ارشيف من : 2005-2008
كامل رستموفيتش.. شاهد حلمه يتحقق في انتصار تموز
شهد العالم كله في تموز/ يوليو العام 2006 المقاومة تنتصر على العدو الاسرائيلي وتقهر جيشه.. محطة فاصلة كان المقاوم كامل رستموفيش اليوغسلافي يحلم بأن يشاهدها، وهو ما تحقق له.
بالقرب من منزله في حارة حريك يقع ما يُعرف بـ"مربع الشورى" الذي شهد حرب الـ(33) يوماً يقول: "من هذا الدمار كان الانتصار".
حلم عمره ثمانون عاماً، بدأ مع القضية الفلسطينية عام 1948 التي جاءها مراقباً ثم انضم الى أفواج المقاومة مناضلاً الى الجنوب اللبناني حيث صنع بطولات خالدة ما زالت تحفظها ذاكرة الجنوبيين وسجلات الواجب الوطني.. فإلى الجيش الوطني الذي خدم فيه سنوات من عمره.
حكاية يكتبها قليلون ممن نذروا أنفسهم للرسالات السامية.. الأسمى والأنبل.
ذكريات ثقيلة ما زالت محفورة في ذاكرة هذا الرجل الثمانيني، كامل رستموفيتش اليوغسلافي، أو كامل رستم اللبناني.
يروي رستموفيتش الكثير عن محطات ما زالت تعيش في كواليس ذاكرته، لكنها رسمت خط البطولة في شخصيته وفي طريق اختارها ليكمل فيها حياته، حكاية نصف قرن من البطولة ضد العصابات الصهيونية وجيش الاحتلال الاسرائيلي.
ولد كامل رستموفيتش عام 1928 في قرية "كوتي" الكرواتية المحاذية للحدود مع البوسنة والهرسك، لينخرط في شبابه في الجيش الألماني حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وعلى أثر أحداث فلسطين في العام 1948 وصل كامل رستم مع عديد المفرزة اليوغوسلافية الى سوريا بدعوة من الجامعة العربية، بعدها تطوع مع عدد من الشبان العرب والأجانب للدفاع عن فلسطين، وانخرط ضمن جيش الإنقاذ ليخوض غمار هذه الحرب التي ما زالت مستمرة حتى الآن.
ويتذكر رستموفيتش كيف وصلت المفرزة التي انضم اليها وعددها (110) الى فلسطين، حيث تمركزت في يافا وشكّلت جزءاً من حاميتها، لتدخل في مواجهة كبيرة وواسعة مع العصابات الصهيونية التي تأسس منها لاحقاً الجيش الاسرائيلي. وفي تلك المعركة المشهودة فقدت المفرزة نصف عديدها.
وإلى جنين يكمل الرجل اليوغسلافي مسيرة جهاده.. (تنحبس الدمعة في عينيه برغم كبر سنه)، وبرغم كبر سنه ما زال يحفظ معنى المقاومة والصمود في وجه الأعداء، فيتذكر جيداً ايام البطولة التي عاشها ابتداء من المدرسة التي دخلها أولاً متدرباً ثم أصبح مدرّبا فيها، وتحتل هذه الحقبة حيزاً من ذاكرته العتيقة: "مدرسة فيها صُنع جيل من الشباب العربي، ومنها تخرجوا محاربين ومدافعين عن أولى القضايا".
في المقاومة الفلسطينية الميدانية عمل المناضل اليوغسلافي خبير متفجرات، وكانت مهمته الاساسية وضع الألغام وتفجيرها بآليات الجيش الاسرائيلي.. وحتى اليوم لم تفارقه صورة فرار جنود العدو، وحين استعاد تلك الصورة ظهر بريق عينيه.. لقد استطاع من خلال خبرته بالمتفجرات ان يكبد العدو خسائر كبيرة مادية وبشرية.
.. الى لبنان
من فلسطين وكروم زيتونها وزواريب القدس القديمة الى لبنان، انتقل المقاوم الى مرحلة جديدة من النضال، حيث استقر في جبل عامل فترة طويلة يقاوم بصلابة ويعطي بلا مقابل.. وهو يحاول أن يبحث في ذاكرته عن صور تلك المرحلة يصمت قليلاً ثم يقول: "لبنان، هذا البلد المقاوم الذي حققت مقاومته ما عجزنا نحن عن تحقيقه".
كانت بلدة المالكية محط رحاله الاول، شارك في معركة المالكية الشهيرة في تموز عام 48 بهدف استرجاع الأرض المحتلة من الجيش الاسرائيلي، ليسقط خلال هذه المعركة عدد من رفاقه شهداء وجرحى، ولم يغادر خندق المواجهة طيلة الحرب.
