ارشيف من : 2005-2008

الثورة الإسلامية في إيران.. هدية غيبية

الثورة الإسلامية في إيران.. هدية غيبية

العنوان الذي يتصدر هذه المقالة، ويعرِّف الثورة الإسلامية الإيرانية، التي انتصرت على الظلم والطغيان، بقيادة الإمام الخميني (قده) في الحادي عشر من شهر شباط عام تسعة وسبعين، يرتكز في مضمونه الى صاحب الثورة وقائدها الذي خط قلمه هذه الكلمات في "وصيته الخالدة" التي تركها لعشاق نهجه والسالكين طريقه، وللأجيال التي ستأتي من بعدهم.‏

من قراءته الدقيقة للواقع السائد قبل انتصار الثورة الإسلامية، يخلص الإمام الخميني الى أن هذه الثورة قد انتصرت بالتأييدات الإلهية الغيبية، وأنه لولا يد الله القادرة لما أمكن لستة وثلاثين مليوناً، من أبناء الشعب الإيراني، أن يثوروا صفاً واحداً ونهجاً واحداً في جميع أنحاء البلاد، ويزيحوا بنداء "الله أكبر"، وبتضحياتهم المحيِّرة، التي ضاهت المعجزات، جميع القوى الداخلية والخارجية، ويتسلموا مقدّرات البلاد، وذلك بسبب أساليب التفرقة التي لا تُحصى، من الخطباء والكتّاب والصحف، ومجالس الخطابة والأندية، التي كانت كلها تعمل ضد الإسلام وضد الوطن، فضلاً عن الوسائل الأخرى التي تبعد جيل الشباب عن القيم الأخلاقية، ورقي الوطن، وتجرُّه الى الفساد واللامبالاة، مثل مراكز اللهو والفحشاء، والقمار والُمسكِرات والمخدِّرات، التي أعدَّها النظام الفاسد بقياده الشاه، وأبيه من قبله، لإبعاد هذا الجيل عن أهدافه النبيلة.‏

ويُضاف الى هذه العوامل التي كانت عائقاً أمام الانطلاق في هذه الثورة، وضع الجامعات والثانويات والمراكز التعليمية، التي كانت تُودَع في أيديها مقدّرات البلد، حيث كانوا يوظفون المعلمين والأساتذة المنبهرين بالغرب وبالشرق، المعارضين مئة في المئة، للإسلام، والثقافة الإسلامية، بل والوطنية الصحيحة، وذلك باسم الوطنية، فضلاً عن العمل على انزواء العلماء الروحانيين وعزلتهم، والانحراف الفكري الذي وقع فيه كثير منهم جراء قوة الإعلام، كما يقول الإمام الخميني (قده).‏

كل هذه العوامل مجتمعة كانت تقف سداً منيعاً وحائلاً قوياً أمام الانطلاق في هذه الثورة المباركة، التي رد الإمام الخميني سر انتصارها الى يد الغيب الإلهية القوية التي شاءت لهذا الشعب المظلوم أن ينتصر على أعدائه.‏

ولكن الإمام الخميني (قده) لم يذكر في "وصيته الخالدة" العامل الأساس الذي كان وراء تحريك وتأجيج هذه الثورة، وكان السبب والدافع والملهم في هذه المواجهة القاسية، التي تطلبت بذل الجهود الجبارة، والتضحية العظيمة، في سبيل إنجاحها، وهذا العامل الأساس الذي تعمّد إغفاله تواضعاً، لم يكن سوى الإمام الخميني نفسه، حيث نجده قد أغفل ذكر أي إشارة، ولو صغيرة، الى دوره العظيم في متابعة وقيادة وتوجيه هذه الثورة.‏

قبل أيام "عشرة الفجر" كان الإمام الخميني في المنفى، في الضاحية الباريسية "نوفل لو شاتو"، يصلي في منزله، فحدثت حركة غير عادية خلفه، وكان في المنزل ولده السيد أحمد، وعدد من مرافقيه، وبعد أن أنهى الصلاة التي يؤديها، أخبروه بأن الشاه قد هرب من إيران، فقال لهم الإمام: هل من أمر آخر تريدون إخباري به؟ فقالوا: لا. فقال لهم: دعوني أكمل نافلتي.‏

الإمام الخميني، يريد إكمال نافلته، ولا يقطعها حتى لو كان الخبر فرار الشاه من إيران، وبعد إكماله لنافلته، كان قرار الإمام الحاسم هو العودة الى إيران، وبرغم كل التحذيرات له من مغبة الإقدام على هذا الأمر، إلا أنه صمم على العودة، وفي الجو كان الإمام نائماً، والآخرون قلقين جداً من احتمال إسقاط الطائرة، إلا أن الإمام كان مطمئناً الى أن يد الغيب ستحميه وستنصره على الشاه، فعاد الى أحضان شعبه في اليوم الأول من شهر شباط عام ستة وسبعين، وقاد الثورة ضد فلول الشاه الذين حاولوا السيطرة على الحكم، إلا أن إرادة الله كانت أقوى من إرادتهم، وانتصر الإمام الخميني على أعداء الله وأعدائه نصراً عزيزاً بعد عشرة أيام من عودته.‏

يقول الإمام الخميني (قده) في "الوصية الخالدة"... "بناءً عليه لا ينبغي الشك أبداً في أن الثورة الإسلامية في إيران تختلف عن جميع الثورات في التكوُّن، وفي طريقة الصراع والمبارزة، وفي هدف الثورة والنهضة.. ولا تردُّدَ أبداً في أن هذه تُحفة إلهية، وهدية غيبية من قبل الله المنان، تلطَّف بها على هذا الشعب المظلوم المنهوب".‏

إن الإمام الخميني (قده) الذي رأى ببصيرته الطريق الى النصر، فسلكه، وصل الى مبتغاه، من خلال نصرته لله "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".‏

عدنان حمّود‏

الانتقاد/ ملف / العدد 1148 ـ 10 شباط/ فبراير 2006‏

2006-10-30