ارشيف من : 2005-2008
النقيب عون لـ"الانتقاد": نعمل لاستعادة الأموال مع فوائدها
لا تزال قضية هدر المال الخاص في "بيت الطبيب" تتفاعل في صفوف الجسم الطبّي حتّى وصلت إلى مسامع الرأي العام والصالونات السياسية، بعد مرور ستّ سنوات على تشييده في عهد النقيب والنائب السابق ومرشّح "تيّار المستقبل" الدائم لرئاسة الجمهورية، غطّاس خوري، في العام 2001، من دون أن يتمكّن القضاء حتّى الآن من الفصل فيها بطريقة مناسبة تكشف المستور وتعيد الحقّ إلى أصحابه وخصوصاً أنّها رتّبت مصاريف ومستحقّات مالية باهظة على النقابة استمرّت في دفعها على مدى ستّ سنوات ولم تنته منها إلاّ في شهر نيسان/ أبريل 2007.
ورفضت النقابة السكوت على ما أصابها من خسارة مضاعفة كان يمكن الاستفادة منها في أماكن أخرى تهمّ الأطباء ولا سيّما المتقاعدين منهم الذين يضطّرون إلى المواظبة على ممارسة مهنتهم على الرغم من تقدّمهم في السنّ، لتحصيل قوت يومهم، وقد أمضوا فيها سنوات وسنوات، بينما لو لم يحصل الهدر المقدّر بأربعة ملايين دولار أميركي لأمكن رفع المعاش التقاعدي إلى أكثر من ستمئة ألف ليرة شهرياً كما هو معمول به حالياً، فضلاً عن دعم صندوق التأمينات الصحّيّة لكل الأطبّاء.
وقد آلت النقابة على نفسها ملاحقة حقّها حتّى استعادة آخر قرش وضع في غير مكانه الصحيح، فتقدّمت بواسطة المحامي جميل الحسامي بشكوى مباشرة أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان جوزيف القزّي اتخذت فيها صفة الادعاء الشخصي بحقّ النائب السابق غطّاس خوري والمهندس المشرف على ورشة البناء روجيه خوري وشركة "كات" التي أنشأت "بيت الطبيب" أو ما يعرف بين الأطباء بـ"بيت الهدر".
تقرير الخبراء
وجاءت هذه الشكوى بعد شكوى سبقتها بثلاث سنوات تقريباً سجّلت، للوهلة الأولى ضدّ مجهول حتّى الحصول على يقين تام، وقرّر على إثرها القاضي القزّي تكليف لجنة خبراء مؤلّفة من ثلاثة مهندسين وخبير مالي بإعداد دراسة تقويمية، فعملت على مدى سنة وثمانية أشهر، ووضعت في المحصّلة تقريراً نهائياً يكشف بالتفاصيل وجود هدر مالي كبير وأسماء الضالعين فيه والمسؤولين عنه.
النقيب عون
يروي نقيب الأطباء الدكتور ماريو عون في حديث لـ"الانتقاد" خبايا وأسرار هذه القضية الشائكة في نظر البعض والواضحة في نظر آخرين بعدما طُرحت تساؤلات عديدة حول الكلفة الحقيقية لتشييد "بيت الطبيب"، وخصوصاً أنّ الأرقام التي جرى الحديث عنها خيالية ووصلت إلى 16 مليون دولار أميركي تقريباً.
ويقول: "عندما ترشّحت لانتخابات النقابة في العام 2004 وضعت نصب عيني معرفة ما إذا كان هنالك هدر أم لا، وبالفعل بعد فوزي عيّنت لجنة من مهندسين متخصّصين لكي يقوموا بدراسة تكاليف هذا البناء، وبعد ثمانية أشهر وضعت تقريراً يشير إلى حصول فروق مالية تصل إلى حدود أربعة ملايين دولار أميركي عن الكلفة الحقيقية التي دفعتها النقابة، وهي في الأساس مبالغ مالية غالبيتها من الديون وترتّب فوائد كثيرة عليها".
لا مبالاة شقير
انطلاق عون في خياره هذا متأخّراً بعض الشيء ليس هو مسؤولاً عنه بطبيعة الحال، لأنّه جرى انتخاب نقيب بينه وبين غطّاس خوري، هو النقيب الدكتور محمود شقير الذي لم يحرّك ساكناً إزاء هذا الهدر. والسبب كما تعتقد مصادر فاعلة في الجسم الطبّي في المعارضة الوطنية اللبنانية، هو ميوله السياسية الحريرية المتفقة مع خوري، ولو لم يغضّ الطرف ويتخفّف من مسؤوليته بإعطاء هذا الملفّ الاهتمام المطلوب، لاستطاع على الأقلّ، التقليل من حجم الضرر الناتج عن هذا العمل، ومن الفوائد المالية، عن كاهل نقابته وزملائه.
