ارشيف من : 2005-2008

نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في حوار حول المرحلة : لا نتوقع حرباً قريبة وكل الاحتمالات مفتوحة على المستوى السياسي

نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في حوار حول المرحلة : لا نتوقع حرباً قريبة وكل الاحتمالات مفتوحة على المستوى السياسي




لا يبدو حزب الله بعد أكثر من عام على الانتصار الاستراتيجي الذي تحقق في آب العام 2006 هو نفسه اليوم.. فالانتصار هو انتصار تأسيس سيترك بصماته على المرحلة التاريخية القادمة، وقد شكل قفزة نوعية في أداء حزب الله وفي حضوره ووجوده. هذا ما يؤكده نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في حوار شامل مع "الانتقاد" حول المرحلة، بدءاً من الصراع مع العدو وموقع المقاومة اليوم، الى احتمال عدوان اسرائيلي جديد ضد لبنان يستبعده الشيخ قاسم في المرحلة الراهنة.. كما أنه لا يتوقع حرباً إقليمية في هذه المرحلة المنظورة.
وفي هذا الإطار يعتبر سماحته "الخرق الإسرائيلي للأجواء السورية عملاً استخبارياً لدراسة طبيعة الاستعدادات السورية"، لافتاً الى أن "سوريا متيقظة ومستعدة".
وفي الشأن الداخلي أكد سماحته أن "اختيار رئيساً يأتي بالنصف زائد واحد لا نعتبره رئيساً، بل تزويراً واعتداءً على الدستور". مشدداً على أننا "مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية لا يمكننا ان نقبل باستمرارية الوضع كما هو، لأننا سنصبح أمام فراغ دستوري كامل".
وأكد أنه "إذا لم يعد الدستور محترماً في البلد، فستكون المواقف السياسية هي الحاكمة، وبالتالي نصبح في حالة من الفوضى التي لا تستند إلى مقاييس". وقال: "لا يمكن أن نقبل العبث بكل القوانين والأعراف لتأسيس الجمهورية وبناء الحكومة والدولة، هذا أمر لا يمكن أن نقبل به، وسندافع عنه سياسياً بالطرائق المناسبة.. وكل الاحتمالات مفتوحة على المستوى السياسي".
هنا نص الحوار مع سماحته:



نبدأ من ذكرى مرور عام على الانتصار الإلهي، أين هي المقاومة اليوم؟ ما هو دورها وموقعها؟



لا شك في ان الانتصار الاستثنائي الذي حققته المقاومة الإسلامية بدحر العدوان الإسرائيلي في تموز سنة 2006 شكل مفصلاً استراتيجياً مهماً في تاريخ المنطقة وفي تاريخ لبنان، وأدى إلى أول نصر من نوعه في إطار المعادلات السياسية التي كانت طاغية فترة طويلة من الزمن بهيمنة "اسرائيل" من ناحية، وبداية إضعاف الحضور العربي والإسلامي من ناحية أخرى، ولذلك يمكن القول إن هذا الانتصار هو انتصار تأسيس وليس مجرد حدث عابر، بل هو انتصار استراتيجي لانه سيترك بصماته على المرحلة التاريخية القادمة. وهو ايضاً انتصار تغييري لأنه سيحدث معادلات جديدة تتضح معالمها خلال السنوات القادمة. وعلى هذا الأساس يمكن القول ان الانتصار شكل قفزة نوعية في أداء حزب الله وفي حضوره ووجوده، ومن الطبيعي ان يولّد نتائج ايجابية إضافية كما تولّد الهزيمة نتائج سلبية. من هنا يمكن القول ان حزب الله استفاد من هذا الانتصار بمزيد من التماسك والحضور وزيادة الرصيد الشعبي والسياسي، وكذلك في إعادة تشكيل بنيته الجهادية بما يتناسب مع التطورات التي حصلت، وهو بذلك يكون قفز إلى الأمام بشكل كبير.. ولا يخفى ان حجم الإقبال الشبابي على الحزب بعد الانتصار كان كبيراً جداً، ونحن الآن في ورشة عمل دائمة لا تتوقف، وأمام بلورة هذه الامكانات والقدرات البشرية بطريقة مناسبة مع هذه المرحلة الجديدة التي يقف أمامها حزب الله.



