ارشيف من : 2005-2008
رافي مادايان يكشف لـ"الانتقاد" خبايا التحقيقات بالاغتيالات: أخفوا اعتراف رافع بضلوع "إسرائيل" باغتيال حاوي
منذ بدء موجة الاغتيالات والتفجيرات على الساحة اللبنانية في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2004، بالتزامن مع جنوح المناخ السياسي العام داخلياً وفي منطقة الشرق الأوسط نحو التغيير، خسرت المقاومة واحداً من أبرز قادتها السياسيين المندمجين مع المقاومين والمجاهدين في خطوط المواجهات الأمامية مع العدوّ الإسرائيلي، هو الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي الذي استشهد في 21 حزيران/ يونيو من العام 2005، بمتفجّرة دسّت في سيّارته بعيد لحظات من خروجه من منزله الكائن في محلّة وطى المصيطبة في بيروت.
فقد كانت إنجازات الشهيد حاوي في عمل المقاومة كثيرة ولا تحصى، ومنها العلني ومنها السرّي الذي سيذكره التاريخ حتماً، ولكنّ الشعب اللبناني لن ينسى، على سبيل المثال، إطلاقه جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 16 أيلول/ سبتمبر من العام 1982، وإشرافه على أكثر من ستمئة عملية لغاية العام 1989 أودت بحياة عشرات الضبّاط والجنود الإسرائيليين والعملاء، وتلك العملية البطولية والجريئة التي نفّذتها المقاومة سهى بشارة، بإطلاقها النار على كبير العملاء وقائد ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" أنطوان لحد، في عقر منزله في بلدة مرجعيون ضمن ما سمّي بـ "الشريط الحدودي المحتل". فقد كان المسدّس المستخدم يخصّ حاوي نفسه، كما كان الإصبع الضاغط على الزناد يحمل آلام وصرخات شريحة كبيرة من اللبنانيين التوّاقين إلى الحرّيّة والتحرير.
ووجد الإسرائيلي أنّ اهتزاز الوضع الأمني في لبنان بحسب المخطّط الأميركي لتبديل هوّيته وصورته، هو فرصة ثمينة، وعامل مساعد، للتخلّص من جورج حاوي وتوجيه ضربة للمقاومة، مستفيداً من هامش التمايز الذي كان حاوي يرسمه لنفسه في بناء علاقة جديدة ومختلفة عن سابقاتها مع سوريا، فنفّذت شبكة التجسّس التابعة لجهاز "الموساد" بقيادة العميلين اللبناني محمود رافع الموقوف لدى القضاء، والفلسطيني حسين خطّاب المتواري عن الأنظار، الاغتيال في وضح النهار، وتولّت بعض قوى 14 شباط/فبراير مسألة الاتهام السياسي الجاهز سلفاً، بتحميل سوريا المسؤولية، في وقت كان فيه حاوي يعمل على إجراء مصالحة بين القيادة السورية والنائب وليد جنبلاط، كما يكشف أمين سرّ "شبيبة جورج حاوي" نجله رافي ماديان في حديث لـ"الانتقاد".
لقد حصل الاغتيال، وطارت المصالحة، وانحاز جنبلاط إلى الضفّة الأميركية، وسار في مشروعها الرامي إلى الهيمنة على المنطقة ومدخراتها وثرواتها، والمتطلع إلى القضاء على حركات التحرّر فيها بما يريح الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
ويستشعر مادايان "محاولات مقصودة لإخفاء خيوط ومعطيات تشير إلى ضلوع "إسرائيل" في عملية اغتيال الوالد الشهيد حاوي، ولا سيّما أنّ ملفّ التحقيق مع شبكة العميل محمود رافع وحسين خطّاب حوّل من مديرية المخابرات في الجيش اللبناني إلى القضاء العسكري حيث جرى الاطلاع على الملفّ وتوجيه الاتهام إلى رافع وخطاب بارتكاب عدد من الاغتيالات والتفجيرات ومنها اغتيال القياديين في حزب الله علي صالح وغالب عوالي وجهاد أحمد جبريل والمسؤول في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين محمود مجذوب مع شقيقه في مدينة صيدا، ولم يتضمّن هذا الملفّ، ويا للأسف، معطيات كان قد أدلى بها العميل رافع لدى مخابرات الجيش اللبناني تتعلّق بقيام العميل خطّاب المتهم باغتيال جبريل، بمراقبة الشهيد حاوي في منطقة وطى المصيطبة حيث يقع منزله قبل اغتياله".
ويوضح مادايان أنّ اغتيال جهاد جبريل جرى بواسطة تفجير سيّارته في منطقة كورنيش المزرعة في بيروت قرب السفارة الروسية، وهي قريبة من سكن الشهيد حاوي، وكانت تشكّل النطاق الجغرافي لعمل حسين خطّاب.
وإذ يستغرب مادايان التجاهل التام للمعطيات المتوافرة في التحقيق والتعاطي السلبي معها، يسأل "لماذا لم تحوّل هذه المعطيات، وهي قائمة على جملة واحدة تتعلّق بقول رافع إنّ خطاب زميله في شبكة التجسّس، كان يراقب حاوي في وطى المصيطبة، إلى المحكمة العسكرية"؟. ويضيف بأنّه حصل على وعود كثيرة بتحويل هذه العبارة، ولكن ذلك لم يتمّ، و"لذلك بدأت أشكّ بأنّ هناك من يريد مسايرة السفارة الأميركية والتغطية على الدور الإسرائيلي في اغتيال جورج حاوي وربّما الاغتيالات الأخرى، لأسباب سياسية".
