ارشيف من : 2005-2008
رئيس تيار التوحيد اللبناني وئام وهّاب لـ"الانتقاد":جنبلاط في سفينة كثرت ثقوبها
وهّاب الذي عادة ما يستعين بمفردات "محببة" هي من سمات مؤتمراته وخطاباته السياسية، يلخص اليوم حال الفريق الحاكم ومن خلفه بمفردة لا تقبل التأويل، وهي أننا نشهد "حفلة تكاذب" لكل ما يُحكى عن تسويات للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ فترة غير قصيرة، لكون الأميركي هو من يملك القرار على رقعة الشطرنج اللبنانية، يؤازره "أدوات الداخل" ممن "لا حياة لهم خارج مشروع الفتنة". غير أن وهّاب حسم "قصب السبق" للمعركة بالقول: "الربح لنا، لكن علينا أن ننتبه، نحن نريد أن نربح المعركة والوطن، هذه المسألة يجري العمل عليها، نحن لسنا سمير جعجع كلما تأزمت يربح المعركة! نحن أم الصبي، نحن نريد كل الوطن، كل اللبنانيين. وأعتقد انه في لحظة إقليمية معينة سيكون للمعارضة خطة لإمساك الوضع".
في المركز الرئيس لتيار التوحيد اللبناني التقت "الانتقاد" الوزير السابق وئام وهّاب وغاصت معه في شجون الساحة الدرزية ومن خلفها الساحة اللبنانية، على خلفية ما آلت إليه الأوضاع السياسية في البلاد في ظل الحديث عن سيناريوهات كثيرة للخروج من عنق الزجاجة التي وضعت فيه البلاد.
ـ بداية كيف تقرأ الساحة الإسلامية، وتحديداً الساحة الدرزية في ظل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد؟
الواضح أن الساحة الإسلامية يجري العمل عليها لتنضيجها لفتنة معينة، والساحة الدرزية غير منفصلة عن هذه الساحة.. طبعاً هناك فريق درزي أساسي راهن على المشروع الأميركي القائم على الفتنة، هذا الفريق كان يعتقد أن هذا المشروع قد يعطيه شيئاً مما يحلم به، أكان على صعيد الكانتونات أو الامتيازات.. الآن هذا الفريق وصل إلى المأزق، ونخاف أن يرتد على الساحة الداخلية لتصفية حسابه مع خصومه، خصوصاً أن هذا الأخير بدأت طموحاته تتقلص بدءاً بتغيير النظام السوري إلى تغيير لحود، وفي الأخير كل ما أنجزه "بهجت غيث"! وربما يصل إلى محل يرى أن الفتنة الداخلية تخدمه لتصفية حساباته مع خصومه، لذلك لا أحد يضمن على الساحة الداخلية أن لا يحصل تفجير ما.
ـ من هنا كيف تقيم مواقف وليد جنبلا ط الأخيرة وصداها على الساحة الدرزية؟
لا أريد أن أدخل في معرض الرد على مواقفه، فجنبلاط أصبح يمارس الشتيمة وكأنها سياسة! فهو متبرع لأدوار محددة: منها إسقاط هيبة المقاومة وهيبة سوريا وإيران.. ولكن ما يعنيني من الأمر هي الساحة الدرزية. فجنبلاط يأخذها إلى مغامرة غير محسوبة، فهو صعد سفينة كثرت ثقوبها في المدة الأخيرة، وهي تغرق رويدا رويدا، وهو يغرق معها. ما يهمنا الآن أن نسحب الدروز من يده، وأن لا يذهبوا معه في هذه المغامرة. كان هناك لقاء مشترك مع طلال أرسلان والحزب القومي وفيصل الداوود لتأسيس لقاء درزي موسع يضم كل الأطراف الدرزية، ويشكل رافعة لفريق درزي يعلن عن ثوابته السياسية الحقيقية للطائفة.
ـ ما مدى حظوظ هذه الخطوة وانعكاسها على الساحة الدرزية؟ وهل يمكن أن تلقى صدى عند من هم تحت لواء جنبلاط؟
بصراحة هناك خوف من مواقفه الأخيرة، حتى في الأوساط القريبة منه، وبالنهاية هناك من بدأ يطرح عليه السؤال ذاته الذي يطرحه دائماً على نفسه: إلى أين نحن من هنا؟
ـ كدرزي هل شعرت بالخجل لما بدر من جنبلاط من عبارات مسيئة بحق بلد عربي شقيق؟
هناك كلام آخر أشعرني بالخجل، هو قول زعيم درزي بضرورة احتلال العراق والدعوة الى احتلال سوريا.. وأنه ليس مع إزالة "إسرائيل"، بعكس كل التوجه العربي والإسلامي. فمسألة الشتيمة ليست بجديدة على وليد جنبلاط، فالأخير شتم البطريرك صفير في مجلس الوزراء، وكذلك رفيق الحريري عندما أطلق عليه صاحب "كرخانة" قريطم. الشتيمة تُمحى، أما الموقف السياسي فلا يُمحى.. إلى اليوم الناس ما زالت تتذكر أن جنبلاط استقبل شيمون بيريز أثناء الاجتياح الإسرائيلي!
