ارشيف من : 2005-2008
جبهات برسم التكامل
كتب ابراهيم الموسوي
لسنا وحدنا في هذا العالم، ولن نكون وحدنا بالتأكيد، هناك الكثيرون ممن يعانون القهر والظلم، وإن بطرق مختلفة ودرجات متفاوتة، وهم موجودون على اتساع خارطة العالم. هناك عطش حقيقي للعدالة والحرية والاستقلال. الناس في كل مكان مفطورون على رفض الظلم والطغيان والاحتلال، وإذا كانت الدول تتكتل في منظومات قوى ومحاور عالمية، فإن الشعوب من حقها وواجبها هي الأخرى أن تفعل الأمر نفسه، وهي تفعل، التاريخ والكون له صيرورات وتحولات، تخلق حداً أدنى من التوازن، يضمن الاستمرار للفريق المتمسك بالمطالب المحقة من حرية وعدالة واستقلال.
أمم كبيرة وممالك وأمبراطوريات سادت ثم بادت لتصبح أثراً بعد عين، وشعوب كثيرة تمسكت بحقوقها فأفلحت وانتصرت بعد أن استيأس البعض من أنه لا مناص ولا خلاص.
في تاريخنا الحديث في لبنان والمنطقة، كما في العالم، حدثت تكتلات كبيرة وتغيرات وتحولات عظيمة، واختفت دول وظهرت أخرى، واحتلت شعوب واستقلت أخرى، كان النصر دوماً في خط الذين آمنوا وثابروا وجاهدوا فانتصروا.
صحيح أن الاتحاد السوفياتي قد سقط ولكن نظام القطب الواحد، بتفرد اميركا، لم يصبح في أي يوم قدراً لا مفر منه، ففي ظل هذا القطب الأوحد بدأت الصين بالصعود واستعادت روسيا قدرتها على المبادرة، وظلت كوبا معاندة قبالة شواطئ فلوريدا، وفي ظل هذا النظام الأوحد أيضاً كانت ايران تتقدم بثبات وقوة كي تصبح قوة وازنة لها ماهيتها العالمية وثقلها الحاسم والوازن اقليمياً، وكذلك الأمر مع فنزويلا هوغو شافيز.
خرجت مصر من معادلة الصراع مع العدو الاسرائيلي في الثمانينات من القرن الماضي فجاء منطق التوازن الطبيعي بدخول ايران الجمهورية الاسلامية الفتية الصاعدة من عبق الثورة ليشكل رافداً طبيعياً يعيد القوة إلى المشهد الذي اختل، وفي اجتياح 1982 وصلت قوات العدو إلى بيروت فحاصرتها وفرضت رئيساً بل رئيسين واتفاقية مذلة، وأخرجت منظمة التحرير والمقاتلين الفلسطينيين من لبنان، على ظهر السفن باتجاه الشتات في تونس، وأماكن أخرى، فانطلق حزب الله وحركات المقاومة الأخرى بزخم قوي، ليصنع نصراً مؤزراً في العام 2000، وليتوّجه بنصر هائل في تموز العام 2006.
حرب تموز هي مفصل عالمي هام، ونقطة تحوّل في الصراع، لأنها أعطت مثالاً واضحاً وصارخاً حول إرادة المقاومة لدى الشعوب وتمكنها من انتزاع النصر مهما كانت قوة العدو عاتية.
أهمية حرب تموز أنها أرسلت موجة عميقة من الوعي لدى الشعوب في كل العالم، ورسّخت الأمل لديهم بإمكانية فعل الكثير، هذا ما يلمسه الكثيرون ممن يجولون في عواصم العالم، في أوروبا وفي أميركا أيضاً، في الجامعات ومراكز الأبحاث وفي أوساط اتحادات العمال، ومنظمات المجتمع المدني، السؤال المركزي لم يعد ماذا نستطيع أن نفعل، بل كيف نفعل، هناك ما يشبه الصمود في الوعي إلى درجة المبادرة بالفعل، وهناك تبلور لإرادة الفعل للإتيان به على أفضل وجه خدمة لقضية رفض الظلم والاحتلال.
هناك غضب حقيقي وفورة وعي حميمة يجب استثمارها، والتقاط فرصتها السانحة. لقد فتحت خسارة أميركا في العراق وأفغانستان ومعها حلفاؤها الأوروبيون، الباب واسعاً أمام القوى الحية في المجتمعات الأوروبية وداخل أميركا، للمبادرة واتخاذ القرار للقيام بما من شأنه وقف الحكومات عند حدها، وفي التظاهرة المليونية التي أسقطت طوني بلير عقب عدوان تموز 2006 خير مثال، الاضراب الذي ينوي تنفيذه العمال على الساحل الغربي الاميركي هو مؤشر آخر، والتظاهرات الضخمة التي سيشهدها العالم في 15 آذار 2008 في ذكرى مرور خمس سنوات على غزو العراق ولإدانة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وحصاره غزة ولمنع أي حرب على ايران، هي مؤشر قوي أيضاً، لأنها تحصل بعد تنسيق بين قوى متعددة في عواصم عديدة لتحمل عنواناً واحداً.
هذه التحركات لا تحمل طابعاً عفوياً، ولا هي من قبيل العمل الرمزي، هذه التحركات والمواقف هي تعبير عن أزمة خانقة في المجتمعات الأوروبية بدأت تطفو إلى السطح. هناك غربة كاملة وافتراق حادّ بين نخب سياسية فاسدة مرتبطة بمصانع السلاح والشركات العابرة للقارات في صفقات مالية وسمسرات خيالية، وبين شرائح اجتماعية واسعة بدأت تحس بالويلات التي جلبتها لها حكوماتها. ليس غريباً أن يطلق قادة الناتو الإنذار بأن حلفهم قد تصدّع بفعل الحرب على أفغانستان، وليس مفاجئاً أيضاً أن لا تجد الإدارة الأميركية حكومة واحدة متحمسة لإرسال ولو جندياً اضافياً إلى أفغانستان.
هناك تحولات أساسية حقيقية وواعدة ومؤشرات بالغة الأهمية ينبغي قراءتها جيداً ووضعها في إطارها الصحيح، هي فرصة سانحة لبلورة حركة مواجهة حقيقية تتكامل فيها قوى المقاومة في المنطقة مع قوى الممانعة المدنية التي تمتد على أربع رياح الأرض. المطلوب الآن هو العمل لالتقاط هذه الإشارات وبلورتها في إطار مشروع جادّ وواعٍٍ ومثمر قبل أن يجهضه الأعداء ويحاصره الخصوم والجهلاء.
الانتقاد/ العدد1257 ـ 7 آذار/مارس 2008