ارشيف من : 2005-2008
واشنطن وحسابات الخيبة
كتب إبراهيم الموسوي
تخطئ الإدارة الأميركية كثيراً، ويخطئ حلفاؤها من اللبنانيين، إذ يظنون أن رفع النبرة التهويلية وقرع طبول الحرب، مدعّماً بالأساطيل وشبيهاتها من السفن الحربية التي تستعرض عضلاتها أمام شواطئنا، يمكن أن يغير الواقع أو يدخل معطيات جوهرية تبدّل من وجهة الصراع، أو تعدّل من مواقف المعارضين للمشروع الأميركي في المنطقة.
من المعروف أن سياسة واشنطن في المنطقة تسير في خط بياني انحداري واضح، وكذلك الأمر بالنسبة الى حلفائها من أنظمة وجبهات سياسية، في حين أن من ناصبتهم واشنطن العداء يتقدمون بخطى ثابتة باتجاه تثبيت جبهة مقاومة وممانعة متينة استطاعت أن تهزم المشروع الأميركي في غير منطقة عربية وإسلامية: (العراق وأفغانستان)، وأن تلحق به خسائر فادحة وتعطّل اندفاعته في أماكن أخرى: (لبنان وفلسطين).. وبالتالي فإن التهويل الحاصل يهدف إلى رفع معنويات حلفاء واشنطن وأذنابها في المنطقة أكثر مما يعبّر عن قدرة أميركية فعلية على البدء بعدوان جديد ليست له أي حظوظ من النجاح، فضلاً عن أن الخيارات السياسية التي يمكن أن تشكل تعويضاً عن الخسارة العسكرية أو تحفظ ماء وجه أميركا غير متيسرة لها حتى الآن.
واشنطن اليوم أمام حائط مسدود على المستويين السياسي والعسكري، وهي ترزح تحت أزمة اقتصادية حقيقية خانقة بعد أن كشفت الأرقام أن تكلفة فاتورة الحرب على العراق قد ارتفعت ما يزيد على عشرة أضعاف التقديرات التي احتسبت قبل بدء العدوان. كذلك فإن فشل حلفائها الإقليميين في تشكيل رافعة أو عامل إسناد حقيقي ينقذها من المستنقع الذي غرقت فيه، أو يوقف مسيرة انحدارهم أمام قوى المقاومة والممانعة، قد أسهم في تعميق أزمة الإدارة الأميركية بشكل كبير، وأجبرها على التدخل مباشرة لإسنادهم وشد أزرهم، وهو ما رتب أعباءً إضافية باهظة على واشنطن، فوّتت عليها حيزاً مهماً من هامش مناورة كان من الضروري أن يتوافر لديها كي تستطيع إيجاد خيارات بديلة لمأزقها المتعمق، من أول قوس الأزمات في أفغانستان والعراق مروراً بطهران وسوريا ولبنان وصولاً إلى غزة.
واشنطن تبحث اليوم عن تسوية غير موجودة، لأن الظروف التي قد تأتي بتسوية لم تنضج بعد. وجُلّ ما يمكن لإدارة بوش أن تطمح إلى تحقيقه راهناً، يتلخص بإمكانية التوصل إلى هدنة مؤقتة تتيح لها إعادة تجميع أوراق القوة إذا ما وُجدت، لإعادة ترتيب جبهة حلفائها، بانتظار ظروف أكثر نضوجاً لاستعادة الزخم إلى مشروعها المتهالك. وعليه فإن إمكانية قيام واشنطن بحرب واسعة وشاملة هو أمر متعذر حالياً ومستبعد أيضاً، ولكن ذلك لا ينفي أن تلجأ إلى استراتيجية قطع الرؤوس واتباع سياسة الإنهاك الطويلة لأعدائها، من خلال عمليات اغتيال تصيب رؤوساً في المقاومة في فلسطين ولبنان، مع مواصلة تكثيف الضغط على الجبهة السورية ـ الإيرانية، من خلال تشديد الحصار واتخاذ سلسلة من العقوبات الإضافية.
هل تنجح واشنطن في إخراج تسوية تحفظ لها بعض ماء الوجه، أم يكون الأمر متعذراً أيضاً؟
بالإجابة عن السؤال، فإن واشنطن لم تعد أمام خيارات مريحة أو بدائل جاهزة، وهي ستمارس الواقعية السياسية في أكثر صورها فجاجة توصلاً إلى التسوية المزمعة، ريثما تلتقط أنفاسها وتعيد ترتيب أوراقها وأوراق حلفائها. ولكن دون التسوية أثمان لا بدّ لها من دفعها، وهي أثمان من النوع التكتيكي، ولكنها ستكون ذات صلة عميقة بالحسابات الاستراتيجية التي قد تقفل حسابات واشنطن جزئياً في المنطقة الى مدى لن يكون قصيراً بالتأكيد.
الانتقاد/ العدد 1258 ـ 14 آذار/ مارس 2008