ارشيف من : 2005-2008

ألبير منصور لـ"الانتقاد": حكومة السنيورة متراس لمشاريع الإدارة الأميركية

ألبير منصور لـ"الانتقاد": حكومة السنيورة متراس لمشاريع الإدارة الأميركية

يرصد الوزير والنائب السابق ألبير منصور حالة الترقب التي تعيشها المنطقة، ومن ضمنها لبنان، بعين حذرة لا تخفي قلقها من خطر تخبئه الأيام القادمة. ذلك ان "البارومتر" الذي عادة ما يقيس به الوزير المخضرم المؤشرات السياسية القادمة من الخارج تجاوز هذه المرة "الخط الأحمر" بفعل حجم التدخل الخارجي في لبنان. فـ"الأميركي لديه رغبة باستمرار حكومة السنيورة في الهيمنة والاستفراد، بدليل رفضه المبادرة العربية". أما حديث الحرب فهو تهويلي على اللبنانيين لتنشيط قوى الموالاة وإعطائها إبرة دعم، والقول لها ان الحل آتٍ، وما لم تفعله "إسرائيل" في تموز 2006 ستفعله في 2008.
ولأنه يفضّل الكلام "المباشر" على "التورية" التي "عادة ما يتقنها بعض السياسيين اللبنانيين"، يرى الوزير منصور "استحالة أي تسوية سياسية داخلية في الوقت الحاضر قبل سقوط "فريق الهيمنة السنية" على الحكم المدعوم والمموّل  سعودياً، وذلك على غرار ما حصل مع مشروع الهيمنة المارونية المسيحية". من هنا لا يرى رد فعل البطريركية على القانون الانتخابي للعام 1960 "إلا من باب الاستتباع لتيار المستقبل".
منصور الذي يتابع هذه الأيام باهتمام ما تكتبه الصحافة الإسرائيلية يستبعد عدوانا إسرائيليا على غرار حرب تموز، لعدم "أهلية العدو، خاصة بعد فشله في غزة".
"الانتقاد" التقت الوزير والنائب السابق منصور في حوار تناول الملفات الأساسية التي تعني المنطقة ولبنان، وهنا نص المقابلة:


تأجيل جديد لجلسة الانتخاب إلى 25 آذار، هل هي فرصة جدية لحل الأزمة، أم ان الحلول رحلت إلى القمة العربية وما بعدها؟
 بتقديري لا حلول قريبة للانتخابات الرئاسية في لبنان، لأنها وصلت إلى نقطة أصبحت معها التسوية واضحة المعالم بالنسبة للمعارضة. وبالتالي على الموالاة  الاعتراف بها، أي المشاركة. ومن هنا لا أعتقد ان هناك إمكانية لحل داخلي في الوقت الحاضر ما لم يحصل الاعتراف بحق المشاركة، مهما كانت الضغوط الإقليمية.


لو قررت المعارضة السير بانتخاب الرئيس التوافقي وأجلت البحث في أمر الحكومة، هل كان الفريق الآخر قبل، ومن خلفه الإدارة الأميركية؟
بتقديري الأميركي لديه رغبة كبيرة باستمرار حكومة فؤاد السنيورة لمزيد من استفرادها بالحكم، والسيطرة على رئاسة الجمهورية. وبرأيي ان الأميركيين لن يسمحوا بإجراء الانتخابات النيابية ما لم تحقق لهم رئاسة الجمهورية، وبالتالي فإن ترشيح العماد سليمان من قبل الأكثرية كان مجرد مناورة.


يُفهم من كلامك أنهم لا يريدونه؟
نعم.. هم يريدون استمرار حكومة السنيورة.. حتى ان المناورة بانتخاب بالنصف زائد واحد لم يكن هدفها مجيء سليمان.


