ارشيف من : 2005-2008
"لا رسن"!
كتب إبراهيم الموسوي
التقرير الأخير الصادر عن الناظر الدولي للإشراف على تطبيق القرار الرقم 1559 تيري رود لارسن يبعث على الاشمئزاز والقلق أكثر مما يثيره من استغراب ودهشة.
لم يغادر لارسن في تقريره ما اعتدنا سماعه منه من مواقف، فهو وكما العادة دفع بالحديث على السلاح المقاوم إلى الواجهة، فأفرد له فقرات عديدة، كما أنه، ولمزيد من الاهتمام، أو إظهار الاهتمام، لم يغفل الحديث عن التسلح المتزايد في لبنان، ولم تفته أيضاً ظاهرة اطلاق النار كلما ظهر زعيم أو قائد لبناني على الشاشة، وبين كل هذه النقاط كان البارز أيضاً في كل تقرير لارسن الأممي تبنيه خطاب السلطة في لبنان، ما يجعله طرفاً وليس حكماً في النزاع الداخلي، وهو ما يضيف إلى انحيازه الخارجي إلى جانب العدو الاسرائيلي، انحيازاً داخلياً إلى أجندة فريق السلطة.
لقد جاء تقرير لارسن في حالة اتساق تام مع الأجندة التي يحملها، وهي أجندة حافلة بمطالب وشروط اسرائيلية عديدة يندفع هو بشدة لتنفيذها رغبة في نيل حظوة تتيح له الترقي أكثر في قيادة المؤسسة الدولية، ففي حين ذهب بعيداً في الحديث عن سلاح المقاومة وتهديده للأمن الاقليمي مستنداً إلى تقارير ومعلومات غير مؤكدة، إذا لم نقل غير صحيحة، فإنه تعمّد أن يتعاطى بخجل مبالغ فيه مع الاختراقات والانتهاكات الاسرائيلية الخطيرة التي تكررت وتتكرر بشكل لافت ضد لبنان، موحياً بأنها لا تستحق الاهتمام الكبير، مخالفاً بذلك تقارير القوات الدولية التي ترى فيها انتهاكات خطيرة تهدد السلم والأمن في لبنان والمنطقة.
بدا لارسن متصالحاً جداً مع هذه الخروقات والانتهاكات، فجاءت اشارته اليها مقتضبة وخجولة ولا تتناسب أبداً مع خطورتها وجسامتها، تماماً كما لو عكسنا الموضوع باتجاه سلاح المقاومة فإن تطرقه التفصيلي اليه يظهر وبكل وضوح توقفاً منحازاً لا يتناسب أبداً مع الواقع، فضلاً عن أنه يفقد الأمم المتحدة مصداقيتها في لبنان، وخاصة أن ثياب مصداقيتها في جنوب لبنان وفلسطين المحتلة والمنطقة مهلهلة ومليئة بالثقوب.
غريب أن نجد أحد موظفي الأمم المتحدة يمارس دوره الخطير بطريقة منحازة وغير نزيهة، ولكن الأكثر غرابة وخطورة هو صمت المؤسسة الدولية وقيادتها عنه والتسليم بما يقوم به بما يعرّض سمعة هذه المؤسسة (وهي على المحك أصلاً) للخسارة من رصيدها المستنزف المتهالك في هذا الجزء من العالم.
لو تسترجع المؤسسة الدولية تاريخ الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة، وفي فلسطين ولبنان تحديداً، لترى كم من المجازر التي ارتكبت وترتكب والأراضي التي احتلت وما زالت تحت الاحتلال، لو تراجع المؤسسة الدولية قراراتها التي بقيت حبراً على ورق ولم تستطع أن توجه إشارة إدانة واضحة للعدو، لو تملك هذه المؤسسة عينين مستقلتين وأذنين ذاتيتين لربما استطاعت أن ترى بنفسها وتسمع بنفسها وتقول تبعاً لما تراه وتسمعه، لو أمكن للمؤسسة الدولية أن تفعل ذلك، كما ينبغي عليها أن تفعل ساعتئذٍ، ربما لا يعود متاحاً للارسن وأمثاله أن يكونوا في مؤسسة كالأمم المتحدة، فضلاً أن يتربعوا على كرسي سلطة الإشراف على تطبيق قراراتها!
من أفلت الحبل على غاربه وجعل لارسن حراً طليقاً بلا رسن يجول شمالاً وجنوباً على بيادر الأزمات في لبنان والمنطقة، ويطلق زعيقه في كل مرة في كل الاتجاهات باستثناء العدو الاسرائيلي، اسألوا الأمم المتحدة المتسائلة دائماً عن سر غياب مصداقيتها عند العرب والمسلمين وغيرهم من شعوب العالم غير المشمولين بنعمة رضا بعض مسؤولي التجمع الأممي عنهم!
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25نيسان/ أبريل 2008