئثار مشغولون جداً بأمانة تنفيذ التعليمات والإملاءات الخارجية والاميركية على وجه التحديد!
لم يكد الرئيس بري يلتقط بعض المؤشرات الايجابية وومضات المرونة من كلام زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وعودة النائب سعد الحريري، ليطلق مبادرته، حتى تعرّض لإطلاق النار من قوى السلطة، لتصل الأمور إلى حد اختزال الحوار بالتفاوض، واختزال الطاولة الموسعة بكرسيين، يشغلهما الحريري وبري التفافاً على اقتراح سابق للمعارضة بتفويض رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون بالتفاوض عن المعارضة.
ليست المرة الأولى التي تسقط فيها قوى الموالاة اقتراحات ومبادرات الحوار، فهي دأبت منذ بدأت الأزمة بإجهاض المبادرات واقتراحات الحلول ومشاريع التفاوض مرة بعد مرة، فلا المبادرة الفرنسية وحوارات سانت كلو نفعت، ولا المبادرة العربية التي ما فتئت تطل بصورة أو بأخرى أفلحت، ولا تنازلات المعارضة نجحت في أن تقرّب الأزمة إنشاً واحداً باتجاه الحل، بل على العكس، فإن قوى الموالاة، وبدعم اميركي دولي واسع، وتشجيع اقليمي كبير، كانت تندفع في كل مرة بقوة أكبر لملء مساحة التنازل الذي تخلفه مبادرات المعارضة لتسهيل الحل لتطلق مواقف أكثر راديكالية وتشدداً تعيد الأمور كلها إلى نقطة الصفر، والمربع الأول من الأزمة، وهذا ما تؤكده عودة نغمة الانتخاب بالنصف + واحد، وأن موعد 13 أيار لن يكون كما سبقه حسبما جاء على لسان قيادات الموالاة.
لعل الجديد الشكلي في الموضوع هو أن قوى الموالاة أصبحت أكثر حرصاً على سرعة إظهار رفضها للمبادرات والتنازلات ومشاريع الحلول قبل أن يأتي الفيتو من واشنطن على لسان المسؤولين الاميركيين، أو من بعض العواصم العربية، بعد أن أصبحت تدخلات هؤلاء فاضحة واضحة لا تخفى على أحد، ولا سيما بعد أن وضعت تدخلات واشنطن وتصريحات مسؤولي ادارتها حول رفضهم للوساطات والحلول قوى الموالاة في موقع الأدوات التي تتلقى تعليمات الأسياد وأولياء النعمة.
ماذا تريد قوى الموالاة من وراء التمسك بالعرقلة والعناد في رفض الحلول، هل ما زالت المراهنات على حرب في المنطقة أو لبنان تحدث تغييرات استراتيجية تقوّي من رصيد الموالاة قائمة، أم أن فريق السلطة وداعميه يراهنون على تفتيت جبهة المقاومة والممانعة، أو شرذمتها من خلال العمل على تقسيمها، هل تراهن الموالاة على تعب المعارضة وتسليمها بالأمر الواقع، وأي أمر واقع في نهاية المطاف، إنه أمر واقع أميركي يقود ما تبقى من بؤر المناعة وقوى الممانعة والمفارقة في الجسم العربي الاسلامي إلى التسليم بالعصر الاميركي، ولماذا يكون ذلك؟ وهل يكون؟
إن عمى الألوان الذي يصيب الراكبين في قطار المشروع الأميركي يجعلهم غير قادرين على التمييز؟ فالقطار الأميركي اليوم قد تمت فرملته أولاً، وها هو ينحرف عن مساره، وهو متوقف عند محطة الضوء الأحمر، ولن يستطيع أن يغادرها إلا إذا ساعدته القوى الاقليمية الفاعلة في محيط العراق، وهي بالتحديد إيران وسوريا، وعليه فإن جبهة المقاومة الرافضة لمشاريع الاحتلال والتقسيم والتفتيت من طهران إلى غزة تمتلك قراءة مغايرة، وهي لن تلقي بطوق نجاة للأميركي المحتل كي لا ينتقل في عدوانه واحتلاله إلى جبهة أخرى، خاصة بعد أن ذهبت واشنطن بعيداً في تقديم نفسها كأمبراطورية عالمية تعطي لنفسها الحق في التدخل حينما تشاء دون أية مساءلة من أحد.
إن مواجهة عصر الامبراطورية الأميركية قدر لا مفر منه، وإن قوى المقاومة والممانعة دولاً وحركات مقاومة وشعوباً سوف لن تتراجع أبداً عن الاستمرار في هذه المواجهة، وهي واعية تماماً لقدراتها وإمكانياتها واستعداداتها، كما أنها تدرس بدقة كبيرة قدرات الطرف الآخر حتى تكون قادرة على إفشال المشاريع المعادية وإحراز النصر لشعبها وأمتها.
لن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة تغييرات كبيرة، ولن تستطيع واشنطن وحلفاؤها فرض معادلة جديدة مهما فعلوا وحاولوا، بل إن الأرجح أن التهويل ورفع الصوت، لا يعدو كونه محاولة للحفاظ على الوضع القائم، الذي يعمّق أزمة البلد ويزيد في شلله، في حين أنه يؤمّن للإدارة الاميركية استمرار حليفها فؤاد السنيورة في ترؤس السلطة غير الشرعية في لبنان.
واشنطن مرتاحة لإدارة السنيورة وفريق الموالاة للبلد، فهو يؤمّن لها موطئ قدم في السياسة وغيرها، ويشكل ضمانة نفسية لحلفائها العرب في المنطقة، فضلاً عن أنه مادة دسمة تتيح للبيت الأبيض أن يخرج علناً كل يوم بتصريحات من مثل "دعم ثورة الأرز" التي باتت تشكل هي وحكومة السنيورة حسب الأدبيات السياسية الاميركية الحديثة جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي الاميركي!
الانتقاد/ العدد1265ـ 2 ايار/مايو2008