ارشيف من : 2005-2008
المدير العام لمشروع "وعد" المهندس حسن جشي لـ"الانتقاد": الضاحية حتماً ستعود أحلى
"أواخر العام 2008 أو أوائل العام 2009 مفترض أن يكون العمل منتهيا".. وعد قطعه المدير العام لمشروع "وعد" المهندس حسن جشي لأهالي الضاحية الجنوبية التي دمرت ممتلكاتهم ومتاجرهم بالعدوان الإسرائيلي في تموز/ يوليو 2006.. فترة قصيرة نسبياً، ولكنها واعدة برغم الكم الهائل من الدمار الذي ألحقته الآلة العسكرية الإسرائيلية بـ(281) مبنى دُمرت جزئياً أو كلياً. تلك هي فلسفة المشروع التي أراد حزب الله أن ينفذه بقلب مطمئن "خدمة لهؤلاء الناس الذين ضحوا وحضنوا المقاومة الأبية، واستحقوا منا كل الجهد والعرق والتعب".. يقول جشي الذي يجهد وثلاثين مكتباً استشارياً متخصصاً في البناء والتخطيط والتصميم لإعادة النسيج الاجتماعي الذي كانت الضاحية تنعم به، إنما من باب إعادة البناء بطابع معماري حديث وعصري، وربما الأول من نوعه في لبنان.
جولة في مكنونات مشروع "وعد" مع مديره العام جشي الذي يتحضر لانطلاق المشروع في القريب العاجل.
* أين تضع مشروع "وعد" من ناحية السياسة العمرانية مقابل سياسة التدمير الإسرائيلية؟
ـ مشروع وعد هو مشروع رد على كل العدوان الذي حصل.. هو مشروع انطلق من فكرة أساسية هي كيف نستطيع أن نؤمن للناس الطيبين الذين حموا المقاومة أن يعودوا إلى العزة والكرامة بالسرعة الممكنة. فبعد أن وضعت الحرب أوزارها جرت لقاءت كثيرة بين المعنيين في هذا الجانب، وبعدها كان هناك لقاء للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مع الناس ليشاركهم آراءهم في كيفية إعادة بناء الضاحية الجنوبية مرة ثانية بعد العدوان.. وكان هناك فكرتان: الفكرة الأولى التي اصطلح عليها في ما بعد بالصيغة الأولى، وتقوم على أساس أن يتفق الناس في ما بينهم ويأخذون التعويضات من الدولة، وما تبقى لاستكمال البناء حزب الله يغطي كلفته الإضافية.
الفكرة الثانية أو الصيغة الثانية تقوم على انه في حال لم يتفق الناس، هنا يمكن أن يقوم حزب الله بإعادة البناء بتوكيل من هؤلاء الناس. هاتان الفكرتان طُرحتا وبعدها وزعت الاستثمارات على الناس لمعرفة أي صيغة يريدون، فكان أغلب الناس يريدون الصيغة الثانية. هنا كان لا بد من إنشاء مؤسسة معينة أو مشروع معين نحفظ لهؤلاء الناس من خلاله ثقتهم بإعادة الإعمار، عندها أطلقت جمعية "جهاد البناء" مشروع "وعد" لإعادة اعمار الضاحية الجنوبية.
* مشروع "وعد" من ضمن مؤسسة "جهاد البناء"؟
ـ فلسفة المشروع تقوم على إعادة الناس إلى مكانهم بخدمات عصرية.