ـ هل يمكن أن نشهد تبدلا جديداً في مواقف جنبلاط؟
بحسب ما تقتضي مصالحه! لكن من يصدقه بعد؟ هو صاحب مشروع خطر في لبنان والمنطقة.
ـ مما تقدم هل يصح القول ان جنبلاط "أمرك" الساحة الدرزية، فيما أنتم تحاولون إعادتها إلى جادتها الصحيحة؟
لا.. لا.. لا أحد يستطيع أخذ الساحة الدرزية إلى حيث يريد، وداخل الحزب التقدمي الاشتراكي أشخاص مناضلون وعروبيون وشرفاء لا يقبلون بأن يذهبوا إلى موقعه.. لكن جنبلاط بحكم سطوته المتأتية من ربحه في الانتخابات إلى الدعم السوري خلال ثلاثين عاما ووقوف أجهزة الدولة إلى جانبه، استطاع أن يأخذ مجموعة كبيرة من الدروز، ونشكر الله أن البقية من الدروز ما زالوا صامدين ضده إلى اليوم برغم كل الحرمان الذي يعانونه، إن على صعيد الخدمات أو على صعيد تولي المناصب الرسمية وخلافه؟
ـ في الفترة الأخيرة أعلنتم عن انتساب شباب وشابات الى تيار التوحيد اللبناني، هل هي رسالة موجهة الى جنبلاط في الساحة الدرزية؟
لا.. هذه الانتسابات تأتي في إطار العمل الطبيعي للتيار، ومن كوننا موجودين على الساحة الدرزية، خاصة بعدما تعرضنا لحملة ظالمة عندما كنت وزيراً بسبب مواقفنا السياسية.
ـ هل ما زلتم على صمودكم؟
نحن لسنا تياراً لمواجهة فريق.. تيارنا له مبادئه السياسية ومواقفه، وإذا كان هناك فريق يشعر بخلاف مع توجهاته فهذه مشكلته، وليست مشكلة التيار.
ـ ذكرت آنفاً بتصفية حسابات قد يلجأ إليها جنبلاط، من أي نوع؟
بصراحة جرى تهويل علينا في قرى الشوف من خلال تسريبات قالت إن الحزب الاشتراكي سيهاجم ضيعتي وبعض القرى التي لنا وجود فيها، وقلت يومها بالحرف الواحد وأعود وأكرر: ضيعته ليست أهم من ضيعتي، وعندما يرمي "وردة" على ضيعتي سوف أرجم ضيعته، هذا أمر محسوم. أنا لن أعتدي على أحد، وملتزم أمن الناس، ولكن لن أقبل بأن يعتدي عليّ أحد، فهذه من سابع المستحيلات.. حجمه أكبر من حجمنا لا خلاف، ولكن نحن لسنا قلة، ولا أحد يستطيع أن يأكل عشانا، فهذا التهويل لا ينفع.. لا أولاده أحسن من أولادنا، ولا بيته أحسن من بيتنا.. من يعتدي علينا لن نصفق له، والكل اليوم يملكون السلاح، ولا أحد عاجز عن أن يحمي نفسه، هذا القرار اتخذناه نحن في التيار.
المعارضة والفريق الحاكم
ـ بالعودة إلى الأزمة الداخلية هل نحن نمر الآن في مخاض التسوية، أم أنه ما زال من المبكر الحديث عن تسوية جدية وقريبة؟
أولاً نحن في قلب المواجهة، هناك مشروع أميركي تعثر في العراق فانتقل إلى لبنان مستخدما هذه المجموعة (14 شباط) ليحقق إنجازاته، ومنها القضاء على المقاومة، لكنه فشل.. واليوم الأميركي لم يعد يملك إلا الورقة اللبنانية من خلال إمساكه برقبة السنيورة وذهابه به إلى المفاوضات إن حصلت، أو إلى التضحية إذا اقتضى الأمر.
ـ اليوم يُحكى عن مشاورات واتصالات وأفكار لتسوية الأزمة اللبنانية؟
في الواقع نحن أمام حفلة تكاذب، وأتساءل هنا: هل سعد الحريري متمرد على السعودية والأخيرة لا تمون عليه، وأنها خارج توجهات الأميركي؟ هذه كذبة كبيرة.
ـ السؤال الذي يطرحه البعض: ماذا حققت المعارضة طيلة فترة الاعتصام المفتوح؟
المعارضة حققت أموراً كثيرة، ونحن على دراية بأن المسألة لن تنتهي خلال يومين، وأنتم تعرفون أن الحكومة أُبقيت بقرار أميركي. وبالمناسبة فؤاد السنيورة في أول كانون الأول كاد يستقيل، غير أنه مُنع.. وفي العاشر من كانون الأول أصر على تقديم استقالته ومُنع.. ويوم "ثلاثاء الإضراب العام" انهار بالكامل، فاستُدعي له الأطباء على عجل إلى السراي الحكومي، ومع ذلك مُنع من مغادرة السراي.. اليوم المعارضة جسم واحد ومن كل الطوائف، وأثبتت قدرتها على الأرض من خلال الحشد الذي أوجدته.. بيد أن هناك قرارا أميركيا بقهر البلد.
