ارشيف من : 2005-2008
رئيس جبهة العمل الإسلامي الداعية فتحي يكن لـ"الانتقاد": من يحمل السلاح المذهبي ليس من أهل السنة
ـ نعمل على مشروع إسلامي عالمي في مواجهة
الاستكبار العالمي
ـ هناك اليوم بين السنة والشيعة شراكة جهادية مقاومة
ـ ما جرى في المنية كان منظماً
ـ المملكة العربية السعودية لن تترك سعد الحريري يغول في الاتجاه المعاكس
ـ دور جنبلاط نسف كل أمل وكل حوار ومبادرة
ـ من يذهب إلى الإدارة الأميركية ويحرضها ضد لبنان وسوريا وإيران وضد المعارضة هو شريك في هذه المؤامرة
من يرصد حركة الداعية الإسلامية فتحي يكن في الآونة الأخيرة لا بد من أن يخلص إلى أن أمراً واحدا يشغل بال "رئيس جبهة العمل الإسلامي"، هو الفتنة التي "رجعت" تطل برأسها من جديد على الساحة الداخلية من خلال حادثتي المنية وبرّ الياس، لكنه على يقين أن "هذا السلاح مردود على أصحابه"، لكون مطلقيه "هم أول من سيدفعون الثمن"، غامزاً من قناة بعض المرجعيات الدينية التي عملت على شحن الأجواء الطائفية دونما أن تدرك خطر ما ذهبت اليه إلا بعد فوات الأوان.
الداعية يكن الذي آلمه وضع اليد على المرجعية السنية من قبل بعض "العلمانيين" الذين لا يمثلون "بقدر ما يمثلون آراء وأفكارا وتيارات غير إسلامية"، تجده يصوب سهامه على من هم في "مصلحتهم خراب البصرة وقيام الفدراليات"، متمنياً على جليس بري أن يعود "إلى سربه وعائلته الدينية والروحية والمذهبية"، لأنه "لا يمكن أن يكون خارج أصوله وجذوره وموقعه السني العربي".
في منزله في طرابلس التقت "الانتقاد" الداعية يكن وجالت معه في العديد من الملفات السياسية، بدءا من زيارته طهران الى ما تشهده البلاد من أحداث.. وكان هذا الحوار:
عدت قبل أيام من زيارة طهران للمشاركة في مؤتمر الوحدة الإسلامية، هل برأيك يمكن لمؤتمر كهذا أن يضع حاجزاً في مواجهة تقدم مشروع الفتنة في المنطقة؟
سبق أن أقيمت مؤتمرات للتقريب بين المذاهب في طهران ومصر، وأعتقد هذه المؤتمرات هي المجال الأساس في سحب فتائل التفجير المذهبي، لأن القضية المذهبية تتعلق بقضايا فقهية معينة تحتاج إلى أهل اختصاص ولا تحتاج إلى الشارع، وبالتالي لا بد من أن تسحب هذه القضية من الشارع وتعطى لمجالس الفقه الإسلامي، ومنها بصورة خاصة مؤتمرات التقريب بين المذاهب التي يرأسها سماحة الشيخ التسخيري. وأعتقد أن هذا المؤتمر سيترك آثاراً وبصمات في إطار سحب هذه الفتائل التفجيرية، لكون الحضور الدولي كان كبيراً، أي ما يقرب من 42 دولة إسلامية.
هل يمكن أن يرفد هذا المؤتمر لبنان بجرعة تساعد في كبح جماح الساعين داخلياً وخارجياً لإدخاله في أتون الفتنة المذهبية؟
أعتقد أن الفتنة المذهبية تعديناها إلى حد كبير.. وصلت الأمور في فترة من الفترات إلى درجة من الاحتقان كادت تتفجر، إنما الآن من خلال الوعي وتبريد الأجواء والعلاقات والاتصالات التي قمنا بها في مختلف المناطق، أعتقد أن لبنان تجاوز هذا القطوع.
