ارشيف من : 2005-2008

العدو تحت المجهر: كيف سيواجه أولمرت مفاعيل تقرير فينوغراد

العدو تحت المجهر: كيف سيواجه أولمرت مفاعيل تقرير فينوغراد

كتب جهاد حيدر
لا يستطيع المتابع للتطورات الاسرائيلية ان يتجاهل الموقف الذي اطلقه رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت بأنه لن يقدم استقالته من منصبه مهما كان مضمون التقرير النهائي للجنة فينوغراد، مع كل ما ينطوي عليه هذا الموقف من ابعاد وتساؤلات.
في البداية لا بد من التذكير بأن اولمرت اطلق هذا الموقف لمناسبة اقتراب موعد صدور التقرير النهائي للجنة التحقيق في فشل القيادتين السياسية والعسكرية خلال العدوان الاخير على لبنان (اواخر الشهر الجاري).
ويبدو واضحا من خلال التسريبات الاعلامية ان قليلين سيخرجون نظيفين منه، برغم أنه لن يتضمن توصيات شخصية، وان احد الاتجاهات التي تلوح في الأفق هي توجيه انتقاد مهني لاذع لقادة الجيش، الذين لم يحذروا أولمرت ووزير الدفاع عامير بيرتس، عديمي التجربة، من ان 60  ساعة لن تكفي لتحقيق انجازات حقيقية في الخطوة الأخيرة، التي حاول فيها الجيش الإسرائيلي عبثا الوصول إلى نهر الليطاني.
كيف سيواجه اولمرت مفاعيل وتداعيات تقرير فينوغراد؟
كشف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس (28/12/2008)، عاموس هرئيل انه لمواجهة ذلك "يعمل جهاز المتحدثين باسم رئيس الوزراء بإنتاجية كاملة، والهدف هو تحصين أولمرت، بشكل يشل المطالبة باستقالته". وعرض هرئيل الوسائل التي قد يلجأ اليها طاقم اولمرت لتحقيق هذا الهدف منها: اجراء محادثات مع صحافيين لتوجيه كتاباتهم في الاتجاه الذي يخدم اولمرت وعقد لقاءات مع الوزراء وعقيلاتهم، مقابلة "نادرة" في القناة الثانية مع عاليزا أولمرت تركز على الجانب الانساني للعائلة"، واشار هرئيل الى انه قد لا يكون هناك مفر من تسريب مركّز للصحافة الاجنبية يكشف أخيرا عما فعله بالضبط سلاح الجو في سوريا في 6 ايلول من اجل اجهاض الحركات المتوقعة لاسقاط اولمرت.
ويبدو واضحا ايضا انه سيتم استغلال زيارة الرئيس الاميركي جورج بوش المرتقبة الى اسرائيل والتركيز على ابعادها السياسية والاستراتيجية بشكل يؤدي الى الالتفاف واحتواء اي حركة شعبية تطالب باسقاط اولمرت، بغض النظر عن مدى نجاح ذلك ام لا.
كما يبدو من الان ان اولمرت يستغل "مهرجان" انابوليس لتقديمه كشخصية تسعى لتحقيق تسوية تاريخية مع الشعب الفلسطيني واسقاطه سيؤدي الى ضياع هذه الفرصة. ووفقا لما نقلته هآرتس (28/12/2008)، "منذ الان، وبفضل مؤتمر انابوليس يبدو أن اجزاء واسعة في اليسار اقتنعوا انه يمكن أن ننسى وادي السلوقي (حيث تلقت اسرائيل ضربات قاسية في مواجهة مجاهدي حزب الله خلال عدوان تموز الماضي)" واخذت هذه الجهات تعتبر ان "أولمرت هو الحصن الجديد".
في هذه المناسبة يعالج وزير الدفاع الاسبق موشيه ارينز محاولة اولمرت التفلت من عقوبة تسببه بالحاق "الهزيمة الحربية الأولى التي تمنى بها باسرائيل منذ اقامتها". ويقول ان "التوصيات التي توصلت اليها اللجنة بعد أشهر من المداولات وسماع الشهادات، كانت بديهية بالنسبة لأغلبية الإسرائيليين فور موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار وهي "ان اسرائيل خسرت الحرب". وحمَّل ارينز اولمرت مسؤولية هذا الفشل بسبب الطريقة التي اديرت بها الحرب في الوقت الذي كانت فيه تملك كل الاسباب والامكانيات والظروف والادوات لتحقيق النصر.