في الوقت الذي تتحدثون فيه عن ورشة عمل لا تكل ولا تمل من جانبكم، نجد في المقابل أولمرت يوجه تحية إلى جنوده ويصفهم بالشجعان، وهو يعد العدة.. هل  سنصل في مرحلة من المراحل إلى حرب؟



"إسرائيل" نشأت على العدوان وأقامت كيانها على الاحتلال، وبالتالي لا يمكن الفصل بين "إسرائيل" والتفكير العدواني، لكن الموضوع مرتبط بظروف موضوعية إذا توافرت يمكن لـ"إسرائيل" أن تقوم بعدوان معين.. نحن نعتبر أن الظروف الحالية لا تسمح بعدوان إسرائيلي، لكن هل هذا الأمر يستمر في المستقبل أم لا؟ هذا خاضع لعدة اعتبارات: الاعتبار الأول مدى جهوزية الجيش الإسرائيلي وترميم قدرته بعد الفشل الذريع الذي أصابه في عدوان تموز. ثانياً: حصول تطورات سياسية تستدعي القيام بعدوان معين. ثالثاً: وجود احتمال إسرائيلي ولو ضئيلا باستثمار هذا العدوان سياسياً لـ"إسرائيل"، وإذا لم تتوافر هذه المعطيات فمن الصعب ان يكون هناك عدوان إسرائيلي. وعلى هذا الأساس نحن نعتبر ان الفرصة الحالية ليست فرصة ملائمة لمثل هذا العدوان، لكن علينا ان نضع دائماً في حسابنا أننا أمام عدو غدار يستعد دائماً لمزيد من الاعتداءات والاحتلالات.. فربما ساعد استعدادنا هذا بدفع المشكلة عنا فترة أطول من الزمن، ولكن يجب أن نكون حاضرين دائماً لاحتمال عدوان من "إسرائيل".



ما هو هذا التطور السياسي الذي تتحدث عنه؟



إذا كانت "إسرائيل" تعتقد ان عدوانها يمكن إنجازه بكسب عسكري وبتثمير سياسي عندها يصبح الأمر وارداً، لكن العقبة اليوم ان التثمير العسكري صعب بعد هذه الخسارة التي حصلت ولم يكتمل الترميم للجيش الإسرائيلي، وهنا لا يوجد استثمار سياسي مع فشل عسكري، إذاً الأمر مربوط بقراءة مستقبلية من المبكر ان نتحدث عنها الآن، لا بد من أن نلاحظ التطورات في "إسرائيل" وفي المنطقة ولبنان لنرى بعد ذلك إذا كانت الظروف ستسمح مجدداً.. وفي أي وقت.



الخرق الإسرائيلي للأجواء السورية



تأسيساً على ذلك، ما هي معلوماتكم عن الخرق الإسرائيلي للأجواء السورية؟



ليس لدينا معلومات خاصة عن الخرق الإسرائيلي للأجواء السورية، لكن يمكننا تحليل ما جرى في الإطار التالي: لم تذكر "إسرائيل" هذا الخرق إنما ذكرته سوريا، أي ان "إسرائيل" تريد عملاً استخبارياً بعيدا عن وسائل الإعلام لأهداف أبرزها دراسة وقراءة طبيعة الاستعدادات السورية على الأرض. ولكن إعلان سوريا فضح "إسرائيل"، وهذا الإعلان مقروناً بالتصدي أتى ليؤكد ان سوريا متيقظة ومستعدة وحاضرة لرد الفعل في حال تمادى العدو الإسرائيلي. وفي كل الأحوال هذا يعتبر عدواناً حقيقياً على سوريا يستلزم إدانة شديدة من مجلس الأمن ومن الدول الكبرى، بل يستلزم عقوبة لـ"إسرائيل". لكن رأينا ان مجلس الأمن تعامل باستخفاف مع القضية، حتى انه لم يصدر استنكاراً ولم يعقد اجتماعاً، مع العلم ان حساسية الموقف تنذر بتطورات في المنطقة وتبين ان هذا الطيران اخترق الأجواء التركية أيضاً. إذاً هناك محاولات إسرائيلية لمزيد من الاستدراج في المنطقة.



من خلال بعض التعليقات الإسرائيلية ظهر ان الجانب الإسرائيلي يتوقع أن يحصل الرد السوري إما عبر فلسطين المحتلة وإما عبر الجنوب اللبناني، ما هو تعليقكم بالنسبة الى الشق اللبناني؟



حزب الله ليس الآن في وارد فتح جبهة في لبنان ضد "إسرائيل"، وهو بالأصل كان وما زال في موقع الدفاع ولم يبادر في يوم من الأيام إلى فتح جبهة، وليس مطروحاً أن نفتح في هذا الظرف أيضاً، هذه تحليلات صحافية لا تستند إلى أدلة كافية، وبالتالي إذا أرادت سوريا ان ترد فلها وسائلها في الرد وهي التي تختار الطريق التي تعبّر فيها عن موقفها من العدوان الاسرائيلي.



