ارشيف من : 2005-2008
السيد نصرالله يفاجىء العدو مرة اخرى
كتب جهاد حيدر
رغم سياسة الاحتواء التي بدأ الكيان الاسرائيلي بانتهاجها في مواجهة خطابات ومواقف الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، بعد الشعور بخطورة ومفاعيل تأثيره على الرأي العام الاسرائيلي، ورغم التحذيرات المتكررة التي اعلنتها جهات متعددة ورغم ما تضمنته شهادات بعض القيادات الاسرائيلية الاساسية حول مدى تأثير شخص السيد خلال مواجهة عدوان تموز الماضي على لبنان.... تهاوت كل القرارات التي اتخذت والسدود التي رفعت عندما اخذت شاشات التلفزة الاسرائيلية تخطر جمهورها بمقابلة سماحة السيد الامر الذي وضعه، وقادته، في حالة "من الترقب والانتظار"، كما عبر مقدم برنامج سياسي على القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي "يارون لندون".
لم يقتصر الامر على ذلك بل احتلت بعض الفقرات، المتصلة باعلان السيد عن وجود اشلاء لجنود اسرائيليين قتلوا خلال العدوان على لبنان بحوزة حزب الله، العناوين الرئيسية لنشرات الاخبار المتلفزة وعناوين الصحف الرئيسية ولمواقع الانترنت الاخبارية.
وضمن هذا السياق اقر معلق الشؤون العربية في القناة العاشرة، "تسفي يحزقيلي"، بالاهتمام الكبير الذي فرضته اطلالة السيد على المعلقين والمراسلين الاسرائيليين بالقول "لقد تسمرنا امام الشاشة التي تحدث من خلالها السيد حسن نصر الله واستمعنا إليه، ولكل كلمة أو أشارة أو حركة قام بها لمدة ثلاث ساعات وخمس دقائق". هذا من دون ان ننسى ما كشفه احد خبراء الحرب النفسية رون شيلفر (مؤلف كتاب الحرب النفسية) من ان "كل اجهزة استخباراتنا ووحداتنا ومكتب رئيس الحكومة يجلسون جميعا ويدرسون خطاب نصر الله حيث يتم الغاء العطل وتتكون اطنان من العمل بسبب لقاء طويل اجراه في المساء".
وفي هذا المجال يبدو واضحا ان سماحة السيد نجح مرة اخرى، في مفاجأة العدو، ووجه له ضربة من حيث لا يحتسب وفي الوقت الاكثر حساسية بالنسبة له (عشية صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد). ولا يخفى ان هذا الامر كان بعيدا عن دائرة احتمالات قادة العدو وما يؤكد ذلك انه لو كان حاضرا لما اجرى عملية تبادل منذ فترة قصيرة على جثة "المدني" الاسرائيلي الذي كان موجودا بحوزة حزب الله، من دون ان يشمل هذه الاشلاء. وكتعبير عن وقع الصدمة والمفاجأة اقر موقع اذاعة جيش العدو على الانترنت بوقع ما اعلنه سماحة السيد على الكيان الاسرائيلي بالقول "مرة اخرى يطلق امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله مفاجأة مؤلمة باتجاه اسرائيل. ويقول في حوزتي اشلاء لجثث جنود من الجيش الاسرائيلي خلفها على ارض جنوب لبنان".
ويتجلى مرة اخرى نجاح السيد في فرض جدول الاعمال الذي يريد وفي الوقت الذي يحدده، عندما تصدَّر كلام السيد عن اشلاء الجنود الاسرائيليين الموجودة بحوزة حزب الله العناوين الرئيسية واجبر قيادات سياسية الى التحذير العلني من الوقوع في فخ نصر الله... وفي هذا المجال يؤكد شيلفر (خبير الحرب النفسية) "اننا نرقص وفقا لنغمة نصر الله" الذي يهدف برأيه، الى هز اعصاب دولة اسرائيل "واضافة القشة التي تقصم ظهر البعير".
محاولة التفاف فاشلة
رغم انهم في البداية حاولوا، في الكيان، التشكيك والنفي من خلال الايحاء بأن السيد نصر الله اطلق الاقوال التي ادلى بها لأنه يشعر بأنه مضغوط على خلفية تقدم الاتصالات لاطلاق الجندي الاسرائيلي الاسير في غزة جلعاد شاليط. لكنهم لم يتأخروا في الانتقال الى اطلاق اشارات على امكانية صحة ذلك. وفي هذا السياق كشف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس "عاموس هرئيل" عن ان "المؤسسة الأمنية تتعامل بحذر مع تصريح أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، بأن في حوزة حزبه أشلاء تابعة لجنود من الجيش. وفي إسرائيل لا يستبعدون احتمال أن يكون نصر الله يقول الحقيقة. مع الأخذ بعين الاعتبار بيئة الحرب في لبنان في صيف 2006 وحقيقة أن جنود كثر قتلوا جراء إصابات خطرة من العبوات والصواريخ المضادة للدبابات" ليخصلوا في النهاية الى امكانية ان يكون حزب الله "يحتفظ واقعا بأشلاء جنود، رغم أن الأمر لم يكن معروفا حتى اليوم في إسرائيل."