ما دمنا تجاوزناها، ماذا تقرأ في ما جرى في المنية وبرّ الياس؟
أقرأ مشهداً من مشاهد الإفلاس لدى الآخر، ومشهدا من مشاهد التحدي الذي قمنا ونقوم به في مختلف المناطق، فهم يشعرون الآن بأن البساط سُحب من تحت أقدامهم.. وما جرى بالأمس في المنية كان منظماً لا عفوياً، بدليل البيان الذي وُزع قبل اليوم من الحادثة، وكان يحرض على افتعال الفتنة، وعلى الأخذ بكل الوسائل الممكنة للحيلولة دون انتقال الوفود إلى مكان الاحتفال.
لماذا يقطع الطريق أمام أي تحرك للمعارضة في الشمال، هل هناك من صادر رأي الشارع السني؟
منذ الانتصار التاريخي للمقاومة هناك من يود أن يختصر التمثيل السني وأن يضع يده الحصرية على المرجعية السنية، وهذا بدأ منذ تحرك قوى الرابع عشر من شباط، وبصورة خاصة الذين يعتبرون أنفسهم ممثلين لأهل السنة والجماعة، أعني بهم تيار المستقبل. هم أساسا لم يكونوا بحال من الأحوال ممثلين لأهل السنة والجماعة، معظمهم علمانيون ومن غير هذا الاتجاه الإسلامي، نحن على مدى نصف قرن ندعو للإسلام ونحمي السنة ونمثلهم، اليوم دخل هذا الفوج الجديد وبيده السلاح المذهبي يشهره للأسف في وجه الآخرين من السنة، مع أن هذا السلاح مردود على أصحابه.. أنا لا أعتقد أن هؤلاء يمثلون السنة، قد يمثلون آراءً وأفكارا وتيارات غير إسلامية وغير سنية أساسا، فالذي لا يقف اليوم في خندق المقاومة لمواجهة الاستكبار الأميركي والغطرسة الإسرائيلية أعتقد أن السنية براء منه.
ـ إلى أي حد استطاع سلاح المذهبية أن يثبت "حضوره" في الساحة الداخلية؟
قلت سابقاًً ان أميركا و"إسرائيل" وقوى الظلامية في العالم العربي والإسلامي نجحت إلى حد كبير في نقل المعركة من أن تكون بيننا وبين قوى الاستكبار إلى الداخل، أما اليوم فقد ارتد هذا عليها.
ـ هل من أحد في الداخل أوجد لها الأرضية الخصبة، ومن ثم عمل على استثمارها؟
نعم.. لا شك في أن الضخ الإعلامي والمال السياسي الذي وزع والشحن المرجعي للأسف من بعض المرجعيات الدينية في الطائفة السنية، أثر إلى حد كبير في شحن الأجواء.. طبعا أنا أحمل هذه المرجعيات المسؤولية بالأساس، والتي عادت عنه بعدما أدركت أن هذا الشحن سينقلب عليها وستدفع الثمن قبل غيرها. وأسأل: إلى أين تقود البلد هي؟ تقود البلد إلى الدمار..
شراكة حقيقية مع حزب الله
من موقعك كداعية اسلامية، كيف تقيم وضع الشارع الإسلامي في لبنان، خصوصاً بعد الأحداث التي شهدها منذ أشهر، والتي أثارت مخاوف كبيرة من الذهاب إلى الحرب الأهلية؟
الوضع الإسلامي اليوم أمتن من ذي قبل، لأن هناك مشروع شراكة حقيقية بين القيادات السنية والشيعية، بين جبهة العمل الإسلامي وحزب الله، وهي ليست شراكة نظرية، وإنما شراكة جهادية مقاومة، فنحن لدينا مواقع معينة في المناطق المتقدمة من الشريط الحدودي، وبخاصة المناطق السنية التي تسلمتها جبهة العمل الإسلامي. وأعتقد أن هذا الموقف الملتصق الحميم يشد أزر بعضنا البعض وتصبح بالفعل الساحة الإسلامية قلعة من القلاع لا يمكن أن يهزها الآخرون. لذا نحن بصدد تأسيس لمشروع إسلامي واحد يبدأ بلبنان ويمر بالمنطقة العربية وينطلق للعالم الإسلامي والعالمي، وهذا المشروع طرحته على القيادات السياسية والدينية في إيران وتركيا وأكثر من عاصمة عربية، وأعتقد انه لأول مرة مشروع كهذا سيبصر النور بهدف مواجهة الاستكبار العالمي.