حرب إقليمية
هل يعزز هذا الخرق محاذير قيام حرب إقليمية.. هناك تخّوف شعبي حقيقي؟



إذا قرأنا في السياسة وفي الواقع العملي لا أعتقد ان الظروف مهيأة لحرب إسرائيلية لبنانية، ولا لحرب إسرائيلية سورية، وبالتالي هذا الاحتمال يبقى في دائرة الاحتمالات الضعيفة وليس في دائرة الاحتمال القوي. أما أن تحصل تطورات استثنائية في المنطقة بشكل عام وأن تؤثر معادلة العراق وإيران وفلسطين والظروف المحيطة على وجود مناخات تهيىء الظروف لحرب معينة، فهذا أمر مبكر لا نستطيع ان نجزم به الآن. وعلى هذا الأساس لا أتوقع حرباً إسرائيلية لبنانية أو إسرائيلية سورية مباشرة في هذه المرحلة المنظورة. تبقى هناك تطورات إقليمية كبيرة يجب أن ترصدها لتعرف إلى أين ستؤول الأمور.



البعض يعتبر انه كلما تضاءلت فرص العدوان الإسرائيلي المباشر على لبنان ازدادت احتمالات لجوء "إسرائيل" إلى أعمال أمنية متفرقة من اغتيالات وما شابه؟



الاغتيالات الأمنية الإسرائيلية لم تتوقف ولن تتوقف، وإذا كنا لا نسمع بحصول اغتيالات فلعجز الموساد الإسرائيلي ولوجود الاحتياطات الكبيرة عند الأطراف المستهدفة. إذاً ليس هناك توقيت مسموح وآخر ممنوع للأعمال الأمنية، خاصة عندما تحصل في الخفاء ومن دون الإعلان عن الجهة الفاعلة، وهذا أمر يمكن أن يحصل في أي لحظة. وأقول لك بكل صراحة نحن نتعامل الآن كحزب الله مع الواقع الإسرائيلي بأنه واقع يستهدف القيام بأعمال أمنية على الساحة اللبنانية، وإذا سمحت له بعض الفرص فلن يفوتها، وهذا الأمر ليس مختصراً على استهداف شخصيات من حزب الله، بل يشمل أيضا شخصيات أخرى كجزء من إحداث بلبلة وفتنة داخلية في لبنان.. إذاً الاغتيالات الإسرائيلية ليست اغتيالات مباشرة، قد تكون في بعض الأحيان غير مباشرة لتؤدي هدفاً سياسياً له علاقة بالساحة ككل، لذا قلنا مراراً وتكراراً راجعوا في بعض الاغتيالات الهدف الإسرائيلي، هو واحد من الاحتمالات الواردة في ما يحصل في لبنان.



القرار 1701



بعد مرور عام على صدور القرار 1701 الخروق الجوية مستمرة، مزارع شبعا ما زالت محتلة.. من سيردع "إسرائيل" ويحرر الأرض؟



القرار 1701 مسؤولية دولية وليس منحصراً بمسؤولية الأطراف المعنية، ونحن أعلنا مرارا وتكراراً أننا نفذّنا ما يتعلق بنا بالقرار 1701 ولم يحصل أي خرق من حزب الله خلال كل الفترة السابقة التي تجاوزت السنة، بينما لم يتوقف الخرق الإسرائيلي خلال كل تلك الفترة السابقة، فالمسؤولية تقع على "إسرائيل" وعلى مجلس الأمن لوضع حد لهذه الخروق الإسرائيلية. نحن قررنا في حزب الله ان لا نبادل الخرق بالخرق وأن لا نرد على الاعتداء بعمل قد نصنف فيه أننا نجر لبنان إلى معركة، قررنا أن نصبر وأن نبقي هذا الأمر في واجهة الأحداث تحت نظر الرأي العام الشعبي والسياسي بانتظار ما سيحصل. نعم هذا الأمر لا يمكن أن يبقى هكذا إلى الأبد، فلكل شيء حدود، أما كيف تكون حدوده وكيف نتعامل معه، فهذا الأمر ليس لدينا الآن جواب مباشر عنه. أما بالنسبة لمزارع شبعا فنحن مصرون على تحريرها، لكن لسنا في وارد أن نبادر الآن إلى عمل عسكري مباشر من اجل التحرير، لكل مرحلة آلياتها وعملها، نحن نقدّر على المستوى السياسي ما هو التصرف السليم، وما هي الحكمة في أي أداء، وعلى هذا الأساس نتابع مسألة مزارع شبعا.



