ارشيف من : 2005-2008
ريشارد لابفيير لـ"الانتقاد":فرنسا متفاجئة بحجم المعارضة ودعمها لحكومة السنيورة امتداد للقرار 1559
باريس ـ نضال حمادة
الأحداث التي يمر بها لبنان أرخت بظلها على الوسطين الإعلامي والسياسي في فرنسا، فبين زيارة المرشحة الاشتراكية للرئاسة سيغولين رويال وانتقادات اليمين لها، وبين التأييد الكامل لحكومة السنيورة اللادستورية من طرف الرئيس جاك شيراك، تبدو علامات الإرباك جلية في التعاطي الرسمي والإعلامي مع الظاهرة الحضارية التي تقدمها المعارضة الوطنية اللبنانية. من اجل معرفة أسباب الارتباك الفرنسي هذا، وموقف فرنسا من الأزمة اللبنانية الحالية التقت الانتقاد مدير التحرير في اذاعة فرنسا الدولية، رئيس نشرة الدفاع الشهرية، والخبير بقضايا العالم العربي ريشارد لابفيير وحاورته في الموضوع.
كيف ترون الموقف الفرنسي في الأزمة اللبنانية الحالية؟
أعتقد ان فرنسا تدعم حكومة السنيورة في الأزمة الحالية لأن هذه الحقبة هي امتداد للقرار 1559 أو امتداد للدعم غير المشروط الذي يقدمه شيراك لعائلة الحريري،
وأيضا رغبة شيراك في التصالح مع الولايات المتحدة قبيل الانتخابات الفرنسية، ومن ناحية أخرى لإعادة التوازن للعلاقات مع "إسرائيل". كل هذا يجعل فرنسا والاتحاد الأوروبي يدعمان حكومة السنيورة متذرعين بفوزها بالانتخابات النيابية، وهذا التحليل لا ينطبق على حقيقة ما يجري على الأرض. لبنان الحقيقي نراه الآن، هناك تغير حقيقي في ميزان القوى على المستوى السياسي وعلى المستوى الشعبي، ونحن نسأل أين كان جنبلاط وسعد الحريري خلال العدوان الإسرائيلي عندما كان اللبنانيون يقتلون، كانوا في باريس وجدة، اليوم الرئيس السنيورة يرفض توسيع الحكومة بسبب رفض أميركا وفرنسا وبريطانيا، وهو الآن يدفع ثمن أخطائه. المشكلة أن فرنسا وأميركا تدعمان السنيورة برغم المعارضة الشعبية، وهذا خطأ.
قلت إن السنيورة يرفض توسيع الحكومة بسبب معارضة أميركا، فرنسا وبريطانيا، هل تعتقد انه لديه النية ولكنه مجبر؟
أنا أعتقد أن حكومة السنيورة مجبرة على إعطاء ضمانات لأميركا و"إسرائيل"، لذلك هي بحاجة لدعم اوروبا. لو نظرنا كيف يغطي الإعلام الفرنسي والأوروبي الأزمة الحالية نجد أنه يعكس وجهة نظر أميركا حرفياً، "هناك حلفاء لسوريا يريدون اسقاط حكومة موالية للغرب ومنتخبة ديمقراطياً"، هذا ما ينقل. انه تزوير للحقيقة وفضيحة أخلاقية كبرى. إنهم يقومون بتغطية ايديولوجية تشرع للسياسة الأيديولوجية المتبعة من قبل المحافظين الجدد، ورجل تلك السياسة في لبنان هو فؤاد السنيورة.
