ارشيف من : 2005-2008
كم أكرهك يا حزيران!
ساعة، وفي ستة أيام يحتل الجولان والضفة الغربية وسيناء.
2 - إنه الخامس من حزيران،
إني أكرهك يا حزيران.
ماذا أقول عن ذلك الانسحاق؟ ذهول!.. ركوع!.. يأس!.. فراغ بملأ العيون!.. ماذا أقول؟ لا شيء كنا قد بلغنا في ستة أيام قامة اللاشيء. صرنا لا شيء بالمرة، خرجنا في التاسع من حزيران، متسلحين بدموعنا وحناجرنا اليابسة لنصرخ: آخ.
مئتا مليون عربي ينوحون: آخ، ولا شيء غير: آخ.
3 - إنه الخامس من حزيران.
إني احتقرك يا حزيران.
كنت طالباً في كلية الطب في جامعة القديس يوسف، الزمن زمن امتحانات، من يمتحن من؟ نحن في امتحان قومي، وسننتصر بعد ساعات، المذياع يعدد بالأرقام الطائرات المعادية التي أسقطت.. زجاج النوافد أزرق، زجاج مصابيح السيارات أزرق.
والغناء: "والله زمن يا سلاحي".. "بلادي .. بلادي.. بلادي".
فليذهب امتحان آخر السنة إلى الجحيم، ذهبنا نبحث عن ثياب الكاكي، كي نشارك في همروجة القتال من بعيد. شيء من فخر انتابنا، أكثر من حمية القتال، لم نكن نعرف سحنة البنادق، لم نلوث أصابعنا ببساطتها أو شحم أسطوانها.. لم ولم.. كنا نبحث عن الكاكي..كي ننتصر.
وهزمنا..
وابل من هزائم دفعة واحدة، دولة صغيرة جداً، تهزم قارة من المحيط إلى الخليج، بضعة آلاف من الأعداء، يدرسون ملايين العرب، بغطرسة السلاح، وعقيدة التفوق.
من يستطيع احتمال هذا اليوم، الذي أدخل العرب في تقاليد الهزائم.. إلى..
من يستطيع احتمال البقاء على قيد الكرامة، في يوم العار التاريخي؟
4 - إنه الخامس من حزيران، منذ العام 1967.
إني أرفضك يا حزيران..
فلتخسر الجيوش، فلتسقط أنظمة الكرنفالات العسكرية، فليذهب تبرير الهزيمة إلى الجحيم، سنبدأ من جديد، ولقد صرنا بعد ذلك بأيام فدائيين.
الإنسان الأعزل، الإنسان المضطهد، الإنسان المرذول، الإنسان اللاجئ، الإنسان المقهور، الإنسان المطرود.. الإنسان بما هو إنسان يقاتل بإنسانيته، بما تبقى له من الوجود، أي حياته ويكتب معركة المواجهة مع العدو الإسرائيلي في "الكرامة"، وينتصر عليه..
ذلك اليوم، كان ضد الخامس من حزيران، يوم انتصرت فيه ارادة القتال، لقلة من الفدائيين، على آلة الحرب المظفرة، وكان يوم آخر، وكان زمن آخر.
كم أحبك يا معركة الكرامة..
باللحم الحي الشجاع.. انتصر الفلسطيني على القلعة العسكرية العملاقة..
5 - إنه الرابع من حزيران.. منذ العام 1982.
"جيش الدفاع الإسرائيلي"، يزحف إلى بيروت، ويحاصرها، يسقط الجنوب، قرى وبلدات ومدنا، يسقط الجنوب والجبل، عندما تحوّل الفدائيون إلى ما يشبه الجيوش، المفلوشة على كرنفالات السلاح والسياسة، سقطوا في امتحان المواجهة.
صمدت بيروت أكثر من ستين يوماً، لم تصمد السياسة لساعات، انتخب بشير الجميل، أحد أعمدة الاجتياح الإسرائيلي ونظم رئاسته على وقع الزحف العسكري لإسرائيل.
كان الرابع من حزيران، شقيقاً تواقاً، للخامس من حزيران.
كم أكرهك يا حزيران..
6 - إنه الرابع من حزيران.. كأنه الخامس منه، في لبنان.
مجزرة صبرا وشاتيلا، توزيع الفلسطينيين إلى المنافي البعيدة، الهجرة الثالثة، بعد الهجرات المتتالية، ولم يبق من العروبة في لبنان سوى عدد من البنادق والاستشهاديين.
وتغيّر الزمن مرة أخرى.
عادت روح المقاومة إلى بداياتها، فلتذهب الجيوش إلى ثكناتها وقوى الأمن إلى مخافرها، ها هي بنادق المقاتلين المقاومين، تنتشر في مواقع الاحتلال، تصوّب وتصيب.
إلى أن امّحى الرابع من حزيران، من روزنامة العار العربي..
7 - إنه الخامس والعشرون من أيار إذاً،
تاريخ، لا تاريخ يشبهه.
ألغى الرابع من حزيران، وهو في طريقه إلى إلغاء الخامس من حزيران، وفي مستقبل نقي، سنشهد.. خراب الهيكل، فكم أحبك يا أيار..
إنك نوّار العرب.. من زهرة دماء الجنوب..
الانتقاد/ العد1270 ـ 9 حزيران/ يونيو 2008