الاستحقاق الرئاسي
في الشأن الداخلي نحن مقبلون على استحقاق رئاسي بتوافق أو بدون توافق.. لكن ماذا يعني الوصول في "الأيام العشرة الأخيرة" إلى الحائط المسدود؟



ربما لاحظ الكثيرون الطريقة في أداء حزب الله والمعارضة خلال سنة كاملة، نحن أعلنا وجود حكومة غير شرعية هي حكومة الرئيس السنيورة، ومع ذلك اكتفينا بالاعتراض السياسي من دون إجراءات سياسية بديلة، والسبب في ذلك أننا أردنا ان نترك الفرصة لعدم تأزيم الواقع السياسي الداخلي وفتح المجال أمام الحلول، خاصة ان وجود رئيس جمهورية جرى اختياره بحسب الدستور هو العماد لحود، يشكل بحد ذاته ضمانة دستورية وعدم وجود فراغ دستوري، فاعتبرنا ان الخرق والخلل بوجود حكومة غير شرعية له معالجته التي يمكن ان نتحملها مع وجود رئيس منتخب بحسب الدستور، اما مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية فلا يمكننا ان نقبل باستمرارية الوضع كما هو، لأننا سنصبح أمام فراغ دستوري كامل، إذ لا يكون لدينا رئيس ولا حكومة، ولا يصح أن يكون البلد بلا رئيس وبلا حكومة. إذاً لا بد من ان نتخذ إجراءات مباشرة لها علاقة بسد هذا الفراغ، باختيار من يدير هذا البلد، إلا إذا قبل الفريق الآخر بإجراء الاستحقاق الدستوري في موعده وفق آلية الثلثين وباتفاق في ما بيننا، عندها نكون قد انتقلنا من حالة ضبابية بين دستورية الرئيس ولا شرعية الحكومة إلى حالة مستقرة لها علاقة بانتخاب رئيس للجمهورية وفق الأصول يأتي بعده اختيار حكومة وفق الأصول الدستورية أيضاً. اذاً مع عدم استجابة الطرف الآخر لهذه الحلول الدستورية نحن مضطرون لأن نقوم بما يملأ الفراغ في الساحة، وبالتالي هم يتحملون كل المسؤولية. اما ان يراهنوا على قبولنا باستمرار حكومة السنيورة غير الشرعية لتدير بدل رئيس الجمهورية القادم فهذا امر غير مطروح بالنسبة الينا ولا نقبل به، وأما ان يختاروا رئيساً بالنصف زائد واحد فنحن لا نعتبره رئيساً بل تزويراً للدستور واعتداءً على الدستور وهذا أيضاً أمر مرفوض. إذاً بين الفراغ وملء الفراغ نحن مع ملء الفراغ بالطريقة الدستورية، وإلا فبأي طريقة مناسبة لا تترك البلد في أيدي الذين يريدون تخريبه.



مبادرة الرئيس بري
ما هو تعليقكم على بيان قوى 14 شباط في رده على مبادرة الرئيس بري؟



ما سمعناه بالأمس من اجتماع جماعة 14 شباط لم يكن جوابا لمبادرة الرئيس بري، إنما كان حديثا عن موضوع آخر. ونعتبر أن الجواب على المبادرة لم يعطَ حتى الآن، وأن التهرب من مسؤولية مد اليد والمصافحة ردا على الايجابية التي قدمتها المعارضة من خلال مبادرة الرئيس بري لا يؤدي إلى الحل المناسب، وبالتالي يتحمل فريق السلطة المسؤولية الكاملة عن إعاقة الاستحقاق الرئاسي ووضع العراقيل أمام انجازه بطريقة توافقية تنسجم مع الدستور ومع مواده. ونحن لن نستبق الأمور ولن نتحدث عن أعمال إلا بعد أن تستنفد كل الايجابية وننتظر أعمال الآخرين لا أقوالهم.



فريق الموالاة يتساءل إذا ما كانت مبادرة الرئيس بري قائمة على ضرورة التوافق على الرئيس، فلماذا جرى ربطها بنصاب الثلثين لكون لا لزوم لهذا النصاب عندما يحصل التوافق؟