تساؤلات وحيرة
لم تكتفي وسائل الاعلام الاسرائيلية بعرض ما ادلى به السيد نصر الله بل حاولت تحليله وفهمه، واستضافت لذلك العديد من الخبراء ومما ورد في هذا المجال تساءلت الاذاعة الاسرائيلية الناطقة باللغة العبرية، بعد اشارتها الى ان السيد نصر الله يقوم في كل فترة بتنبيهات وصدمات لدولة اسرائيل، عن اسباب اختيار نصر الله الحديث عن هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات وعما سيتغير بعد الاسبوعين القادمين، عندما يظهر ان كانت اسرائيل جدية في نواياها في التفاوض لتبادل الاسرى. وضمن نفس الاطار قال مراسل الاذاعة للشؤون العربية، إيران زينغل، "لا شك ان هذه الورقة في يد زعيم حزب الله هي المسيطرة الان، وقراره هو رفع الثمن في الصفقة التي تتبلور مع اسرائيل". وحلَّل المراسل نفسه توقيت اختيار نصر الله وحديثه حول فترة الاسبوعين الى ثلاثة بالقول "لننظر الى الرزنامة السنوية ونرى ما سيحصل بين 15 كانون الثاني/ يناير واخره ـ اصدار تقرير فينوغراد ـ، على ما يبدو، ولا يجب استبعاد هذا الاحتمال لان حسن نصر الله يستعد لاصدار هذا التقرير، ويريد ان يكون داخل هذا الحفل".
وعبَّر الخبير بالشؤون اللبنانية والسورية البروفيسور "ايال زيسر"، خلال مقابلة مع الاذاعة نفسها، عن اعتقاده بأن لديه شيء وهو يعتقد انها بقايا لاسرائيلي، واكد انه "ينبغي على المؤسسة الامنية فحص ذلك، ونحن نذكر الصفقة التي حصلت قبل عدة اشهر حيث تبين لحزب الله انها جثة مدني اسرائيلي، قد يكون هناك شيء ما، وهو غير متأكد مما لديه".
اما على مستوى القيادات السياسية فقد دعا نائب رئيس الحكومة ورئيس حزب شاس الديني ايلي يشاي الى تجاهل كلام نصر الله الذي يحاول اللعب على الوتر الحساس بالنسبة لاسرائيل. واعتبر انه من المناسب تجاهله وعدم التفاوض معه لأن اي تعليق على كلامه هو بمثابة "صب الزيت على النار". اما موشيه فايغلين، احد قيادات حزب الليكود المتطرفة، فقد شدد على صدق نصر الله واعتبره "صادق اكثر من زعامتنا، وانا لا اخشى من قول هذا للجمهور بعمومه، الذي ادرك خلال الحرب انه اذا كان هناك زعيم يمكن تصديقه في هذا الصراع، فهو نصر الله زعيم العدو، وليست قيادتنا". وذهب احدهم الى التذكير بسابقة ضرب البارجة الاسرائيلية ساعر 5 خلال العدوان على لبنان وتبيان كذب القيادات الاسرائيلية عندما نفت ذلك بداية.
لكن ما هو ملفت في كل هذه الاجواء هو اقدام احد مقدمي البرامج السياسية على القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي، "لندون كيرشنباوم"، على التعبير عما جرى بالقول "ربما قد يُفهم من كلامي أنني متطرف، لكن لا بد من التأكد بأننا شاهدنا السيد حسن نصر الله صاحب الشخصية التي تنم عن إنسان متوازن بشكل غير عادي، إنسان عميق بفهمه وكبير بعقله وبإحاطته بالأمور والتطورات، إنسان منطقي وعقلاني، نعم ومن الطبيعي اننا لا نعرف كل الأمور، وعليه يمكن القول أيضا ربما انه على حق.
من اعلام العدو
حالوتس وموفاز يقران بأن تجنب عملية برية خلال حرب لبنان كان بسبب الخوف من الخسائر البشرية
اقر رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الاسرائيلي دان حالوتس في نقاشات داخلية للأركان العامة في ذروة حرب لبنان الثانية، عندما كان على جدول الأعمال الانتقال من ضربة جوية إلى عملية برية ضد الكاتيوشا، اقر بأن "عملية برية في لبنان هي ليست ضمن التفويض الذي أعطتنا إياه الحكومة وليست من مصلحتنا حيال الجمهور الإسرائيلي أو حيال المجتمع الدولي". وقصد حلوتس بذلك أن الجمهور الإسرائيلي يجد صعوبة في تحمل خسائر في المعركة. كما أن وزير المواصلات شاؤول موفاز، بصفته كان سابقا رئيس هيئة أركان ووزير دفاع، ذكر الأمور كما هي، في الأسبوع الثالث للحرب، منبّها في إحدى جلسات المجلس الوزاري المصغر، بأن "الجمهور أكثر حساسية لجنودٍ قتلى من خسائر في الجبهة الداخلية".
والامر نفسه ينطبق الان خلال الحديث عن عملية عسكرية برية واسعة في قطاع غزة: اذ ان عدم استعداد الجمهور الإسرائيلي لدفع ثمن دموي إزاء عملية عسكرية مازال الاعتبار الأساسي -نتيجة انعكاساته السلبية أو الإيجابية. وتتمثل الايجابية بأن المستوى السياسي وقيادة الجيش يدرسان كل أمر محتمل لتحاشي عملية عسكرية برية، كون إنجازاتها مشكوك بها ويتوقع أن يكون ثمنها مؤلم. وهذا عمليا السبب الأساسي لعدم شن عملية برية في غزة حتى الآن. والسلبية، لأن الحساسية الإسرائيلية من الخسائر قد تسبب العجز، حتى عندما تكون العملية البرية ضرورية. ويعتقد كثير من الضباط أن الجيش كان عليه السيطرة على مناطق في القطاع طوال الوقت، لمنع إطلاق صواريخ القسام. وكما يقول احدهم ان "مهمتنا بالذات: منع المس بالمدنيين حتى لو كان الثمن سقوط اصابات في صفوف الجنود".
المصدر: معاريف عامير ربابورت/4/1/2008