ارشيف من : 2005-2008

سيشوان: مأساة كبيرة.. لكنها ليست الكبرى!

سيشوان: مأساة كبيرة.. لكنها ليست الكبرى!

الزلزال الذي ضرب مقاطعة سيشوان في جنوب غرب الصين، بقوة (8) درجات على مقياس ريختر، ليس الأعتى بين الزلازل التي ضربت مناطق عديدة من العالم خلال السنوات الأخيرة، لكنه كان الحدث الأكثر إيلاما قي تاريخ الصين منذ ثورتها عام 1949. قرى بأكملها مُسحت من الوجود، مخلفة أكثر من سبعين ألفاً بين قتيل ومفقود، إضافة إلى (250) ألف جريح، و(12) مليون حيوان نافق، ومئات الألوف من المنازل والمدارس والمستشفيات المدمرة. وطرقات مقطوعة، وخمسة ملايين مشرد في ظروف معيشية وصحية بالغة الهشاشة، وسط مخاوف من تفشي الأوبئة.
عمليات إنقاذ تشارك فيها فرق من روسيا واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية وماليزيا والولايات المتحدة، إضافة إلى مئة ألف جندي صيني يحفرون وينقبون بين الأنقاض، يخرجون في الأعم الأغلب جثثاً قد بدأت بالتحلل، وأحياناً قليلة أشخاصا ما زالوا على قيد الحياة. والأهالي الذين نقلوا إلى مناطق مجاورة يعودون للاطلاع على ما تبقى، وخصوصاً للبحث عن أفراد أسرهم المفقودين. ومن بين آلاف الأمثلة المأساوية رجل يصرخ بين الأنقاض باسم ولده الوحيد. لعله لا يزال مدفوناً حياً تحت سقف لم يتهدم، وأمه من خلفه تصيح قائلة: إن كل ما تريده من الدنيا هو العثور على ولدها حياً.
وسائل الإعلام نشرت صورة مؤثرة لطفل خرجت يده من بين الأنقاض ممسكة بقلم.. ربما تكون هذه الصورة في جملة ما حفز السلطات الصينية على تأكيد العزم على البدء بإعادة الإعمار وبناء المدارس.
فالحق أن أبنية المدارس كانت الأكثر تعرضاً للدمار، بين أبنية لا تزال قائمة.
هنالك من يطالب بالتحقيق مع المقاولين لمعرفة ما إذا كان الفساد قد لعب دوره في تشييد أبنية لا تتوافر فيها المعايير. ولكن قبل الإعمار، وجنباً إلى جنب مع التنقيب، وحتى قبل دفن الضحايا، هنالك أمور أشد إلحاحاً: إنها المحافظة على حياة الناجين، وهم بالملايين. جُمّع من جُمع على عجل في معسكرات بما تيسر من معدات وتجهيزات قليلة. الأولوية للطعام والشراب.. كله يجب أن يأتي من بعيد، ويجب أن يأتي بكميات كافية. مياه الشرب هي الغائب الأكبر.. ثم العثور على بعض قناني المياه بين أنقاض المنازل والمطاعم والمستشفيات. لكن ذلك لا يغني من عطش، لذا لم تكتفِ الصين بتنكيس الأعلام ولبس السواد وتكريس ثلاث دقائق للصمت وتجميد مسيرة الشعلة الأولمبية.
حتى الفقراء في المدن الصينية لم يبخلوا بتقديم العون للمنكوبين، في حملة واسعة لجمع المساعدات المالية والعينية شملت جميع مناطق الصين. حوالى 800 مليون دولار جُمعت بهذه الطريقة منذ الأيام الأولى للكارثة، أضافت إليها السلطات الصينية مبلغاً مساوياً كدفعة أولى.. وأقيم حفل شارك فيه فنانون وسياسيون تمكن من جمع 190 مليون دولار. لكن كل ذلك لا يوفر أكثر من نصف دولار لكل مشرد من أصل خمسة ملايين. من هنا نداءات الحكومة الصينية إلى الخارج في طلب المساعدات، ولا سيما الخيام لإيواء المشردين، وكثير منهم أطفال تيتموا بفعل الزلزال.
وذلك ليس كل شيء، فقد ضربت هزة أخرى المنطقة المنكوبة في عزّ نكبتها، وخلفت ضحايا.. حرارة المناخ في المنطقة تترافق مع الأمطار الغزيرة.. سدود عديدة انهارت بفعل الزلزال أو الأمطار، وسدود أخرى تكونت بفعل انزلاقات طينية سدت مجاري الأنهار، ونشأت عنها بحيرات تهدد بالتحول إلى فيضانات.. وانهيارات الطين طمرت (200) منقذ لا يعرف ما إذا كان بعضهم قد ظل على قيد الحياة. كما سجلت حوادث تدافع بين الناس وهم يفرون من السيول وانزلاقات الطين نحو المرتفعات. وفي وقت ينشغل فيه الجيش بدفن الجثث أو إحراقها، قام الرئيس الصيني هو جينتاو بزيارة إلى المنطقة وحث العاملين على السرعة القصوى قي أعمال الإنقاذ والإغاثة وإعادة الإعمار. وهنالك مخاوف من أن تكون أضرار قد لحقت بخمسة مواقع ذرية صينية قريبة. السلطات تؤكد أن "المفاعلات آمنة"، ولكن من يدري؟ شبح تشرنوبيل يخيم أيضاً على الأجواء.. والخسائر المادية قُدرت بعشرة مليارات دولار، وسط تقديرات بانخفاض مؤشر النمو بنسبة 0.2 في المئة خلال الفصل الثاني من السنة، بعد أن كانت معدلات النمو قد بلغت 10.5 في المئة خلال الفصل الأول.
لا مجال للاستنكار أو الإدانة كما يحدث عادة إزاء الكوارث المتكاثرة التي يتسبب بها ما يسمى بالنشاط البشري.. اللهم إلا إذا كان شيء من الزلازل الطبيعية المتكاثرة ناتجا أيضاً عن النشاط البشري.. أو عن إرادة قوة ما فوق طبيعية. وبهذا الخصوص قد تنبغي الإشارة إلى أن زلزال سيشوان قد وقع في وقت لا تنهمك فيه الطبقة السياسية في الصين بشكل لافت، في اختلاق مشكلات كبرى توظفها في خدمة الخسيس من الأغراض. فعسى أن يعتبر أقوام يشحذون كل هممهم في اختلاق المشكلات!
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008

2008-05-23