أولاً الثلثان ليست مسألة توافقية ولا محل مساومة، هي مسألة دستورية، وعلينا ان نحتكم الى الدستور، نحن لا نأخذ منهم شيئاً ولا نقبل بأن يمنوا علينا بأنهم موافقون على الثلثين، لأن واجبهم ذلك، إذ ان كل الانتخابات التي حصلت لرؤساء الجمهورية منذ قيام دولة لبنان سنة 1920 حتى الآن حصلت بالثلثين وفي محطات تاريخية حساسة، وعلى هذا الأساس نحن لا نستجدي منهم هذه الموافقة، عليهم القيام بما يحمي الدستور. اما بالنسبة الى التوافق فالتوافق يفترض بعد الانتهاء من السقف الدستوري وهو الثلثين، لا أن يكون محل مقايضة، أي إذا اتفقنا معهم على الرئيس يأتون الى الجلسة ويوافقون على الثلثين، وإذا لم نتفق معهم يضربون عرض الحائط بالثلثين وينتخبون بالنصف زائد واحد، هذا ليس اتفاقاً، هذا ابتزاز يمارس من اجل ان يحققوا ما يريدون. ثم إذا كان الدستور يحمي من خلال الثلثين هذا التنوع الطائفي الموجود في البلد، فهذه نقطة إيجابية، لماذا يهربون منها ويتفردون؟! آن الأوان ان يفهموا ان التركيبة اللبنانية ودستور الطائف حمى التنوع الطائفي في البلد، وعليهم أن يخضعوا لهذا الاعتبار من اجل استقرار البلد. لقد كلفنا الطائف حرباً استمرت خمس عشرة سنة، وبالتالي لا يمكن أن نعود اليوم إلى إحداث بلبلة في أسس نتجت عن تجارب مُرة. على هذا الأساس نحن مستعدون للاتفاق على الرئيس من دون ابتزاز بالثلثين. الثلثان أمر دستوري، ونحن نقبل بنقاش كل الأمور تحت سقف الثلثين.



ما هي الخيارات البديلة عند المعارضة اذا سارت الموالاة في خيار النصف زائد واحد؟



سأكون صريحاً، إذا لم يعد هناك دستور في البلد، أي لم يعد محترماً من الطرف الآخر، فلا يعود هذا الدستور حاكما في ضبط إيقاع أي طرف من الأطراف، ستكون المواقف السياسية هي الحاكمة، وبالتالي نصبح في حالة من الفوضى التي لا تستند إلى مقاييس. نحن ندعوهم إلى أن يبقوا تحت سقف الدستور، وتكفي المخالفات التي مرت والتي تحملناها لأنها في إطار محدود، لكن عندما تصل الى رأس البلاد والعبث بكل القوانين والأعراف لتأسيس الجمهورية وبناء الحكومة والدولة، فهذا أمر لا يمكن أن نقبل به وسندافع عنه سياسياً بالطرائق المناسبة. لذا كل الاحتمالات مفتوحة على المستوى السياسي.



.. ربما كلامكم هذا دفع سمير جعجع إلى القول إن حزب الله سيلجأ إلى تعطيل الاستحقاق الرئاسي بالسلاح، فضلاً عن تدريبه بعض التنظيمات والتيارات اللبنانية؟



كاد المريب ان يقول خذوني.. كل الناس يعرفون من الذي يتسلح في أقاصي الجبال وأعاليها، ومن يخزن السلاح، ومن الذي يدرب العناصر ويستقدم الأموال في المحافظ المليئة من أجل تمويل المؤسسات الأمنية الخاصة تحت عنوان شركات أمنية وما شابه، ونعرف أين يتدربون وفي أي بلد عربي يتدربون، وكذلك من أي بلد عربي يقبضون، هذه المسائل باتت معروفة ومكشوفة، لكننا لا نذكرها بالاسم ولا نعلنها لعلّ من تورط محلياً وإقليميا يعيد النظر رحمة بلبنان، فالتسلح عند الطرف الآخر ومن دون أي مبرر إلا المسألة الداخلية هو تسلح مشبوه الأهداف ولا ينسجم مع رعاية وضع لبنان وخصوصيته. بل رأينا عينة من ذلك في 23 كانون الثاني أثناء الإضراب الشهير وفي 25 كانون الثاني أيضاً، وعرف الناس من الذي استخدم السلاح لتفريق الإضراب السلمي والتظاهرة السلمية.