ـ برأيك هل الذهاب إلى افتعال مشكلات هنا وهناك تعبير عن ضيق قوى السلطة من خيارات المعارضة السلمية، إضافة إلى رغبتها الحقيقية بوقف الاستئثار بالسلطة؟
ما جرى من احتشاد في المجلس النيابي هو نوع من التلهي، لأن قوى 14 شباط لم يعد في جعبتها أي من الأوراق الجديدة. فهي بعد أن انتهت من الورقة المذهبية تطرح الآن أوراق دستورية بهدف إيجاد ثغرات. غير أن رد الرئيس بري لم يزدهم إلا ضعفاً وانهياراً.
ـ بعد التصعيد الأخير من فريق السلطة تحت قبة البرلمان، هل من فرصة حقيقية بعد للتوصل إلى تسوية سياسية قبل انعقاد القمة العربية، أم أن "منسوب" التفاؤل بدأ ينضب كلما اقتربنا من موعد القمة؟
أعتقد أن قوى 14 شباط وصلت إلى طريق المسدود، لكننا كمعارضة لم ولن نصل.. غير أنه يجب أن نلتفت إلى ظاهرة بدأت تتبلور الآن في ساحة هذه القوى، وهي أن التسعير الحاصل ليس من كل قوى 14 شباط، إنما من بعضها التي سبق أن راهنت على العدو الإسرائيلي وعلى التدخل الأميركي وعلى رأسهم الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية.
ـ هل يُفهم من كلامك أن هناك تمايزا بين سعد الحريري وحليفيه جنبلاط وجعجع؟
بتقديري أنا أنه في باطنه ما يطرح من تصعيد لا يمكن أن يتبناه، وإنما أيضاً لا يمكن أن يرفضه لأنهم هم أمام امتحان كبير، بمعنى ان رفضه يفتت هذه القوى، وتفتتها سيؤدي إلى انهيارها، لذا هو يعض على جراحاته حتى تنتهي هذه المرحلة.
ـ ما هي قدرة أي أتفاق فيما لو استكمل بين الرئيس بري والحريري على عبور حقول الألغام المحلية والخارجية؟
لا شك في ان هناك استباقا من قبل بعض هذه القوى للنتائج التي يمكن التوصل إليها، لأنه يعتبر نفسه متضرراً منها، لهذا السبب نشجع لقاء الاثنين للوصول ولو إلى الحدود الدنيا، لأن الآخرين لا يودون الوصول إلى أي تفاهم، وهم على استعداد لتفجير الوضع تفجيرا كاملا، لأنهم في الأساس هم أحرقوا مراكب العودة إلى الحوار.
خراب البصرة وقيام الفدراليات
ـ أين مصلحتهم في ذلك؟
مصلحتهم هي خراب البصرة وقيام الفدراليات.. هؤلاء يصرون بالفعل على تنفيذ المشروع الأميركي الشرق الأوسطي بإقامة الفدراليات، لهذا نسمع كلاما كثيرا حول هذا الموضوع أن تنشأ "كنتونات" درزية وشيعية وسنية ومارونية!