إذاً لماذا كل هذا الاهتمام بالسنيورة.. ماذا قدّم لهم؟

السنيورة متراس، مثله مثل حكومة سلام فياض في فلسطين المحتلة، وهما يشكلان النقطة المهمة التي توصل إليها الأميركي من خلال استلام الحكم، أكان في فلسطين أم في لبنان، وذلك عن طريق استخدام المناورة الضخمة التي اتبعها بدءاً من القرار 1559 مروراً بإخراج السوري من لبنان وصولاً الى الاتفاق الرباعي.. ثم تقول لي ماذا يخدمهم؟
أولاً: هم يعتبرونه سلطة شرعية وممسكة بالسلطة، وإن كانت بعض الأمور لم تتحقق وذلك بسبب وجود المعارضة.. ثم ان حكومة السنيورة هي بمثابة الأرضية التي ينطلق منها الأميركي في النهاية.
 ثانياً: حكومة السنيورة أعطت للأميركي وسائل ضغط، منها المحكمة الدولية، وهي على كل الأنظمة العربية وليس على سوريا فحسب، على اعتبار ان الأنظمة جسمها "لبيس"، والأميركي قادر على أن يحمّل أي جهاز مخابراتي عربي مسؤولية اغتيال الحريري في أي لحظة. هذه الوسائل الضاغطة أعطتها حكومة السنيورة للأميركي، كما أعطت للعدوان الإسرائيلي تغطية مهمة أثناء عدوان تموز.


.. يدخل في هذا السياق التدخل الأميركي في البحر من خلال وجود أسطولها؟
نعم.. يضاف إليه النهج المتبع خلال حرب تموز، فلو كانت هناك حكومة وطنية لكانت الأمور مغايرة تماماًَ.


الى أي حد تعتبر الأزمة اللبنانية مرتبطة بالتسويات الإقليمية ـ الدولية؟
هناك أمور حلها مزدوج: هناك صراع داخلي لبناني، وصراع إقليمي دائر على الساحة اللبنانية أوجدته الإدارة الأميركية منذ صدور القرار 1559.


لكن هذا الداخل لا يملك الحلول دون العودة إلى الخارج؟
.. وأيضا هذا الخارج لا يستطيع إيجاد الحلول دون العودة إلى الداخل.. الحملة التي تُشن اليوم تقول ان سوريا هي من تعرقل الحل في لبنان! سوريا لا تستطيع ان تجري انتخابات في لبنان دون أن تحقق للأطراف الداخلة في الصراع المشاركة الحقيقية. وأسأل: ما هو تأثير السوري في المعارضة لإجبارهم على التنازل وإلغاء ذاتهم، ويسلموا الحكم للسنيورة إرضاءً لسوريا؟ هناك مشكلة إضافية هو التدخل الأميركي في لبنان واستخدام السلطة اللبنانية نقطة انطلاق، أكان بالنسبة الى العراق او للتسوية في المنطقة.


كيف لك ان تبرر ان المعارضة غير مرتهنة لسوريا وإيران كما يدعي أخصامها؟
هناك أمران: المصالح الوطنية الداخلية التي للمعارضة ارتباطات فيها، وأهمها المطالبة بالشراكة، سواء رضيت سوريا أو إيران أو لم ترضيا.. والأمر الثاني التعاطف مع الموقف الإيراني السوري الرافض للمشروع الأميركي في المنطقة هو موقف لم يمتّ إلى الارتهان، بل هو موفق مشترك. فهناك أطراف لبنانية أساسية رافضه مسبقاً لهذا المشروع ولمشروع الاستسلام العربي بدءاً من "كامب دايفيد" وصولا إلى اوسلو، وهو موقف قومي تعزز بالانسحاب السوري من لبنان.


هل في القمة العربية فرصة لإنضاج تسويات اقليمية، ومنها التسوية في الشأن اللبناني، وما التأثير الأميركي في مسار هذه القمة؟
برأيي هناك استحالة لأي تسوية في المنطقة، لأن الإسرائيلي لا يريد أي تسوية.
الدول العربية طرحت الاستسلام في مؤتمرين للقمة، وأحدهما في بيروت، والى الآن لا يوجد تجاوب إسرائيلي مع هذا الاستسلام! يطالبون باستسلام مذل أكثر.. ولذلك لا أتأمل شيئاً من القمة العربية، لا بل ستُختم على زغل، أو على حد أدنى من الكلام التسووي.