حملة جنبلاط وجعجع



ما سر الحملة على حزب الله من قبل جنبلاط وجعجع؟
أنا أدعو إلى عدم التأزم من هذه الحملة ضد حزب الله، لأنه عادة تشن الحملة على القوي والثابت والذي يصمد أمام التحديات. هم رأوا انه خلال سنة لم يتزحزح حزب الله بل ازداد قوة ومعنويات ودوراً، وازدادت المعارضة تألقاً وثبتت صحة توجهاتها وبدأ التضعضع والفوضى في صفوف 14 شباط وظهرت الاختلافات الى العلن، وبالتالي هم بحاجة إلى ما يشد العصب وما يجمع من جديد، فيستخدمون خطاباً شتائمياً عالي الوتيرة واتهامات متلاحقة من أجل الضغط لجمع الشمل مجدداً. وأنا أعتبر هذه الحملة حملة تهويلية تستهدف من هم معهم اكثر مما تستهدفنا، لأنها تريد أن تكبر المشكلة لجمعهم مجدداً في اطار التحامي. على هذا الأساس أعتبر ان الحملة على حزب الله والمعارضة هي حملة اليائسين الذين لا يقدمون أدلة للرأي العام ولا يناقشون بخطاب سياسي إنما يتهمون ويشتمون.. هؤلاء يظلمون بما يقومون به لأنهم ضعفاء.



الصبر والصمود
المبادرات المتتالية من فرنسية وخلافها إلى مبادرة الرئيس بري ألا يمكن ان تحمل معا حلولاً؟



نحن ننتظر وأعلنا موافقتنا على مبادرة الرئيس بري، ولكن هذا الصمت مع التسريبات الرافضة بأساليب مختلفة او التسريبات التي تشترط تعديلاً للمبادرة الى درجة إلغائها وتغيرها الى مبادرة أخرى، تبين ان الطرف الآخر ليس بوارد الموافقة عليها، إضافة الى نقطة حساسة وجوهرية هي عن الأميركي الذي لم يعطِ موافقته بعد، وهناك قسم كبير من جماعة 14 شباط لا يستطيعون إعطاء أي موافقة إذا لم يعط الأميركي الموافقة. إذاً المشكلة مزدوجة: مشكلة خارجية لها علاقة بالوصاية الأميركية ومشكلة داخلية لها علاقة ببعض الجهات المتضررة من أي حل وفاقي. وعلى هذا الأساس سنصبر وننتظر ليأتي السيد كوشنير وغيره من المبعوثين، ونريد ان نسمع جواب الطرف الآخر، لقد مضى على المبادرة أسبوعان تقريباً ولم نسمع جواباً نهائياً، إذاً الكرة في الملعب الآخر، ما عندنا أعطيناه، والحمد لله أن مبادرة الرئيس بري من ألطف المبادرات لأنها من نقطة واحدة وغير معقدة: نريد انتخاب وفق الثلثين لرئيس الجمهورية، ليس فيها لا تفاصيل ولا تعقيدات. إذاً ليس هناك أي مبرر للّف والدوران، ومع ذلك لأننا اتخذنا المسار الايجابي في الحل سنصبر لنسمع الجواب. لن نستبق وإن كنا لا نتوقع الإجابة.



.. الى متى ستصبرون؟
هنا الصبر في مسألة الاستحقاق الرئاسي محدود بشكل طبيعي بزمن انتهاء فترة الاستحقاق، يعني لا يمكن تجاوز اتخاذ إجراءات مع اقتراب الأيام العشرة الأخيرة من الاستحقاق الرئاسي، أي بين 14 تشرين الثاني و24 منه ستكون المهلة الأخيرة للانتظار، إلا إذا بادر طرف السلطة الى الاستجابة عندها نتفق معا، او بادر بالقيام بأعمال مخالفة للدستور عندها لا بد من ان تتخذ المعارضة إجراءات سياسية مقابلة.



من يصنع الرئيس؟
هذا التدخل الدولي الذي يجري اليوم بشأن الاستحقاق الرئاسي هل يمكن معه الادعاء بأن الرئيس سيكون من "صنع لبنان"؟



الاستحقاق الرئاسي كغيره لا يمكن ان يكون لبنانياً بحتاً، لا لأننا نريده كذلك، بل لأن أطرافاً عدة تتدخل بطريقة أو بأخرى، وأطرافا داخلية وضعت نفسها في دائرة القرار الأجنبي، مما ورط لبنان بمعادلة التلازم الداخلي الخارجي، حيث لا يوجد طرفان بالمعنى الحقيقي.. وحتى الأطراف الموجودة لها امتداداتها وارتباطاتها وتأثيراتها بشكل أو بآخر. وعلى هذا الأساس نحن لم نغرق في اطار لبننة الاستحقاق أو تعاون الواقع الدولي مع الاستحقاق، نحن نقول هذه اقتراحات يبدو من خلالها انها تحفظ لبنان، وذلك بأن نعود إلى الدستور اللبناني ونحتكم اليه. المسألة ليست معقدة سواء وافقت على هذا العنوان فرنسا او اميركا أو سوريا او أي بلد في العالم، او اختلف عليه آخرون.. إذاً نحن ندعو إلى ترجمة افكار محددة من اجل الاستحقاق، وليقل كل ما يشاء في لبننته او عدم لبننته، أليس انتخاب رئيس الجمهورية بمشاركة القوى السياسية اللبنانية وفق الثلثين فيه مصلحة للبنان؟ فلتكن فيه مصلحة لكل العالم طالما انه يوجد مصلحة لبنانية. بهذه الطريقة نحن نقارب الاستحقاق لا بطريقة النقاش النظري حول لبنانيته أو عدم لبنانيته.



