ارشيف من : 2005-2008

العاقبة

العاقبة

اليابس، اختلط منا الحابل بالنابل، أمطرونا بوابل من رصاص اليورانيوم المخضب، خيولنا تفر هاربة، وجدت إحداها تجر فارسها المقتول من قدمه، تغمسه بمستنقعات الأوحال الدموية، أحاول رفع رأسي فلا أبصر إلا اللون الأحمر يصبغ الأشياء من حولي، الدخان يتكاثف أكثر فأكثر..‏

أرى أحدنا يحاول يائسا تثبيت رايتنا التي تتلاعب بها الرياح،‏

صم أذني صرخات الفارين من النساء و الأطفال،‏

أرى امرأة تمسك بذراع طفلها الذي فقد جسده،‏

اتسعت العيون ، يحاولون الفرار من هول الكارثة،‏

ينزلقون في أنهار دماء الملايين من الجثث التي تكومت هنا وهناك،‏

يزحفون بكل ما آتاهم الله من قوة للفرار من هذا الجحيم،‏

انفجار هائل مزق المشهد بعيني،‏

تطايرت الأشلاء تلطخ وجهي المذهول بدمائهم الزكية،‏

أحاول الفرار ، تتعثر قدماي ، ترتطم رأسي بالأرض،‏

أجدني أزحف رعبا،‏

تدوسني أقدام الخيول الفارة،‏

أتحامل على ذراعي المتبقية، أحاول عبثا النهوض،‏

بالكاد نجحت،‏

أبصر بين الدخان أخي المثخن بالجراح و قد أشهر(منجله) بوجه أحد الأعداء الممسك ببندقيته الآلية،‏

تخرج رصاصة باتجاه أخي،‏

أرفع سيفي الثقيل،‏

أهوي به على رأس قاتله، أفلقها إلى شطرين، تلطخ وجهي الدماء،‏

أرى أخي يسقط، يرمقني بنظرة رضا،‏

يتوج رأسي بآخر ابتساماته اللؤلؤية،‏

آخذه بين أحضاني،‏

شد على يدي الملطخة بالدماء،‏

بالكاد تصل همساته إلى أذني )‏

ـ نلتقي بالجنة بإذن الله .‏

( صمت خيم على الكون ، بادرني )‏

ـ ماذا أصابك ؟ ألا يرضيك ما فعلنا ؟ أمازلت مقتنعا بأننا قصرنا ؟‏

ـ بالله عليك ما جدوى خيولنا مقابل طائراتهم و آلياتهم ؟‏

ما فائدة منجلك الصدئ هذا مقابل هذه الصواريخ ؟‏

صرخت فيكم مرارا : يجب أن نبني أنفسنا أولا .‏

ـ هون عليك يا محمد ، فلقد فزنا و رب الكعبة .‏

ـ فزنا ؟ أي فوز هذا الذي تخدع به نفسك ؟‏

ـ أفقدت بصرك ؟ ها هم إخواننا من الشهداء و قد فازوا بالجنان .‏

ـ و ماذا تركنا لهذه الحشود من النساء و الأطفال ؟‏

بالله عليك ماذا تركنا لهم ؟‏

ـ تركنا لهم الله و رسوله .‏

ـ بل تركنا لهم الخزي و العار ، تركنا لهم ذل الأسر و العبودية و المهانة ، لم يعنكم سوى بطولاتكم الزائفة ، و الله لن يسامحنا الله .‏

ـ دعك من غيك القديم هذا .‏

ـ لا لن أسكت ، نعم ، هل تذكر عندما هتفتم بأعلى أصواتكم : فلنقاطع روسيا لما يفعلونه بأفغانستان و الشيشان ؟ و بعدها هتفتم : ، و لنقاطع الصرب لما فعلوه بالبوسنة و الهرسك ، و لنقاطع أمريكا و انجلترا لما يفعلونه بالعراق و أفغانستان ؟ و لنقاطع أوربا و العالم أجمع و كل من يساند أبناء صهيون بسبب ما يفعلونه بفلسطين و لبنان و الجولان .‏

قلت لكم : لا مانع من المقاطعة و لكن يجب أن نقوم على إنتاج البدائل العربية و الإسلامية .‏

وضعتم أصابعكم في آذانكم و كأنني أسبكم و هتفتم : فلنقاطع فرنسا بسبب الحجاب ، و لنقاطع الدينمارك و النرويج و أسبانيا و أوربا و كل من ينشر الرسوم .‏

ناديتكم : لا تدفنوا رؤوسكم في الرمال و بلغوا عن رسول الله و لو آية ، فلقد أمرنا ( بلغوا عني و لو آية )‏

قلتم : ما أدراك أنت عن هذه الألوف التي تعتنق الإسلام كل يوم ؟‏

صرخت فيكم : يجب علينا أن نملك قوتنا كي نملك كلمتنا ،‏

( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده )‏

ذهبت صرخاتي أدراج الرياح ،‏

و نشروا الرسوم ثانية ، عندها عدتم و هتفتم : فلنقاطعهم ثانية و إذا نشروها ثالثة قاطعناهم الثالثة ، و الرابعة ، و لا هوادة ،‏

و عرضت هولندا هذا الفيلم ، و عندها أيضا هتفتم : فلنقاطع هولندا ، ظللتم تقاطعون و تقاطعون و تقاطعون و لم تفكروا و لو للحظة واحدة أن تنتجوا بديلا لما تقاطعون ،‏

قاطعنا العالم أجمع من المشرق إلى المغرب ،‏

لم تفكروا و لو للحظة واحدة في بناء أنفسكم ،‏

بالله عليكم ألم تمر بأعينكم يوما هذه الآية الكريمة ؟‏

( و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم )‏

انظر ، انظر نتيجة تعنتكم ( أخذت بلحيته أحول بصره تجاه القتلى ، أغلق عينيه هربا ، فتحتها عنوة بأصابعي )‏

انظر هناك ، هل ترى هذه الملايين من النساء و الأطفال ؟‏

ماذا تركنا لهم غير الذل و الهوان و العبودية ؟‏

حسبي الله و نعم الوكيل ، حسبي الله و نعم الوكيل .‏

ـ بالله عليك ما فائدة هذا الآن ؟ إنه قدرنا يا أخي .‏

ـ إياك أن تقول قدرنا ، لو كان قدرنا لما حاسبنا الله على أي جرم اقترفناه.‏

ـ و لماذا لم ترحل و تتركنا إذن ؟‏

ـ لا ، إلا كسر عصا الطاعة و الخروج على رأي الجماعة...‏

ـ فما فائدة البكاء على اللبن المسكوب إذن ؟‏

لا نفع لهذا الآن، هيا، هيا لنكمل ما بدأناه .‏

ـ نعم ، لا نفع لهذا الآن ( رفعت كفي إلى السماء أفوض أمري إلى الله )‏

ـ اللهم إني أبرء إليك مما فعل السفهاء من أولائك و هؤلاء .‏

ربطت الراية بظهري، تساندنا نحاول النهوض، بالكاد نجحنا، تدابرنا ألوح بسيفي الثقيل بينما أشهر أخي منجله، ما هي إلا لحظة واحدة حتى تناهشتنا الحشود لإسقاط رايتنا الخفاقة،‏

و لكن هيهات هيهات ، فالموت دونها هو السبيل.‏

محمد سنجر‏

2008-04-10