ارشيف من : 2005-2008

المؤتمر الثاني للاستثمار في العراق: البحث عن فضاءات وآفاق وفرص جديدة

المؤتمر الثاني للاستثمار في العراق: البحث عن فضاءات وآفاق وفرص جديدة

بغداد ـ عادل الجبوري 
بلور المؤتمر الثاني للاستثمار في العراق الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة منتصف شهر أيار/ مايو الجاري، رؤى وتصورات وقناعات بدت اكثر واقعية وجدية وعملية من تلك التي أفرزها المؤتمر الاول الذي عقد في شهر آب/أغسطس من العام الماضي في مدينة دبي الاماراتية.
وانعكس ذلك على طبيعة وحجم الاتفاقيات التجارية التي أُبرمت بين الجانب العراقي من جهة وعدد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية العربية والعالمية المشاركة في المؤتمر من جهة اخرى. وهذا ما أشار اليه رئيس الوفد العراقي الدكتور عادل عبد المهدي في كلمته في الجلسة الختامية للمؤتمر الذي دام يومين بقوله: "أعتقد اننا حققنا نتائج كبيرة ومهمة، وتم توقيع عدد من العقود الاقتصادية مع شركات ورجال أعمال عرب وأجانب. كما حصلت اتفاقات وتفاهمات كثيرة مع شركات ضخمة ستكون سباقة للعمل والاستثمار في العراق".
وربما أعطى الحضور العراقي الكبير كمّا ونوعا في المؤتمر بعدا مميزا له لم يتوافر للمؤتمر الاول في دبي العام الماضي. فقد تألف الوفد العراقي من ستمئة وثلاثين شخصية سياسية واقتصادية وعلمية وتجارية، مئة وثلاثون منها رسمية تمثل الدولة، وخمسمئة تمثل رجال أعمال ومستثمرين وخبراء ومصرفيين. فإلى جانب نائب رئيس الجمهورية العراقي عادل عبد المهدي الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من إحدى الجامعات الفرنسية، شارك نائب رئيس الوزراء برهم أحمد صالح ووزراء المالية والصناعة والمعادن ومحافظ البنك المركزي العراقي، ومحافظو خمس عشرة محافظة عراقية في الشمال والوسط والجنوب، ورؤساء مجالس محافظات، ورؤساء ومديرو مؤسسات اقتصادية وتجارية، وعدد من مدراء المصارف الحكومية والأهلية، ورؤساء جامعات وعدد غير قليل من رجال الاعمال والمستثمرين العراقيين من داخل العراق وخارجه، وخبراء اقتصاديون. وقد وجّه ذلك رسالة واضحة عن مدى اهتمام وحرص العراق على فتح كل القنوات مع الخارج لاستثمار التحولات الداخلية على الصعيدين الأمني والسياسي لتدوير عجلة التنمية الاقتصادية بجوانبها ومفاصلها المختلفة بوتائر أسرع.
وكان واضحا انعكاس تلك الرسالة على الآخرين من خلال حجم وطبيعة الحضور العربي والدولي، واهتمام وحرص الدولة المضيفة على انجاح تلك التظاهرة الاقتصادية والخروج منها بنتائج عملية على أرض الواقع. وهذا الاهتمام والحرص تمثل بالدرجة الاساس برعاية رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف للمؤتمر مع نائب رئيس الجمهورية العراقي، وتفاعل مختلف الجهات المصرية المعنية وسعيها لتأمين كل ظروف وعوامل النجاح. وكذلك المشاركة الواسعة للشركات المصرية ورجال الأعمال والمستثمرين المصريين، اذ بلغ عدد المشاركين من مصر وحدها اكثر من مئتي رجل أعمال وشركة مصرية.
وعلى المستوى العربي والإقليمي والدولي فقد شاركت في المؤتمر شركات كبرى متخصصة في مجالات البناء والاسكان والسياحة والزراعة والنقل وإصلاح البنى التحتية الاقتصادية والخدمية.