خيارات المعارضة



ما هو الخيار المفضّل لدى المعارضة في مواجهة أي خيار قد تلجأ إليه قوى "الأكثرية"؟
لم تحسم المعارضة الخيارات التي ستتخذها اذا تصرف الطرف الآخر بشكل مخالف للدستور، بل انها تركت يدها مفتوحة، وهي تناقش مجموعة من الخيارات، وآثرت ان لا تعلن خيارا دون آخر إلا إذا انسدت الطرق. ومن هذه الخيارات الحكومة الثانية، انتخاب رئيس مقابل رئيس، حكومة إنقاذية، إلخ.. إذاً لم تناقش المعارضة الخيارات لا بالتسلسل ولا بالأولويات، وإنما هي أفكار يجري تداولها، واتفق على أن لا نتسرع في اختيار حل دون آخر بانتظار الاتفاق والتوافق. أضف إلى ذلك بعض الخيارات مرتبطة بخيارات الآخرين وتأتي كرد فعل ولا تأتي كفعل ابتدائي، هنا نحن بحاجة إلى ان ننتظر ما الذي سيفعله الطرف الآخر.. إذاً يوجد نوعان من الخيارات: خيارات لا بد منها مع وصول الاستحقاق إلى نهايته، وخيارات تأتي رد فعل على خيارات السلطة.



الفعل ورد الفعل
هناك سمة عامه لدى عامة الناس، أن المعارضة دائما تضع نفسها بعنوان "الانتظار السلبي" لتقوم برد فعل تجاه الطرف الآخر، هل المعارضة مرتبكة أم مرتاحة لوضعها لدرجة ليست مضطرة معها لأن تضع برنامجا بديلاً لأي تحرك قد تقوم به؟



نحن لم نفاجأ بكثير من التطورات التي حصلت، وأذكركم بالتظاهرة الشهيرة المليونية التي لم يشهد لبنان مثلها في تاريخه، وذلك في العاشر من كانون الاول، ويومها كان لي كلمة وذكرت ان الأزمة قد تطول شهرا او شهرين او عشرة، وكنت أشير من خلال العشرة اشهر إلى الاستحقاق الرئاسي، ما يدل على اننا كنا مسبقاً نعي تماماً مستوى الأزمة ومقدار ما ستطول بسبب التعقيدات، ومعرفتنا لطبيعة مواقف القوى المختلفة، من هنا نحن درسنا هل المطلوب منا ان نقوم تجاه كل فعل لقوى السلطة برد فعل يمكن ان يؤدي الى فتنة او الى فوضى، او ان المطلوب منا ان نصبر وأن لا نسمح لهم بأن يديروا البلد كما هم يريدون.. اخترنا الخيار الثاني، ولذلك قلنا ايضاً منذ حوالى أربعة أشهر ان قوى السلطة تنجح إذا حكمت وقوى المعارضة تنجح إذا صمدت، بالمحصلة اليوم السلطة لم تحكم ففشلت وقوى المعارضة صمدت فنجحت، وبالتالي لم يكن مطلوباً من المعارضة اكثر من الصمود لأن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية ستجر الى فوضى والى فتنة فيما لو انجرت المعارضة إلى ردود فعل يمكن ان يسميها البعض أفعالا إيجابية، لكنها في الواقع صاحبة نتائج سلبية. على هذا الاساس ما أدته المعارضة كان منسجما مع رؤيتها لحماية لبنان وحقه، ونحن مرتاحون لوضعنا جيداً، ودليلنا أننا الى الآن نقدم المبادرات الايجابية من الموقع القوي، وبالتالي ما حصل خلال الفترة السابقة لم يكن ربحاً للسلطة، فالمحكمة الدولية التي ذهبت الى مجلس الأمن هي أخرجت المحكمة من التوافق اللبناني بإطار الإلزام الدولي، وهذا الأمر مسيء للبنان. وكذلك مخيم البارد، ما ذكرناه أنه خط أحمر انما يعني وجود المخيم وحضوره، وما زلنا في دائرة المراقبة لنرى هل سيعمر المخيم أم لا، العبرة بالنتائج، لأننا نريد حماية الفلسطينيين ووجود الفلسطينيين الى ان يعودوا الى بلادهم، لا نريد توطنيهم ولا نقبل بأن يشردوا، الامر يفترض ان يحفظ في دائرته الطبيعية الى ان يعودوا الى بلدهم. إذاً لا أجد مكاسب لقوى السلطة خلال هذه الفترة والبلد ينحدر يوماً بعد يوم بإدارتهم، وقلنا لهم جربتم سنة وفشلتم، حرام عليكم ان تخضعوا لبنان لمزيد من التجارب.