ـ طبعاً، لذلك نقول ان هذا مشروع من مشاريع "جهاد البناء" وليس مؤسسة ولا شركة، حيث وُضعت سياسة عامة له، وعلى ضوئها تشّكل المشروع الذي انبثقت عنه هيئة استشارية معمارية من كبار المهندسين في البلد يملكون السمعة الجيدة والرصيد المعماري الجيد في البلد.. منهم رئيس هيئة المعماريين العرب المهندس محمد إسماعيل فياض ورئيس قسم العمارة في جامعة (ال ايه يو) المهندس مارون دكاش، ورئيس القسم المعماري في نقابة المهندسين المهندس جاك هوام، ورئيس قسم العمارة في الجامعة اللبنانية الفرع الثاني معهد الفنون (سابقا) ومنسق الدبلوم في الفرع الأول الدكتور محمود شرف الدين، والدكتور محمد دندشلي أستاذ جامعي وعضو نقابة المهندسين، والمهندسة هناء علم الدين مسؤولة عن قسم تنظيم المدينة في الجامعة الأميركية.
ـ كلفة مشروع "وعد" تقدر بنحو (350) مليون دولار.
* ماذا عن المخطط التوجيهي للمشروع؟
المخططات التوجيهية موجودة سابقا، أي المنطقة منظمة، لكن فيها بعض الثغرات لجهة بعض الاستملاكات التي يجب أن تستملكها لتحييها، ولتفتح بعض الشوارع فيها (مثل شارع الشورى). من هنا كان لا بد من إعادة تشكيل التكوين المعماري للمنطقة بشكل جماعي، كأن نعمل على توحيد الأرصفة، بحيث ستجد أرصفة مثلما هي موجودة في أي مدينة بالعالم، واستحداث مواقف للسيارات في الطوابق السفلية، وإقامة حدائق عامة في (3) عقارات يُعمل على شرائها واستملاكها، بحيث يستحدث تحتها "باركينغ". المهم هو إعادة النسيج الاجتماعي للمنطقة حتى لا تبقى هذه المنطقة بعيدة عن تاريخها وذاكرتها وماضيها.
* ما الفرق بين مشروع "وعد" ومشروع شركة عقارية كما هي حال "سوليدير"؟
ـ الفرق هنا أن هذا المشروع أصعب، باعتبار أنه يعيد المباني إلى الأماكن التي كانت فيها. قبل الحديث عن الصعوبة سأتحدث عن فلسفة المشروع الأساسية، وهي أن تعيد نفس النسيج الاجتماعي إلى محيطه وأن تعيد نفس القاطنين الى مواقعهم وأن تعيد صاحب الدكان وصاحب المتجر وصاحب صالون الحلاقة وصاحب الشقة، تعيد بعض الجيران الى بعض، أي تعيد النسيج نفسه، ولكن بتشكيل معماري جديد وبخدمات أفضل، برغم العوائق الموجودة، التي هي قانونية. أما "سوليدير" فكان من الأسهل أن تجرف الأرض كلها وتعيد بناءها وتضم الأملاك كلها وتجعلها ملكية واحدة لشركة واحدة، وتبني مثل ما تريد.. لكن السؤال: هل أعادت "سوليدير" الذاكرة إلى بيروت؟!
* .. لهذه الأسباب لم تقبلوا بمشروع الشركة العقارية؟
ـ الشركات العقارية تعمل على تجريد الناس من ملكيتهم! يعني أنت تذوّب ملكية المواطن في الأسهم، بينما نحن نحافظ على ملكيته، فالشقة هي ذاتها والبيت هو ذاته والبناية ذاتها، حتى انه لا ينتقل إلى عقار آخر.
* ما قيمة مشروع "وعد" مقارنةً مع مشاريع حصلت في العالم بعد نكبات وحروب؟
ـ إذا عدنا إلى المشاهد التي كنا نراها في حرب تموز، كان الناس يعّبرون عن هدم بيوتهم ومحلاتهم وأماكنهم بطريقة عفوية، ويقولون "فدا المقاومة".. إذاً قيمة مشروع "وعد" أن هذه المقاومة التي تحملت الحرب وقدمت الدم والشهداء وقدمت الغالي والنفيس، هي ذاتها ترجع إلى شعبها وتحقق انتصاراً آخر بعملية إعادة الإعمار. فقيمة المشروع هي في كيفية حفظ ناسك وكيف تكون وفياً لهم بأن تعيدهم مرة ثانية إلى بيوتهم في أقصى سرعة ممكنة.