واعتبر ارينز ان الوضع الذي ساد بعد نشر التقرير الاولي والتوقعات والاهتمام الذي اثاره في اوساط الجمهور ازاء التقرير النهائي، اتاح لاولمرت "هامشاً زمنياً كان يحتاج اليه من أجل الحصول على فرصة ثانية". وفسر ذلك بالقول انه "كلما مر الوقت تحول التقرير النهائي إلى مسألة غير ذات صلة ،والى مواصلة أولمرت لنهجه اللامبالي"، حتى وصل الى "جرأة متصلفة عبر القول انه لا ينوي البتة الاستقالة بعد نشر التقرير النهائي".
واطلق ارينز، في هذا السياق، تحذيرا خطيرا من ان "الجهاز السياسي الذي لا يعاقب قادته بسبب اخفاقاتها قد يقود امة للمصيبة والنكبة"، موجها في ذلك سهام الاتهام نحو الكنيست الذي يملك ادوات الرد بصورة اكثر سرعة من صناديق الاقتراع التي تفرض الانتظار حتى انتهاء الولاية.
وناقش ارينز مسألة عدم اسقاط اولمرت بالرغم انه بالامكان ذلك وبالرغم من ان فشله كان واضحا خلال الحرب.
واعتبر ان الأمر ينبع من ظروف بائسة، تبدأ من تداخل المصالح الحزبية الضيقة والشخصية بالابعاد السياسية العامة، ومن حقيقة ان الكتلة الأكبر في الكنيست والطرف المركزي في الائتلاف هي "كاديما" التي هي ليست حزباً، وأعضاء الكنيست التابعون لها عيّنهم ارئيل شارون وأولمرت، وبالتالي فإن فرصة اعادة انتخابهم في اي انتخابات مقبلة ضئيلة، الامر الذي يدفعهم الى تجنب التسبب بأي انتخابات مبكرة بما فيها اسقاط اولمرت. ولفت ارينز الى ان حزب العمل، الشريك الرئيسي في الائتلاف، برئاسة وزير الدفاع ايهود باراك الذي يدفع ثمن فشله كرئيس للوزراء، يتجنب "العودة إلى الصحراء السياسية" عبر الاستقالة من الحكومة. ووجه كلامه الى وزير التهديدات الاستراتيجية افيغدور ليبرمان بوصفه "المرساة التي يقوم عليها الائتلاف"، وتنبيهه بأن عليه ان يفهم بأن التهديد الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل في هذا الوقت هو بقاء رئيس الوزراء الفاشل في منصبه. ليضيف الى هذا "الحلف غير المقدس" القوى اليسارية التي يعتبر ان لديها امنيّة واحدة ووحيدة وهي عودة إسرائيل إلى حدود حزيران 67.
امام هذا الواقع يعتبر ارينز ان أولمرت السياسي الحاذق يدرك جيداً هذه الحسابات الرياضية داخل ائتلافه. وان عليه ان يبعث الآمال في نفوس اليسار لانه يقود إسرائيل للعودة إلى خطوط حزيران.
لماذا سامح الجمهور الاسرائيلي غولدا مائير ومناحيم بيغن ويطالب اولمرت بالاستقالة؟
يجزم بعض الخبراء ان السجال حول الحرب على لبنان وما رافقه من اداء القيادتين السياسية والعسكرية لن ينتهي بصدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد وانما قد يعززها اكثر من اي وقت مضى.
وانطلاقا من تجارب سابقة يلاحظ ان الجمهور الاسرائيلي لم يُحمِّل رئيسة الوزراء الاسرائيلي غولدا مائير عام 1973 عندما فاجأ الجيشان المصري والسوري اسرائيل بهجوم صاعق على الجبهتين... ولم يُحمِّل الجمهور ايضا مناحيم بيغن اخفاقات حرب لبنان الاولى حتى فيما يتعلق بردود الفعل الشعبية على مجازر صبرا وشاتيلا, والامر نفسه قامت به لجنة اغرانات التي حققت في نتائج حرب العام 73 ولجنة كاهان في مجازر صبرا وشاتيلا.
