ارشيف من : 2005-2008

لو أن..

لو أن..

كتب ابراهيم الموسوي
لو أن جماعة السلطة لم يمارسوا سياسة التسلط والاستئثار، لما كنا عشنا في أتون الأزمة التي نشبت على مدى السنتين الماضيتين.. لو أنهم ارتضوا المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية وإدارة شؤون البلاد والعباد لوفّروا علينا وعلى أنفسهم وعلى البلد الكثير.. لو أن رمش فؤاد السنيورة رفّ لمرأى المليون متظاهر وما يزيد من أبناء شعبه، لكنا انتهينا منذ زمن، ولكنا على الوجه الأصح لم نعلق في الأزمة.. لو أن فريق السلطة لم يتآمر على المقاومة، ولم يحابِ الأجنبي على حساب ابن الوطن، لو أن هذا الفريق لم يرهن نفسه لإملاءات كوندوليزا رايس وجيفري فيلتمان، لو أنه لم يصدّق سراب أوهام الدعم الأميركي على لسان بوش وولش، لو أن هذا الفريق اعتبر ممن سبقه ولم يصدق أن البيت الأبيض لا يغمض له جفن قبل أن يطمئن الى أوضاع أشاوس "ثورة الأرز"، لو أن هذا الفريق تروّى قليلاً، وارعوى كثيراً عن موبقات أفعاله، لما كان البلد وصل إلى هذا الدرك.. لكنه منطق التسلط، وهو غالباً ما يكون أعمى.
أما وقد حصل ما حصل، فالخير في ما حصل.. ليس لأننا كنا نرغب في ما جرى، ولكن من باب ضرورات التصحيح. لقد راكمت حكومة الأمر الواقع غير الشرعية برئاسة فؤاد السنيورة من الأخطاء والخطايا ما لم يكن ينفع معه أي علاج، وكان لا بد من انتفاضة بيضاء تصحح الأمور.
الذي جرى ليس انتصاراً لفريق على فريق، بل هو انتصار للوطن ولمنطق الدولة والمؤسسات والقانون.. الذي جرى هو تغليب لمصلحة الوطن والمواطنين جميعاً على مصلحة فئة ضيقة أو شريحة معينة.. ما جرى لم يكن بأي حال حرباً مذهبية ولا فتنة طائفية، بل تفجرا لاحتقان سياسي في لحظة بلوغ التآمر أقصى ذراه والانقسام الوطني أعلى مستوياته.
ما الذي طلبته المعارضة منذ البداية؟ وهل هو تعجيزي وانقلابي على غرار ما حاولت السلطة تصويره؟
ما طالبت به المعارضة بسيط، هو مطلب الحد الأدنى، هو المشاركة، لا سيما في امتلاك القدرة على إبداء الرأي وصناعة القرارات المصيرية التي تتصل بمستقبل الوطن برمته لأجيال مقبلة. ما طالبت به المعارضة بعد حرب تموز وما  أفرزته من مواقف متناقضة وانقسامات عنيفة واحد من أمرين: إما حكومة وحدة وطنية، وإما الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة. ما طالبت به المعارضة منذ اللحظة الأولى هو دستوري وقانوني وفي صلب العملية الديمقراطية عندما تتعرض البلاد، أي بلاد، لأزمة وطنية كبيرة كتلك التي رافقت وأعقبت عدوان تموز والانقسامات التي حدثت حينئذ.
بيد أن السلطة المستأثرة أصمّت أذنيها عن سماع المطالب المحقة، واليوم، بعد كل هذا الوقت، وبعد أن أنزلت السلطة بالبلد وأهله المزيد من الخسائر والاستنزاف المعنوي والمادي، ها هي ترضخ مرغمة للمطالب نفسها.
لقد أدت انتفاضة الثامن من أيار إلى إلغاء القرارين الظالمين المظلمين للسلطة بإقالة العميد وفيق شقير من قيادة أمن المطار وتفكيك شبكة اتصال المقاومة "سلاح الإشارة"، واعتبارها اعتداءً على سيادة الدولة اللبنانية، وملاحقة المسؤولين عنها. كما أطلقت ديناميات فاعلة أدت إلى إعادة إطلاق الحوار في قطر توصلاً إلى اتفاق الدوحة الذي أرّخ لنهاية الأزمة بالاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية  وإقرار قانون انتخاب العام 1960، وإعطاء المعارضة الثلث الضامن، والاتفاق على انتخاب المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية العماد ميشال سليمان يوم الأحد المقبل في 25/5/2008.
ما جرى هو بداية نهاية الأزمة، وهو يصلح أن يكون مدخلاً حقيقياً لإعادة إطلاق عملية النهوض بالوطن من خلال سيادة منطق الدولة والمؤسسات وحكم القانون، وإنهاء منطق الاستئثار والإلغاء، فالمعارضة التي أمسكت بمقاليد الأمور في بيروت والجبل سفّهت منطق السلطة التي حاولت تصوير الأمر على أنه محاولة انقلابية ضد الدولة والقانون. ما فعلته المعارضة هي أنها أعادت الأمور إلى نصابها المفترض.. ما فعلته المعارضة أنها أثبتت منطق الشراكة والتعايش الوطني وسيادة الدولة من خلال مؤسساتها، رئاسة جمهورية وحكومة وقانون انتخاب، وهذا هو كل ال.... مع منطق الاستئثار السلطوي لفريق الموالاة على مدى الفترة الماضية.
بإنجاز الاتفاق بزغ يوم جديد على لبنان واللبنانيين، ومطلع الأسبوع المقبل سيكون للبنان رئيس يرعى تشكيل الحكومة، كل ذلك كان بجهد مبارك من دولة قطر، وجهود حثيثة لأفرقاء إقليميين ودوليين.. ولكن الأهم أن لبنان انتصر بفضل المقاومة والمعارضة، وهذه ثمرة طيبة جديدة من ثمار النصر والصبر، فعسى أن يكون لنا منها المزيد.
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/ مايو 2008

2008-05-23