* تحدثت عن عوائق؟
ـ هناك عوائق سياسية، اليوم أي شخص يحق له أن يوكل فلاناً بمهام أو ببعض المسائل، وهي توكيلات خاصة أو عامة وفق القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.. اليوم عندما لا تعترف بالوكالات ولا تنفذ هذا القانون، أليس هذا عائقا؟ مضت تسعة أشهر على انتهاء الحرب، وإلى الآن لم تُستكمل الملفات! بينما حزب الله بفترة وجيزة جدا لم تتجاوز شهرا ونصف الشهر استطاع أن يحصي الناس ويعوض عليهم ويوفر لهم الإيواء، بينما الدولة امكاناتها معروفة ولها أجهزتها ووزاراتها ولا تستطيع أن تعمل شيئاً، أليس هذه من العوائق؟! هناك عوائق تكون بسبب بعض الإشكالات التي كانت موجودة، مثلا هناك دعاوى إفلاس، حجوزات، رهونات على بعض البيوت، منازل غير مفرزة، هذه المسائل نتابعها كلها عبر القسم القانوني مع المؤسسات الدائنة والبنوك والمؤسسات لتحرير الوضع وترتيبه وإعادة البناء إلى ما كان عليه.
* هل فرض شيء على الناس؟
ـ لم يفرض شيء، لأن الناس أحيانا يضحون بالمصلحة العامة، وهذا يربكك، وخاصة اننا نريد احترام القانون وتنفيذ المخططات كما هي، فنحن نعمل تحت سقف القانون.
* .. اذا حصل تفاوت بين البناء الحديث والمحيط البيئي، كيف نجد الحل؟
ـ هذا ما حاولت أن أقوله عندما تحدثت عن موضوع النسيج الاجتماعي وعمرانية المنطقة. طبعا هناك مبانٍ تعمر من 2007، وهي ليست بنفس التقنية والشكل الذي عمرت فيه في الثمانين، مع ذلك توقف العمل في الأقسام المشتركة والواجهات في المباني المقابلة لمنطقة مشروع "وعد" على أساس أن يكون هناك عمل متمم لها، ليحاكي ويتناغم مع المباني الجديدة.
* هل هذا العمل سيمتد إلى أحياء سليمة ليس فيها أي مشكلة؟
ـ أساسا الشوارع في حارة حريك لا تقل عرضا عن شوارع بيروت، مثلاً شارع الشورى (18) مترا، لكن المشكلة كانت في كيفية تنظيم الشارع والرصيف، وكيفية التعاطي مع مواقف السيارات وبعض المستودعات المتقّدمة.
وأقول ان المشروع يعمل فيه (30) مكتبا استشاريا في لبنان، أي ما يقرب (500) مهندس يعملون في لبنان بمشروع "وعد".
* متى سيبدأ التلزيم؟
ـ التلزيم سيكون على دفعات، على قاعدة اننا لا نستطيع أن ندخل في الملف دفعة واحدة لأسباب لوجستية. نحن وضعنا فترة سنة لكل بلوك، بحيث يُسلم فور الانتهاء منه. ووفقاً للجدول الزمني أعتقد انه أواخر العام 2008 أو أوائل العام 2009 مفترض أن يكون العمل منتهياً، يعني على القلم والورقة. طبعا هناك مبانٍ ستُسلم قبل منتصف 2008.
* كيف يُموّل مشروع "وعد"؟ وما كلفته؟
ـ لتمويل المشروع شقان: الأول تعويضات الدولة، والثاني الجمعيات والمؤسسات الدولية. وهنا أذكر على سبيل المثال صندوق التنمية الكويتي الذي تبنى إعادة اعمار نحو اثني عشر مبنى، وهي أبنية ممتدة من شارع حارة حريك وصولاً إلى طريق المطار. وهذه التجربة بالإمكان أن تُعمم على كل الدول المانحة، ونحن ليس لدينا مشكلة. نحن حتى الساعة لدينا بحدود (281) مبنى مهدما جزئياً وكلياً، و(4) مبانٍ خاضعة للفحص. يعني نحن نتحدث عن كلفة بنحو (350) مليون دولار تقريباً، فضلا عن البنى التحية التي تقع على عاتق مجلس الإنماء والإعمار من الهبات المقدمة إلى الدولة اللبنانية.
