ارشيف من : 2005-2008
احتلال العراق: أرقام ودلالات
كتب إبراهيم الموسوي
خمس سنوات مضت على الاحتلال الأميركي ـ الغربي للعراق، هي نفسها تاريخ لبدء الهزيمة الأميركية العسكرية والاقتصادية وتراجع مكانتها في العالم، وانحسار نفوذها وتخبطها في أزمات بنيوية. طبعاً، ليس المقصود من هذا الكلام القول إن الولايات المتحدة قد انتهت كنظام القطب الأوحد، ولكن الأكيد أن واشنطن لم تعد كما كانت عليه قبل غزو العراق، وأن دورها آخذ في الأفول، وقدرتها على لعب شرطي العالم القادر على الحسم السريع تتآكل بسرعة.
الإدارة الأميركية اليوم في أسوأ أوقاتها، ومعها الولايات المتحدة، كيف يمكن لدولة عظمى أن تخطئ في الحسابات إلى حد إلغاء الحساب؟ كيف يعقل مثلاً، أن تحتسب أن كلفة الحرب لن تتعدى في أسوأ الاحتمالات الثلاثمئة مليار دولار، فإذا هي تقفز إلى ثلاثة آلاف مليار دولار؟ (3 تريليون دولار) وتطير معها أسعار النفط والذهب، وتصبح قيمة الدولار في الحضيض مقابل العملات الأخرى. ماذا كانت تفعل مراكز الدراسات والأبحاث وجيوش المفكرين والخبراء؟ وما هي قضية سوء التقديرات هذه التي لا تستطيع أسوأ دولة من دول العالم الثالث أو إحدى جمهوريات الموز أن تبتز واشنطن فيها؟
حجتان كاذبتان استعملتهما واشنطن لتبرير احتلالها: القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق، وإحلال الديمقراطية في هذا البلد. تمهيداً لاحلالها في كل المنطقة، اسلحة الدمار الشامل لم يظهر لها أثر حتى الآن، وإحلال الديمقراطية أصبح الشعار الأكثر إرعاباً وإرهاباً لشعوب المنطقة، لأن النموذج العراقي قد أعطى مثالاً رهيباً عن الديمقراطيات التي تنوي واشنطن احلالها في المنطقة. ديمقراطية العراق الأميركية قسّمت العراق إلى طوائف ومناطق متناحرة، وخلّفت وراءها ما يزيد على المليون قتيل وأضعافهم من الجرحى.
ديمقراطية العراق الأميركية هجّرت تسعة ملايين عراقي، نصفهم في داخل العراق ونصفهم الآخر موزعين ما بين سوريا والأردن ولبنان ودول الخليج.
ديمقراطية العراق الأميركية دمّرت معالم الحضارة والمدنية في العراق، ولم تسلم منها المتاحف والمراكز الأثرية والتاريخية.
ديمقراطية العراق الأميركية أنتجت فرقاً للموت تطارد كل العلماء العراقيين وأهم الاكاديميين المبرّزين في الميادين العلمية، فقتلت منهم الآلاف.
ديمقراطية العراق الاميركية جلبت معها كل ذئاب شركات النفط الأميركية للانقضاض على الثروات العراقية ونهبها، ولكنها لم تفلح حتى الآن في تمرير اتفاق النفط الذي يسلب العراقيين حقوقهم.
ديمقراطية العراق الأميركية جعلت من إحدى أغنى دول المنطقة أكثرها فقراً وتسولاً حتى لقطرة النفط التي تعوم عليها.
بعد خمس سنوات على غزو العراق أصبحت الأهداف الأميركية أكثر تواضعاً، لم يعد إحلال الديمقراطية أولوية ولا حتى هدفاً للغزو، أما أسلحة الدمار الشامل فأصبحت نكتة سمجة ممجوجة لا يمكن التحدث عنها، ماذا بقي من أهداف الغزو؟ ولماذا لا ينسحب الأميركيون من العراق؟ اميركا تبحث اليوم عن أية تسوية تضمن لها مخرجاً يحفظ بعض ماء الوجه من بلاد الرافدين، وهي تستعمل لذلك سياسة التفاوض الساخن مع كل من طهران ودمشق، أما ايران وسوريا فلا يبدو أنهما حاضرتين لإلقاء طوق النجاة لإنقاذ الاميركي الا من خلال سلة تفاوض كاملة، وخاصة أنه وحلفاءه يستمرون في قرع طبول الحرب في المنطقة، ويهددون ويهوّلون ضد أطراف المعارضة ودول الممانعة فيها.
الادارة الاميركية اليوم لم تعد تستطيع أن تقدم أي وعد بالنصر في العراق، وأجواء الناتو تبشّر بالهزيمة في افغانستان، وتتوجس خيفة مما يجري في باكستان، وتقر بالعجز حيال ايران، أما الشعب الاميركي فيرى بغالبيته (64%) ان الانتصار لم يعد ممكناً، وهم يريدون من بوش وإدارته ان يجتهدا في محاولة انقاذ الوضع الاقتصادي وليس في تأزيم الوضع العسكري.
يقولون إن اميركا اليوم هي كالنمر الجريح، وإن احتمالات ان تقدم هذه الادارة الغبية على شن حرب جديدة أمر وارد جداً حتى اللحظة الأخيرة من فترة حكم بوش، ولكن الصحيح ايضاً أن أغبى الأغبياء قد تكون له صحوة ما تمنعه وتمنع بلاده من الانحدار إلى القاع، فهل يكون العراق صحوة لبوش وإدارته؟
ليس هناك فرصة أكثر مناسبة لبوش كي يصحو مثل فرصة العراق، أما إذا قرر الحرب، فلن يتأخر هذه المرة طويلاً، قبل أن يعلن الهزيمة!
الانتقاد/ العدد1259 ـ 21 آذار/مارس 2008