ارشيف من : 2005-2008
نجاحات
كتب إبراهيم الموسوي
حققت القمة العربية التي انعقدت يومي السبت والأحد الماضيين جملة من النتائج التي لا يمكن الاستهانة بها في طريق العمل العربي المشترك، ما يرشحها لأن تكون إحدى أهم وأنجح القمم العربية. لا ينبني هذا النجاح على إنجازات سياسية محددة تم التوصل إليها، وإنما على معطيات وظروف حقيقية لا يمكن إغفالها بأي حال.
لعل الإنجاز الأول والأهم هو في انعقاد القمة العربية ذاته، لأن هذا الانعقاد جاء في ظل دعوة أميركية علنية للمقاطعة، وسعي أميركي عملي محموم وحثيث لإجهاض القمة من خلال منع الزعماء العرب من المشاركة، إما بطلب مباشر من واشنطن، أو من خلال حلفائها العرب، وإما من خلال طلب مواعيد مع بعض القادة العرب من جانب كونداليزا رايس وديك تشيني في موعد انعقاد القمة نفسه لقطع الطريق على بعض الزعماء من التوجه إلى دمشق.
وإزاء تقلص قدرة واشنطن على منع انعقاد القمة، فضلاً عن إجهاضها، فإنها حاولت التشويش عليها ومحاصرتها ومنعها من الخروج بنتائج فاعلة يمكن أن تشكل بداية جديدة أو انطلاقة للعمل العربي الجماعي.
ومن النتائج التي يمكن احتسابها لمصلحة القمة أيضاً، هو الادارة الحكيمة التي تحلت بها القيادة السورية، إذ جاء خطاب الرئيس بشار الأسد متوازناً وهادئاً، فقدّم رؤاه من موقع العربي الحريص على مصلحة كل العرب، والمدرك لخطورة المرحلة وحساسية الظرف، ما فوّت على الكثيرين ممن حاولوا تعطيل القمة فرصة استغلال أي خطاب سوري متشنج خدمة لمشروعهم المؤتمر بتعليمات البيت الأبيض.
ويحتسب للرئيس الأسد أيضاً أن خطابه جاء شاملاً لكل القضايا العربية، فشدد على الثوابت العربية، وجاء إعلان دمشق بمثابة تأكيد لهذه الثوابت العربية بما يحاكي نبض الشارع العربي في قضايا المقاومة والتحرير، كما في موضوع استقلالية القرار العربي وسيادة الدول على أراضيها وقراراتها الحرة.
صحيح أن القمة لم تخرج بقرارات مفصلية، وهو ما لم يكن متوقعاً منها بأي حال، لكنها استطاعت أن تكون على مستوى التحدي لجهة مجابهة المشروع الأميركي في المنطقة الذي يلخص عنوان المواجهة الحالية للمرحلة، وذلك من خلال إعادة التذكير بجملة من المبادئ والقضايا التي أرادت واشنطن نسفها من قاموس العمل العربي المشترك، فالمقاومة العربية سواء في لبنان أم فلسطين أم العراق، هي إرهاب بنظر واشنطن، ولكن العرب في القمة لم يرضخوا لتعريفات واشنطن ووجهوا تحية للمقاومة، ودعوا إلى التمييز الحقيقي والواضح بينها وبين الإرهاب، والتشديد على أحقية الشعوب التي تحتل أرضها في اللجوء اليها لطرد المحتل، وهو ما ينطبق تماماً على المقاومات العربية في غير مكان ومنطقة.
ولعل من أهم ما خرجت به القمة منذ لحظة انعقادها من نتائج أيضاً، أنها أثبتت أن هناك إمكانية دائماً للدول العربية بأن تمارس نوعاً من الاستقلالية وهامشاً مهماً من الحرية في مواجهة الضغوط الأميركية، مهما بلغ حجم هذه الضغوط، ومهما تعددت أساليبها ووسائلها، ولعل في التأكيد على استمرار المبادرة العربية تجاه لبنان، هذه المبادرة التي رفضتها واشنطن، ما يثبت القدرة على التمسك بالحل العربي مقابل سعي واشنطن للتدويل أو جعل إدارة الأزمة حصرياً في يدها.
لقد رسمت قمة دمشق ملامح جديدة للعمل العربي المشترك بعيداً عن إملاءات واشنطن، يمكن استشرافه بالإرادة الجماعية للعرب الذين حضروا بإيجاد هامش استقلالي سيادي ما لدولهم إزاء الإدارة الأميركية، وهو ما يشير لتحولات هامة على صعيد التعاطي الرسمي العربي مع واشنطن، وهو ما يمكن رفده بمزيد من عناصر القوة، إذا ما أتاحت بعض الدول للشارع العربي أن يعبّر هو الآخر عما يختلج في داخله إزاء مجريات الوضع في المنطقة.
لقد شكّلت قمة دمشق بمجرياتها ونتائجها حجة دامغة ضد المتخاذلين، تصلح أن تكون أنموذجاً يحتذى في مجال احترام الدول لمصالحها الوطنية والقومية، واحترام خيارات شعوبها، أما إذا أعطت هذه الدول المجال للقاعدة الشعبية للتعبير عن نفسها، فيشكل ذلك انعطافة هامة متقدمة ليس على صعيد إفشال مخططات البيت الأبيض في المنطقة فقط، بل في فرض "أجندة" عمل وظيفة شاملة، تراعي أولاً وقبل كل شيء القضايا الكبرى لهذه المنطقة ومصلحة شعوبها، وساعتئذٍ لن يكون أمام واشنطن إلا الرضوخ والتراجع.
هي تجربة بسيطة لما يمكن أن يكون عليه الحال لو قرر بعض العرب الخروج على إرادة السيد الأميركي، فكيف إذا قرر العرب مجتمعين أنظمةً وشعوباً ذلك، ساعتئذٍ لن يكون لواشنطن موطئ قدم في القرار العربي والأرض العربية.
الانتقاد/ العدد1261 ـ 4 نيسان/ أبريل 2008