في تشرين الأول من العام نفسه وُلد كامل رستم من جديد كما يقول، وذلك لحظة انفجار عبوة ناسفة في كمين نصبه على تلال بلدة ميس الجبل بين مستوطنة المنارة والنبي يوشع، لدورية اسرائيلية كانت تتقدم الى داخل الأراضي اللبنانية.. في ذلك اليوم "قتلنا 12 جندياً اسرائيلياً وجمعنا ما تبقى من الغنائم".. وعلى أثر هذه المواجهة البطولية نال رستكوفيش أوسمة و"تناويه" من قيادة الجيش اللبناني وجيش الإنقاذ.. يقول: "في ميس الجبل بين المناره والنبي يوشع هناك طريق لليهود، عرفنا ان اليهود سيتجمعون في المنارة لاحتلال الجنوب اللبناني، تركناهم حتى وقعوا في الفخ وانفجر لغم في احدى الآليات، وعندما حاول الباقون الهرب قطعنا عليهم الطريق فبدأوا بإطلاق النار، فاستخدمنا مدفعا لضربهم".
.. في الجيش
تقديراً لكل التضحيات التي قدمها وخصوصاً في معركة المالكية، أصبح كامل رستم لبنانياً بكل ما للكلمة من معنى، فمن يقاوم ضد الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني يستحق أن ينال شرف الجنسية اللبنانية.. وقد منحته الدولة اللبنانية مع بعض المتطوعين لمواجهة الاحتلال الجنسية اللبنانية. كما انه بموجب مرسوم وقرار حكومي أصبحوا جنوداً في الجيش اللبناني. وهكذا أصبح المتطوّع اليوغوسلافي كامل رستموفيش رقيباً في الجيش اللبناني يدعى كامل رستم, وذلك في 1/4/1950.
لم يتنازل كامل رستم عن عمله العسكري، اذ عاد ليخدم في فوج المدفعية الذي كان مقرّه في بيروت "الأونيسكو". وبعد أشهر انتقل الى الفوج الخامس في أبلح مدرّبا لعناصر الفوج.
ومن أبلح انضم كامل رستم الى فوج القناصة في منطقة مرجعيون ليمارس هناك وظيفة مدرّب مدرعات ومصفّحات, اختصاص ميكانيك وقيادة. وعندما شُكّلت كتائب المصفحات الثانية في مرجعيون عام 1956 كان في عديد هذه الكتائب التي انتقلت في ما بعد الى بيروت عام 1958, وما لبثت أن عادت الى ثكنة صور حيث بقي فيها حتى العام 1961. وبين ذلك العام والعام 1979, سنوات طويلة تابع خلالها رستم الخدمة في صفوف الجيش باندفاع وانضباط وشجاعة.
ومن الأحداث المهمة التي ما زالت راسخة في ذاكرته التي بحثنا فيها، ما جرى له في العام 1972 أثناء انتقال فوج المشاة الرابع من الحدود الجنوبية الى بيروت على متن الدبابات، حيث تعرّض الفوج في منطقة بين صور والقاسمية لكمين نصبه مسلحون أطلقوا على القافلة نيران الصواريخ.. وبشجاعته وحكمته استطاع رستم أن يسيطر على الوضع, فاضطر المسلحون للانسحاب ووصلت القافلة الى بيروت سالمة.
وفي العام 1979 كان لا بد لتضحيات هذا الرجل من أن تأخذ فترة استراحة نهائية، فسُرّح من الجيش برتبة معاون أول يحمل على صدره وسامي الحرب وميدالية الاستحقاق الفضية الى البرونزية والميدالية العسكرية.
ثمانون عاماً مضت وما زالت أوسمة كامل رستم اليوغوسلافي تحفظ له تاريخه النضالي، لتكون شاهدة على عمر رجل ضحّى منذ شبابه حتى مشيبه.
تزوج كامل رستم من كريمة شقير من بلدة ميس الجبل التي أقام فيها فترة من الزمن، ورزق بـ(12) ولداً.. وحتى اليوم ما زال يحمل في ذكرياته لمحات من ماضيه العريق، ويؤكد في ختام لقائه أن المقاومة في لبنان متفوقة الى درجة عالية، وشبابها يتحلون بالشجاعة والمعنويات العالية، خاصة في الدفاع عن أرض لبنان، الأرض التي دافعت أنا والكثير من الشهداء والمجاهدين عنها منذ ما يزيد على خمسين سنة، وهم اليوم يدافعون ضد هذه "الدولة العظمى" بجيشها الذي استطاعت المقاومة ان تحوله الى "الجيش الذي يُقهر".
أمل شبيب
الانتقاد/ العدد 1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007