يقال ان مجرد انعقاد القمة هو نجاح لدمشق التي وسمت القمة بقمة "فلسطين"؟
صحيح، على اعتبار ان دول الاستسلام العربي بصراعها المفتوح مع النهج الرافض الذي تحمل لواءه سوريا وإيران، حاولت تحوير موضوع القمة الذي هو فلسطين إلى موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان، إلا ان نجاح سوريا بإعادة الموضوع إلى جادته الصحيحة اعتبر انتصارا لها.


برأيك من يتحمل المسؤولية المباشرة لإفشال المبادرة العربية؟
 الأميركي، بدليل تصريحات ساتفرليد.. أضف إلى ذلك السعودية التي أرادت من خلال المبادرة العربية أن تحقق انتصاراً للموالاة.


.. لكن الإدارة الأميركية في تعليقها الأخير انتقدت قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية؟
.. ما يريدونه هو انتخابات رئاسية لا التسوية العربية.


.. ولكن تلك من ضمن المبادرة العربية؟
أصلا المبادرة تتضمن ثلاثة بنود أساسية: انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتشكيل قانون انتخاب، ولم تقل بالاتفاق على واحد منها. ولنقل صراحة المبادرة مذلة للبنان.


كيف؟
العرب حددوا اسم رئيس الجمهورية دون أن يسألوا أحدا، وهذه هي المرة الأولى التي يسمى الرئيس خارج بلده.


.. تسميته جرت على أساس ان هناك توافقاً جرى بين الأطراف الداخلية؟
من قال ذلك؟ وأسأل: من رشح العماد سليمان قبل المبادرة العربية، لا موالاة ولا معارضة؟


ربما جرى التوافق عليه في الكواليس؟
أي كواليس! هذه تسمية معيبة بحق لبنان.


الأميركي يرفض المبادرة العربية وينتقد تأجيل جلسة الانتخاب ويرفض ميشال سليمان، وبوارجه قبالة شواطئنا.. ماذا يريد؟
الأميركي يريد استمرار الوضع على ما هو عليه في فلسطين ولبنان ريثما ينتهي من انتخاباته المنتظرة. وأقول اذا استلم "ماكين" المرشح الجمهوري السلطة فأعتقد ان الإدارة الحالية ستستمر في سياستها في المنطقة، وبالتالي تكون قد حافظت على المكاسب التي حققتها في حكومتي السنيورة وفياض، لتعود من خلالهما للانطلاق في مشروعها.


النقاش الدائر منذ أيام حول عدوان إسرائيلي جديد ضد لبنان، إلى أي حد تعتقد ان الإسرائيلي مستعد لهذه المغامرة؟
برأيي ما يجري هو موضوع تهويلي على اللبنانيين بهدف تنشيط قوى الموالاة وإعطائها إبرة دعم، والقول لها ان الحل آتٍ، وما لم تفعله "إسرائيل" في تموز 2006 ستفعله في 2008. وبحسب متابعتي لما يصدر في "إسرائيل" من كتابات وتعليقات، أعتقد ان الأخيرة غير مستعدة في الوقت الحاضر وغير مؤهلة للقيام بعمل من هذا النوع، وخاصة بعد فشلها في غزة.


اتهامك للموالاة أليس حكما على النوايا؟
لا.. بالأصل هم بدأوا بالترويج لمقولة ان ما لم تفعله "إسرائيل" في حرب تموز ستفعله في الحرب القادمة!


كيف قرأت كلام جنبلاط عن سيناريو تهجير اللبنانيين من الجنوب والضاحية في الحرب القادمة؟
هناك في أوساط تكتل جنبلاط بعض النواب الأغبياء، وكما يقول المثل: خذ أسرارهم من صغارهم! فهؤلاء يتحدثون عن سيناريوهات عديدة قوامها عدوان جديد في أيار وحزيران، وتهجير الشيعة من الجنوب بهدف إقامة "إسرائيل" شريطا درزيا في الجنوب مكان الشيعة وإعطائهم حكما بلديا! وهذا مخطط قديم تسعى إليه "إسرائيل" عن طريق تفتيت المنطقة.