وبحسب المخطّط التوجيهي لسير الاغتيالات والتفجيرات، فإنّ الإدارة الأميركية وضعت نظرية سياسية تقول بأنّ من يقوم بهذه الاغتيالات هو النظام السوري ضدّ معارضيه في لبنان، ويرى مادايان في قراءته لمجريات التحقيق والمحكمة الدوليين، أنّه "إذا كنّا نعرف بأنّ جهات دولية على علاقة بالمخابرات الأميركية والفرنسية وعلى تقاطع مع بعض الجهات في "إسرائيل" ومخابرات عربية، فليست هناك مصلحة للإدارة الأميركية وهذه الجهات التي وضعت مسبقاً سياقاً للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في أن تتهمّ جهات غير سوريا وإيران، وهي عملت جاهدة لاستبعاد كلّ الاحتمالات التي كانت تشير إلى خيوط إسرائيلية، أو أميركية، في عملية اغتيال الحريري والجرائم الأخرى".
تدخّل أميركي
ويعلن مادايان عن وجود "تدخّل مباشر للسفارة الأميركية في بيروت في أمور التحقيق وبشكل سرّي، بهدف استبعاد كلّ الأدلّة والعناصر التي تتناقض أو تختلف مع الرواية الرسمية للإدارة الأميركية وحلفائها في حكومة فؤاد السنيورة في لبنان، والذين يتهمون النظام السوري وإيران وحزب الله بهذه الاغتيالات".
ويجد مادايان دليلاً إضافياً على استبعاد "إسرائيل" من ملفّ اغتيال حاوي بعدما اتضح بأنّه من غير المسموح بالنسبة "للإدارة الأميركية أن تسقط النظرية الموضوعة للمحكمة والتحقيق الدوليين، لأنّه بمجرّد أن تسقط حلقة واحدة من السلسلة التي يقولون إنّها مترابطة، أيّ أنّه بمجرّد أن تكون "إسرائيل" متورّطة في واحدة من الجرائم التي وقعت منذ تشرين الأوّل/أكتوبر من العام 2004 بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، حتّى تسقط كلّ هذه النظرية حول التحقيق الدولي في اغتيال الحريري التي تشتبه بسوريا".
لجنة ظلّ دولية
ولا يتوانى مادايان عن فضح المزيد من التضليل الحاصل في عمل لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري وارتباطها بسياسة أميركا لتحقيق نفوذها وتوسّعها في المنطقة العربية، طالما أنّ اللعب صار "على المكشوف"، وهو يتحدّث عن القاضي الفرنسي المتخصّص في شؤون الإرهاب جان لوي بروغير الذي كان اسمه مطروحاً لتولّي رئاسة لجنة التحقيق عند إنشائها ولكنّه اقترح بديله الألماني ديتليف ميليس ليبقى في الظلّ ويشكّل لجنة تحقيق ظلّ دولية.
وعن كيفية تعرّفه إلى بروغير، يقول مادايان إنّ ضابطاً برتبة عميد متقاعد في الجيش اللبناني تربطه علاقة قويّة بالنائبين وليد جنبلاط ومروان حمادة وجهات أمنية أميركية وفرنسية، وهو مكلّف بتجنيد أحد الضبّاط السوريين الذين خدموا في الجهاز الأمني اللبناني السوري المشترك، اتصل به في أواخر العام 2005، وأبلغه بأنّ القاضي بروغير سيرسل أحد مساعديه لمقابلته في بيروت بداعي أنّه جزء من فريق عمل دولي يتقصى الحقائق والمعلومات حول كلّ جرائم الاغتيال التي حصلت في لبنان على الرغم من أنّ بروغير مكلّف رسمياً بملف اغتيال الصحافي سمير قصير، ولكن تبيّن بأنّ هذه اللجنة هي لجنة تحقيق موازية وسرّية للجنة التحقيق الدولية.
ويضيف مادايان: "مساعد بروغير الكولونيل سيرج دي مون جاء إلى بيروت في مطلع العام 2006، ومعه أحد الخبراء الفرنسيين في جرائم الإرهاب، وهو من أصل جزائري، وتحدّثنا على مدى ثلاث ساعات، في منزلي في منطقة المتن، وتناقشنا في مسألة الاغتيالات وهيكلية العلاقة التراتبية في النظام السوري وفي اللجان الأمنية اللبنانية السورية المشتركة السابقة، وقال لي الكولونيل دي مون الذي يتبع لوزارة الداخلية الفرنسية، بأنّ القاضي بروغير يعرف تماماً كيف تدار الأمور وكيف يتخذ القرار في سوريا وفي النظام الأمني المشترك السابق، ولكنّه أكّد لي عدم وجود أدلّة عند التحقيق الدولي تثبت إعطاء المسؤولين السوريين، أو الرئيس السوري بشار الأسد، أوامر تتعلق باغتيال الحريري، لذلك أشار بأنّ ضباطاً لبنانيين يعملون معه لتجنيد أحد الضبّاط أو العسكريين اللبنانيين، أو السوريين لكي يأتي أمام المحكمة ويعترف بأنّه تلقّى الأوامر باغتيال الحريري، وهذا يكفي بالنسبة إلى المحكمة ذات الطابع الدولي، حتّى تدين الرئيس السوري، لأنّ تراتبية النظام الأوامري في الدولة السورية، وفي النظام الأمني اللبناني السوري المشترك، تدلّ على أنّ القرارات السياسية بالاغتيال لا تؤخذ إلاّ على مستوى رأس الهرم، وهذا مثبت لديهم، ولكن يبقى أن يوجد هذا الجندي أو الضابط، حتّى تنفّذ الخطة على سوريا في قضية الاتهام باغتيال الحريري".
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008