ـ هل نشهد قريباً مرحلة ثالثة لتحرك المعارضة؟
أعتقد أن المعارضة بدأت الاستعداد للمرحلة الثالثة.
ـ ما هي؟
لا أملك كل تفاصيلها، أكيد هناك عدة خيارات.
ـ هل بينها العصيان المدني؟
هناك عملية تشاور بين المعارضة والرئيسين بري ولحود، لكون الأخير مؤتمنا على الدستور، ولا أستبعد أن يتخذ خطوة قريبة.
ـ لكن هو استبعد أن يسير في مشروع الحكومتين؟
من استبعد؟ هو تكلم فيها، ولكن لا يستطيع أن يستمر في هذا الجوّ.
ـ ماذا عن كل هذه اللقاءات، وآخرها زيارة الرئيس الحص إلى الرياض ودمشق ولاحقاً إلى طهران؟
أولاً زيارة الحص إلى السعودية أُحبطت من قبل الأكثرية، واتُهم الرجل بأنه يسعى ليكون رئيساً للحكومة.. وأعتقد أن هذه اللقاءات لن تصل إلى مكان، المسألة مسألة صراع في المنطقة، ولبنان من أكثر المرات اليوم مرتبط بالوضع في المنطقة.
ـ تقصد بالوضع العراقي؟
طبعاً طبعاً.. اليوم خطة بغداد تؤثر في الوضع اللبناني سواء كُتب لها النجاح أو لا.. اليوم جورج بوش أدخل لبنان في لعبة غير قادر على تحمل نتائجها.
ـ يُفهم من كلامك أن حديث "الأكثرية" عن المحكمة الدولية هو نوع من "البروباغندا" الإعلامية للتغطية على مشروع أخطر؟
المحكمة هي في خدمة المشروع الأميركي للضغط على سوريا، لأخذ منها موقف في العراق.. هل تصدق أنهم يبحثون عن قاتل رفيق الحريري؟ فالأميركي يعرف من قتله.
ـ نستخلص من كلامك أن الرحلة المكوكية التي أجراها الرئيس الحص هي خارج هذا السياق؟
بالإمكان القول إن الرئيس الحص حاول تقريب وجهات النظر بين السعودية وسوريا اعتقاداً منه بأنه يسهل بعض التعقيدات على الساحة اللبنانية، لكن السعودي ليس هو صاحب القرار في اللعبة.
ـ وماذا عن فريق السلطة؟
طبعاً أداة، وموظف عند السفير الأميركي.
ـ برأيك لماذا استبعد الرئيس بري لقاءه بسعد الحريري؟
أعتقد أنه لم يتلمس أي معطيات جديدة.. الحمد الله أن الرئيس بري استطاع أن يضبط إيقاع اللعبة، في حين أن جزءا من المعارضة غير راضٍ، وهو يريد أن يذهب إلى الآخر.
ـ لماذا كان تركيز المعارضة على شخصيتين: جنبلاط وجعجع في مرحلة الحديث عن الفتنة؟
لأن لا حياة لهما خارج مشروع الفتنة.
ـ لكن جعجع وجنبلاط غير موجودين في البقاع الشمالي وحدثت إشكالات كبيرة؟
صحيح.. لكن مواقفهما السياسية ورفضهما الحلول وتشجيع الحريري على المواجهة، واتهام الحزب القومي بجريمة عين علق وحدها تكفي..
ـ هل تتخوف من حرب أهلية؟
في الماضي استبعدت هذا الخيار، أما اليوم فأجد أن ظروفها نضجت أكثر مما توقعنا.
ـ أبطالها؟
هم أنفسهم أبطال الحرب السابقة.
ـ هل وجدت بين "لاءات" جعجع الكثيرة نافذة ضوء؟
سمير جعجع بالون منفوخ، وهو على تنسيق كامل مع "تيار المستقبل".
ـ التمايز الذي نشأ بين سعد الحريري وآخرين في قوى 14 شباط، هل هو من قبيل توزيع أدوار؟
هم قالوا ذلك.
ـ إلى أين نحن ذاهبون؟ ومتى نشهد النصر الموعود؟
نحن ذاهبون إلى ربح، لكن علينا أن ننتبه، نحن نريد أن نربح المعركة والوطن، هذه المسألة يجري العمل عليها، نحن لسنا سمير جعجع كلما تأزمت يربح المعركة، نحن أم الصبي، نحن نريد كل الوطن، كل اللبنانيين.. وأعتقد أنه في لحظة إقليمية معينة سيكون للمعارضة خطة لإمساك الوضع.
حاوره: أمير قانصوه وحسين عوّاد
تصوير: عصام قبيسي
الانتقاد/ مقابلات ـ العدد 1203 ـ 23 شباط/فبراير2007