ذكرت في حديثك القرار 1559، أنت مؤلف كتاب حول انقلاب السياسة الفرنسية عنونته "بغداد ـ بيروت"، وأفردت فيه فصلا كاملا سميته القصة السرية للقرار 1559، هل هناك علاقة بين الـ1559 وما يجري اليوم في لبنان؟
يجب القول إن القرار 1559 الذي أقر في مجلس الأمن مرتبط بخطيئة هي محاولة فصل لبنان عن محيطه العربي، في انتهاك فاضح للدستور اللبناني الذي يقول ان لبنان بلد عربي. شيراك أراد سلخ لبنان عن واقعه مخالفاً بذلك ثوابت السياسة الفرنسية، حيث أوكل أمر تحضير القرار لمستشاره غوردو مونتانيه من دون علم المؤسسات المختصة داخل الدولة الفرنسية كالخارجية مثلاً. ان التغيير الحقيقي للسياسة الفرنسية يرجع الى القرار 1559 الذي اتخذ بناءً على الأمور التالية:
1- العلاقة الشخصية وغير المنطقية للرئيس شيراك مع شخصيات عربية، علاقة قامت على المصالح المادية المشتركة، وعلى التمويل المتكرر لحملات شيراك الانتخابية من قبل هذه الشخصيات، والخلط بين المصالح الشخصية ومصالح الدول.
2- من ناحية أخرى أراد شيراك اعادة الدفء إلى العلاقات الفرنسية الأميركية بعد
الخلافات حول العراق، التي كلفت فرنسا ثمناً باهظاً اقتصادياً وسياسياً.
3- أراد شيراك عدم ترك أمر تصحيح العلاقات مع أميركا لنيكولا ساركوزي خصمه اللدود.
على ماذا يعتمد السنيورة في تصلبه هذا، وخصوصاً أن شيراك في أواخر عهده السياسي؟
نهاية الشيراكية او الخاتمة السياسية لشيراك أمر مؤسف، انها سياسة القطيعة مع الثوابت، ومبنية على المصالح الشخصية. السعوديون يمتلكون وسائل ضغط كبيرة على شيراك وعائلته، وهو سوف يستمر بدعمه اللامحدود لحكومة السنيورة التي يعتبرها حكومة آل الحريري، وهذا ما يشجع السنيورة في تصلبه، كما يمكن للسنيورة الاعتماد على الاستمرارية في السياسة الفرنسية، نحن سمعنا سيغولين رويال في زيارتها للبنان التي جاءت لأسباب فرنسية داخلية، سمعناها كيف أبدت دعمها لحكومة السنيورة، هناك استمرارية في سياسة فرنسا سوف ترتكز على القرارات الدولية (1559 -1595-1701).
هل هناك قطيعة في سياسة فرنسا التاريخية المؤيدة للموارنة في لبنان؟
أعتقد أن هناك الكثير من الجهل في الوسطين السياسي والإعلامي لما يحصل الآن في لبنان، هناك عدم قدرة على استيعاب ما يحصل من تحالف بين الشيعة والموارنة، وهذا الجهل مرده النظرة إلى لبنان عبر البرجوازية اللبنانية المارونية والسنية التي تقضي معظم أشهر السنة في باريس. الساسة هنا كما الإعلام لا يرون لبنان الجنوب
أو المناطق المحرومة، وهذا منطق أحمق.
في الحقيقة إن فرنسا متفاجئة بحجم المعارضة لهذه الحكومة، وهي مأخوذة على غرة من أمرها، ميزان القوى يميل لمصلحة المعارضة، والسؤال المطروح هو لماذا هناك موارنة متحالفون مع حزب الله والأحزاب العروبية الأخرى.
لو سقطت حكومة السنيورة هل سوف يتم التعامل مع الحكومة التي تخلفها على غرار التعامل مع حكومة حماس؟
كل ذلك يعتمد على التطورات في العراق، هناك الآن لجنة بيكر التي أعلنت تصوراتها للحل هناك، ويجب القول إن بيكر لم يكن يوماً قريباً من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، هو رجل من هيوستن في ولاية تكساس قريب من الوسط النفطي الأميركي الذي يحبذ علاقة جيدة مع ايران، ومن هنا فإن توصيات هذه اللجنة لبوش بضرورة التعامل مع ايران سوف تؤثر بشكل كبير على مسار الأحداث في لبنان ومجمل المنطقة.
الانتقاد/ العدد 1192 ـ 8 كانون الاول/ ديسمبر 2006