وجد عون ضالته في المادة 41 من قانون نقابة الأطباء التي تنصّ على أنّ "النقيب يمثّل نقابة الأطبّاء ومجلس النقابة في الداخل والخارج ويدافع عن حقوق النقابة بتنفيذ قراراتها وقرارات مجلس النقابة، وله الحقّ في أن يقاضي باسم نقابة الأطبّاء ويقيم الدعوى على من يستوجب ذلك حسب الأصول المرعية". وأقام الدعوى ضدّ مجهول وتشكّلت لجنة خبراء من مهندسين وماليين اقتنعت بحصول هدر، وتطابقت نتيجة عملها مع تقرير لجنة المهندسين التي أعطاها عون الضوء الأخضر للتحرّك وجلاء ملابسات هذا الهدر.
ويقول عون إنّ تقرير هؤلاء الخبراء "يحدّد المخالفات الجسيمة والمسؤوليات الواقعة على عاتق المعنيين بصورة لا تقبل الجدل ولا التأويل، وأثارت استغراب ودهشة الخبراء والأطباء على حدّ سواء، وكان لا بدّ من تقديم الدعوى والمطالبة باستعادة الأموال مع فوائدها".
يرفض عون اتهام فريق 14 شباط/ فبراير له بتسييس القضية، ويقول: "قمت بتحمّل مسؤولياتي بعيداً عن أيّة حسابات سياسية أو انتخابية بغية إرجاع الحقوق للنقابة"، ويضيف "بتاريخ 2 كانون الثاني/ يناير من العام 2007 حضرت إلى أحد اجتماعات اللجنة المولجة بوضع هذا التقرير وصرّحت ما حرفيته إنّني أطلب من اللجنة الاكتفاء بالوقائع التي تجلّت وبالمستندات المبرزة من قبل كلّ الأطراف والتي تتعلّق بـ"بيت الطبيب"، وذلك في أقرب فرصة تفادياً لحلول آجال معيّنة (انتخابات النقابة) قد تؤدّي بالبعض إلى ربط هذا التقرير بأمور سياسية واستغلالها في أمور معيّنة في حين أنّ الغاية الحقيقية من هذه الدعوى هي جلاء الحقيقة للرأي العام".
الانتخابات
ويتهيّأ الأطبّاء المؤيّدون للمعارضة الوطنية لخوض غمار الانتخابات النقابية المقرّرة يوم الأحد في 27 أيار/ مايو الجاري، والتي تشمل النقيب وسبعة أعضاء، أي نصف عدد أعضاء مجلس النقابة المؤلّف من ستّة عشر عضواً بمن فيهم النقيب.
ويرأس لائحة المعارضة مرشّح التيار الوطني الحرّ الدكتور بيار شبيب مقابل لائحة 14 شباط/ فبراير برئاسة الدكتور جورج أفتيموس الذي ترى شريحة كبيرة من الأطبّاء بأنّه "بعيد كلّ البعد عن شؤون وشجون النواحي المطلبية لنقابة الأطبّاء".
وتعتبر هذه المعركة الانتخابية قاسية وحادة طبقاً للاصطفاف السياسي الحاصل في لبنان، وهي امتداد لمعركة انتخابات نقابة المهندسين أيضاً، ويعول كلّ طرف للظفر بها والخروج منها منتصراً وتحقيق مكاسب، فالمعارضة تتطلع إلى كسب المعركة وإبقاء النقابة بحوزتها، بينما فريق السلطة يريد استرجاعها، وهو أعدّ العدّة الكافية وصرف الأموال الطائلة لتحقيق غايته، وكلّف عدداً من ماكينته الانتخابية بالسفر إلى دول الخليج ولا سيّما دولة الإمارات العربية المتحدة من أجل حثّ الأطباء المسافرين والمقيمين هناك على الحضور والمشاركة، واضعاً بتصرّفهم تذاكر السفر ذهاباً وإياباً مع إقامة ليلة واحدة في أحد فنادق بيروت، وهو السيناريو نفسه الذي اتبع إلى حدّ كبير في انتخابات نقابة المهندسين.
ويتمنّى النقيب عون على الجسم الطبي وهو بغالبيته من المستقلّين أن "يعي دقّة هذه المعركة، وأن يختار من هو قادر على استكمال الملفّات الموضوعة قيد الإنجاز، وفي مقدّمتها ملف "بيت الطبيب"، لئلا يذهب في أدراج النسيان بعدما كلّف النقابة مصاريف الدعوى القضائية 90 ألف دولار أميركي حتّى الآن".
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1215 ـ 18 ايار/مايو2007