وطبيعي جدا ان الحضور النوعي والكمي الكبير من الجانب العراقي والاطراف الاخرى، واللقاءات المباشرة والتداول والبحث في الكثير من التفاصيل والجزئيات، ساعد في ابرام اتفاقيات بين محافظين او رؤساء مجالس محافظات وشركات عربية او عالمية، او بأدنى تقدير التوصل الى تفاهمات ورؤى مشتركات تمهد السبيل وتهيىء الأرضيات المناسبة للتوصل الى ابرام اتفاقيات لإقامة مشاريع ضخمة في مختلف محافظات العراق، من قبيل تشييد المجمعات السكنية المتكاملة او المطارات او المنشآت الرياضية والخدمية المختلفة، او اعادة تشغيل وتفعيل بعض المصانع المدمرة والمعطلة عن العمل، وتحويل طبيعتها الإنتاجية من عسكرية الى مدنية، حيث ان النظام السابق جعل اكثر المنشآت والمصانع تتجه الى الإنتاج العسكري التسليحي.
ولا شك في ان التميز النوعي والكمي ومستوى التفاعل والاهتمام في المؤتمر الثاني للاستثمار مقارنة بالمؤتمر الاول، ارتبط بحقائق ومعطيات الاوضاع الأمنية التي شهدت تحسنا كبيرا وملموسا في مختلف أنحاء العراق خلال الفترة الممتدة من صيف عام 2007 حتى ربيع عام 2008، وأفرز حراكا سياسيا بالاتجاهات والمسارات الصحيحة والمطلوبة من قبل الحكومة والقوى السياسية الفاعلة في المشهد العراقي، تمخض عنه استعادة حكومة نوري المالكي لزمام المبادرة بشأن الكثير من القضايا، بعدما بدا في النصف الثاني من عام 2006 وبدايات عام 2007 أنها عرضة للانهيار والسقوط بطريقة او بأخرى، بسبب تداعيات الظروف الأمنية والتجاذبات والتقاطعات السياسية الحادة بين فرقاء الساحة العراقية.
ومن معالم وملامح ومؤشرات التحولات بين صيف 2007 وربيع 2008، العدد الكبير للمؤتمرات والملتقيات السياسية والاقتصادية المحلية والاقليمية والدولية حول العراق، التي انعقد بعضها في بغداد ومحافظات عراقية اخرى مثل البصرة والناصرية والمثنى والديوانية والنجف وبابل وكربلاء وأربيل والسليمانية، وبعضها خارج العراق كعمان والقاهرة وشرم الشيخ وإسطنبول والكويت ودمشق وهلسنكي واستوكهولم وغيرها.
وكل تلك المؤتمرات والملتقيات ساهمت الى حد كبير في التعبير عن الواقع العراقي على حقيقته، ورسم صورة مقاربة لذلك الواقع، ان لم تكن مطابقة له بالكامل.
ولعل رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف لمّح في كلمته بافتتاح المؤتمر الى جانب من تلك التحولات المهمة من خلال تأكيده استعداد بلاده وتطلعها لاستقبال المزيد من العراقيين للتدريب واكتساب الخبرات، والسعي لاستثمار كل فرصة لتعميق تعاونها مع العراق برغم ما يرتبط بذلك أحيانا من صعوبات. معتبرا أن هذا المؤتمر يأتي امتدادا لسلسلة لقاءات استضافتها مصر بشأن العراق طيلة الأعوام الماضية، سواء كانت اجتماعات دول الجوار الموسعة في شرم الشيخ في تشرين الثاني/ نوفمير 2004، او اجتماع إطلاق العهد الدولي للعراق في أيار/ مايو 2007، وهي الاجتماعات التي تناولت التعاون بين دول المنطقة والمجتمع الدولي من جانب والعراق من جانب آخر. كما احتضنت القاهرة برعاية جامعة الدول العربية مؤتمرا للوفاق الوطني العراقي في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2005، ومؤتمر متابعته الذي عقد في شهر تموز/ يوليو من عام 2006.
بقي ان نشير الى ان اختيار العراق للقاهرة لعقد المؤتمر الثاني للاستثمار في العراق يرتبط بحسابات سياسية لا تقل أهمية عن الأبعاد والأهداف الاقتصادية من وراء عقد مثل تلك المؤتمرات. فالعراق يسعى لكسر جزء مما يمكن تسميته بـ"الحصار العربي" عليه، لذا قرر الدخول من أوسع الأبواب العربية، وأراد ان يوجد فضاءات وأجواءً اخرى للحوار والتواصل مع العرب وغير العرب وعدم الاكتفاء بعمان ودبي، أو الاكتفاء بالطرق على ابواب اخرى ربما يتأخر اصحابها عن فتحها لأسباب ودوافع واعتبارات من غير الضروري ان يكون لها وجود في "أجندات" أطراف أخرى.
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008

2008-05-23