ـ ألا تعتقد أن ما قاله جنبلاط في اعتصام قوى 14 شباط في المجلس النيابي قد نسف الحوار من أساسه وقطع الأمل على اللبنانيين للوصول إلى تسوية حقيقية؟
في الأساس هذا دوره، ينسف كل أمل، كل حوار، كل مبادرة.. هو اتخذ قراره في عدم العودة إلى ما نريد نحن، الوحدة اللبنانية ذات العمق العربي، وبالتالي هو يعمل ضد هذه الثوابت، لأن من يذهب إلى الإدارة الأميركية ويحرضها ضد لبنان وسوريا وإيران وضد المقاومة، هو شريك في هذه المؤامرة.
ـ ما تقدم يدفعنا إلى السؤال: هل سعد الحريري بات بحكم الـ"مخطوف" من قبل حليفيه، بدليل أن ما تم التوصل إليه مع الرئيس بري لم يعجبهما، لا بل لم يستطع إقناعهما؟
لا شك في أن الجاذب الأكبر لدى سعد الحريري هو واقعه السني وعمقه العربي السني، وهو بالتالي لا يستطيع أن يقطع هذه الوشائج.. لكن في المقلب الآخر هناك حلفاء يود أن يراعيهم، لكن لا يمكن أن تكون مراعاتهم على حساب الأصول والجذور.. إذاً سيعود وستكون له عودة، وإن لم يعد فسيعاد من قبل أصوله وجذوره، وبالتالي فالمملكة العربية السعودية لن تتركه يغول أكثر في الاتجاه المعاكس الذي لا يعبر عن هويته وشخصيته. نحن نأمل أن يعود إلى سربه وإلى عائلته الدينية والروحية والمذهبية.
عرض عضلات
ـ لماذا تعتبر المعارضة خطوة الفريق الحاكم باتجاه المجلس النيابي هي ضد الحوار وضد المسعى السعودي ما دام التصرف يقع تحت الأطر الدستورية؟
هم يعتبرون ذلك، ولكن نحن لا.. هذا الاحتشاد الذي جرى في المجلس النيابي هو عرض عضلات ليس إلا..
ـ هم يتهمونكم بأنكم وضعتم يدكم على رئاسة الجمهورية وعطّلتم المجلس النيابي، واليوم تأتون لتضعوا يدكم على الحكومة؟
نحن المعارضة نمثل الأصالة الوطنية والسيادة اللبنانية، هم يزعمون السيادة وينحرونها بأيديهم عندما يقدمون لبنان إلى المواقع الأخرى، منها الأميركي!
ـ هل تريد أن تقول ان جوهر المشكلة هو حول هوية لبنان وتوجهاته الاستراتيجية كما قال جعجع في وقت سابق؟
منذ نشأة لبنان حتى الآن هناك صراع بين التعريب والتغريب، هناك من يدفع بلبنان إلى الانتماء الغربي، وهذا ما طُرح خلال حكم إميل وريمون إده وكميل شمعون الذي أراد أن يربط لبنان بحلف "أيزنهاور" بحلف بغداد، بالنقطة الرابعة، وكذلك أيام أمين الجميل من خلال اتفاق "17 أيار"، أي ربط لبنان بالأحلاف الإسرائيلية.. علما بأن اتفاق الطائف وضع نصاً صريحاً ووقع عليه الجميع بأن لبنان ينتمي إلى عمقه العربي، فإذ بالمسألة تُطرح من جديد!.
ما رأيك باقتراح الرئيس سليم الحص تشكيل حكومة من (19 ـ 10) برئاسة ميقاتي أو شخصية محايدة؟
كل ما يطرحه الحص أنا موافق عليه، لأن الخطوة التالية يفترض أن تكون بإجراء انتخابات نيابية تظهر فيه حقيقة القوى على الأرض.
ـ سؤال أخير: كيف قرأت كلام السنيورة أمام أصحاب المؤسسات في الوسط التجاري، بـ"أن المقاومة تعطل أرزاق الناس في وسط بيروت"؟
مشكلته أنه يلقي بالتبعات على سواه ولا يتحمل مسؤولية ما يجري.. فلو قبل بالثلث الضامن لانتهت القضية.
حاوره: حسين عواد
تصوير : موسى الحسيني