* هل من تنسيق؟
ـ هناك تواصل دائم مع مجلس الإنماء والإعمار ووزارة المهجرين وصندوقها وشركة "خطيب وعلمي"، ومتعاونون إلى أقصى الحدود.
* مشروع بهذا الحجم.. هل من شركات لمتعهدين لبنانيين قادرة على الإيفاء بهذه التعهدات بالسرعة المطلوبة؟
ـ في الحقيقة قمنا بتصنيف شركات ومقاولات لبنانية تقدمت بطلباتها وبلغت حتى الساعة (43) شركة، وما زلنا نستقبل المزيد من الطلبات. نعتقد أن المشروع حتى يستكمل في الوقت الزمني بحاجة إلى شركات كبرى تنجز المشروع.
* هل لديكم قلق؟
ـ نسعى لسد الثغرات، على اعتبار أننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من التلزيم.
* انطلاقا من "وعد"، هل ستغدو الضاحية أجمل كما وعد سماحة الأمين العام لحزب الله؟
ـ بإذن الله حتماً.. وما نقوم به هو تحت هذه القاعدة.
* ما هي الإضافة الحقيقية التي يمكن الحديث عنها في المشروع؟
ـ أهم شيء بالنسبة الينا أن نقوم بعملية تنظيم، كأن نفصل حركة السير عن المشاة، وإعادة البنية الأساسية للمنشأ بشكل جيد، كأن نستحدث حوائط ضد الزلازال، الحوائط المزدوجة التي توفر الطاقة، تبريد وتدفئة، عزل الأصوات، نظام "التأريض"، السلامة العامة للأطفال، السلامة العامة للمصاعد من خلال ازدواجية الأبواب، نظام الإطفاء وجهاز الإنذار، تأمين المياه الساخنة، التمديدات الصحية وفق الأنظمة الأوروبية، منع النش، مناور لكل البناء، شواريق هواء لكل المستودعات مع تهوئة لها.. هذه المواصفات لم تكن موجودة، إضافة إلى تأمين مواقف للسيارات، كذلك بالنسبة الى الحدائق.. والتشجير له حيّز مهم. حتى اننا تطرقنا إلى نوعية الأشجار وأنواعها، واستحداث مظلات في الشوارع تحمي الناس من الأمطار وحرارة الشمس.. كما ألفت إلى أن الاستشاريين لدينا هم وطنيون متحمسون ومعماريون جديرون ومتطوعون لم يأخذوا أجراً.
* بماذا تعد الناس؟
نحن نعد بأننا سنعمل بكل طاقة لنكون في خدمة هؤلاء الناس الذين ضحوا وحضنوا المقاومة الأبية، هؤلاء يستحقون منا كل الجهد والعرق والتعب. والضاحية ستبقى رمزاً لشرفاء قاتلوا وعملوا في كل الساحات.
أجرى الحوار: أمير قانصو وحسين عواد
تصوير: موسى الحسيني
كبار المهندسين يشرفون على أعمالها: وعد.. البناء بمواصفات عالمية
للإطلاع على مراحل عمل الهيئة الاستشارية المنبثقة عن مشروع "وعد" التقت "الانتقاد" عددا من المهندسين الاستشاريين، وهم من كبار الخبراء في لبنان، ومشهود لهم بخبرتهم وطول الباع في عالم البناء والعمارة والتخطيط والتصاميم الهندسية...
الانتقاد/ العدد 1216 ـ 25 ايار/مايو2007