ماذا يريد جنبلاط.. هل فعلا الطلاق الذي أشار إليه يحل الأزمة؟
الطلاق في النهاية هو محاولة استغلالية من قبل وليد جنبلاط بهدف حماية نفسه ومصالحه وهيمنته ووجوده، وهو شعار رفع في بدايات الحرب اللبنانية ورفض يومها من قبل كمال جنبلاط. وأذكر هنا معلومة ذكرتها في كتابي "موت الجمهورية"، ان الإسرائيلي عندما احتل الشوف سنتين لم يتعرض لضربة كف! ليس لأن الدروز غير وطنيين ولا يريدون القتال، إنما لكون وليد جنبلاط لم يرد ذلك! بل عمل على طرد من قام بعمليات ضد الاحتلال من الشيوعيين والقوميين.


هل تعتقد ان العام المقبل سيشهد انتخابات نيابية، أم أن الحديث عن قانون الانتخاب بهذا الشكل لتطيير الانتخابات وإبقاء الأمور على حالها؟
الانتخابات مرهونة بالانتخابات الأميركية، فإذا فاز الجمهوريون فلا أعتقد انه سيُعمد إلى إجراء الانتخابات، وسيصار بعدها إلى تمديد المجلس النيابي.. لكن في المحصلة أرجّح حصول الانتخابات، لأن التمديد من شأنه أن يفرط البلد عن آخره.


كيف تقرأ تراجع بعض المراجع المسيحية عن تأييدها لقانون الـ(60) ومطالبتها بالدوائر الصغرى؟
للأسف هؤلاء مستتبعون من قبل الهيمنة السنية السياسية في الحكم، وبالتالي رد فعل البطريركية المارونية هو رد استتباع، لأن الرافض هم المستتبعون لتيار المستقبل.. وللأسف البطريركية التحقت بهذا الاستتباع.


كيف قرأت زيارة جعجع لواشنطن؟
جعجع عادة لا يخبىء استتباعه، لطالما كانت "القوات" اللبنانية تابعة للإسرائيلي وللمخابرات الأميركية.


.. البعض اعتبر زيارته لـ"تبيض صفحته" أمام العالم، لكونه سجينا سابقا؟
ممكن، هو ليس فقط سجينا سابقا، انما حُكم عليه في جرائم قتل.


بعد حكمها الذي يستمر منذ العام 2005، 14 آذار تطلق اليوم وثيقتها، بفعل التجربة هل يمكن ان يعبر هذا النهج عما يطمح اليه اللبنانيون؟
كل ما يحصل اليوم هو من أجل تبرير الأموال التي دفُعت من قبل السعودية لاستحداث الأمانة العامة لمشروع 14 آذار، وبالتالي خطابهم معروف ولن يزيد شيئاً.


من خلال تجربتك السياسية من السبعينيات الى اليوم، كيف تقرأ واقع الأزمة اليوم بناءً على ذكرياتك؟
تجربتي تقول ان الحلول لم تكن لتحصل في لبنان إلا من خلال تسويات في المنطقة، والمشروع الذي حملته آنذاك المارونية السياسية ضُرب بشكل كبير نتيجة أمرين أساسيين: الأول الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 82 وحرب الجبل، بحيث لم تستطع هذه المارونية السياسية ان تعمل صلحا مع "إسرائيل". واليوم هناك هيمنة سنية سياسية على الحكم بدعم وتمويل سعودي، وبرأيي هناك استحالة لأي تسوية سياسية داخلية قبل سقوط هذا المشروع، على غرار ما حصل مع مشروع المارونية المسيحية.
حاوره: أمير قانصوه وحسين عواد
الصور لموسى الحسيني


الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008


2008-03-14