في المقابل نجد ان اولمرت مطالب الان جماهيريا بتحمل نتائج الهزيمة في لبنان، وتعزز هذا المطلب بعد صدور التقرير الاولي. فلماذا يحمل الجمهور اولمرت المسؤولية وهو ما لم يفعله مع غولدا ومع بيغن؟
غولدا اعتبرت بريئة لأنها لا تعرف شيئا عن الشؤون الامنية في حين كان هناك وزير دفاع مجرب، موشيه ديان، تولى الاشراف على الجيش نيابة عنها. وميزت ردود الفعل الشعبية بين القاء المسؤولية على غولدا وبين القائها على ديان.
كما اثنت لجنة اغرانت على أداء غولدا عشية الحرب وخلالها وعبرت عن تسامحها مع سلوك موشيه دايان  (وقررت في سياق ذلك انه لا يتحمل مسؤولية خاصة بسبب خلفيته الأمنية)، وبذلك رسمت خطاً فاصلاً واضحاً بين مسؤولية المستوى السياسي وتلك التي يتحملها المستوى الامني والعسكري. وهكذا ادينت في حينه القيادة العليا للجيش بالاداء الفاشل، وكانت هي العنوان للمحاسبة على ذلك. وهكذا قرر الجمهور واللجنة ان نتائج المعركه المخيبه للآمال لم تنبع من أداء رئيس الوزراء المختل، وانما من اداء الجيش غير المرضي في الحرب.
بيغن لم يتهم بفشل حرب لبنان في (العام 1982)  لأنه يعتبر رئيس وزراء عديم الخبرة الامنية، ولذلك أودع المسألة بيد خبير معروف وهو اريئيل شارون. واكدت لجنة كاهان هذا الموقف عندما قررت ان بيغن كان يعتمد على تقارير وزير الدفاع المهدئة والمتفائله. وقررت اللجنة ايضا ان شارون لم يشرك بيغن في القرار الحاسم، بالسماح للقوى اللبنانية بالدخول الى المخيمات في حينه. ولم يحاسب الجمهور بيغن عن  نتائج حرب لبنان الأولى المخيبة للآمال لأنها نسبتها إلى الجيش الذي كان تحت قيادة وزير الدفاع.
اما أولمرت فيجلس في هذه الايام على كرسي الاتهام امام الرأي العام برغم كونه مدنيا وعديم التجربة في القضايا الأمنية، وذلك لأنه لم يعين وزير دفاع ذا تجربة امنية واسعة ومزايا تؤهله للقيام بدوره. وهكذا يبدو ان اختيار اولمرت لعمير بيرتس العديم الخبرة الامنية لمنصب وزير الدفاع هو الذي قاد اولمرت الى المقصلة السياسية. وخاصة ان بيرتس كان وفق التقرير الاولي للجنة فينوغراد فاشلا في أداء مجمل صلاحياته، وكان أولمرت من جهته مشاركاً في كل مرحلة من مراحل الحسم التي ادت إلى الحرب وتطوراتها. ووفق ما عبر عوزي بنزيمان في صحيفة هآرتس فإن "من أودع حقيبة الدفاع بيد شخص ينظر إلى ارض المعركة من خلال منظار مغلق (الذي نقلته شاشات التلفزة في حينه) يكون كمن حمَّل نفسه مسؤولية قيادة الحرب، ولذلك فهو يتحمل المسؤولية عن نتائجها وثمنها".
لكن بالرغم من كل ذلك لا بد من التذكير ان غولدا وبيغن قد دفعا، في نهاية المطاف، الثمن الشعبي المطلوب عن مسؤوليتهما ازاء ما حصل: غولدا خرجت من المعترك السياسي بضغط من الرأي العام وبيغن اغلق الابواب على نفسه في منزله بسبب تأنيبه لنفسه عندما بدا له ان الجيش بدأ يغرق في مستنقع لبنان.
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-11