البارد
بالمعنى العسكري المعركة انتهت في مخيم نهر البارد، لكن ماذا عن إفرازاتها السياسية؟
معركة نهر البارد تقيّم بالنتائج المستقبلية وليس بالنتائج الحالية، الآن نحن امام إقفال ملف عسكري مباشر، لكن السؤال: ما هي النتائج السياسية؟ هل سيعود الفلسطينيون إلى مخيمهم أم لا؟ هل سيكون هناك خلايا نائمة لفتح الإسلام تتحرك من جديد ام لا؟ كيف ستتصرف الحكومة في مثل هذه الظواهر؟ هذه كلها نقاشات لا بد من أن تتبلور في المرحلة المقبلة.



هل أنتم مصرون على فتح تحقيق بما جرى في البارد؟
هذه الحادثة التي وترت لبنان خلال ثلاثة أشهر ونصف ودفع ثمنا غاليا من جيشه ومواطنيه تفترض ان يكون فيها تحقيق واسع وتحميل مسؤوليات. وهنا أتحدث عن تحقيق جنائي قضائي ولا أتحدث عن تحقيق سياسي، نحن لا نريد محاسبة الأشخاص من الموقع السياسي، إنما نريد معرفة من أخطأ ومن غرر في المعلومات ومن سهل لفتح الاسلام ومن هيأ الظروف الموضوعية لتقع هذه المشكلة بهذه الطريقة، هذا أمر يجب ان يكون، وإلا فلا نكون قد استفدنا من هذه التجربة، ولتكن النتيجة أوسمة شرف للبعض ومعاقبة للبعض الآخر بصرف النظر عن رؤيتهم السياسية.



على المستوى الشخصي هل الشيخ نعيم قاسم متفائل او متشائم بالمستقبل القريب لا البعيد؟
على المستوى الشخصي لست متفائلا، لأن ربط موقف قوى السلطة بالموقف الأميركي يجعلنا في دائرة الانتظار في اللحظة الأخيرة للتطورات التي يمكن ان تحصل في العراق والمنطقة، وهذه مشكلة، لا نعلم بأي اتجاه ستذهب هذه التطورات، لكن المطلوب ان نعمل ضمن سقف الأمل والرغبة في توفير فرص الحل، لا أن نخضع لهذه الرؤية الخاصة، وهذا ما نقوم به. وهنا أذكر ان راحتنا كمعارضة بأننا في الموقع الصحيح، إلا أننا نتألم على الناس، لأن هذا الأداء لقوى السلطة له آثار مرة على الناس. لكن وضعنا أنفسنا امام خيارين: خيار ان نصمد لنحمي البلد، وخيار ان نسلم لهم كما يريدون فلا يبقى البلد، لذا نحن عملنا بأهون الشرّين ولم نعمل كما نرغب أن تكون عليه الأمور، لأن المسألة ليست مرتبطة بنا فقط، هنا شركاء في الوطن نتشارك معهم.
المعارضة متماسكة



هل المعارضة متماسكة؟ ومتى ستتحول إلى جبهة؟
المعارضة متماسكة بدليل مواقفها وما يصدر من مواقف عن قياداتها وأقطابها، ولم يسمع احد لا سراً ولا علنا بوجود خلاف في الرؤية. بينما في المقابل قوى السلطة تتفاوت في تصريحاتها ومواقفها واختلافاتها، كما حصل في مسألة النصاب والتوافق وترشيحات رئاسة الجمهورية وهكذا.. المعارضة متماسكة ان شاء الله، والمسألة ليست بالتسميات، يعني ما الفرق بين ما عليه المعارضة اليوم وبين أن تكون اسمها جبهة، موضوع له علاقة بالمرحلة الزمنية وبرنامج العمل.. المعارضة مقتنعة بأنها بالطريقة التي تعمل بها تؤدي هدفها، وإذا تبين لاحقاً ان المطلوب صيغة أخرى او مواثيق أخرى يمكن ان تلجأ إليها. 
الانتقاد/ العدد 1232 ـ 14 ايلول:سبتمبر 2007



2007-09-14