ارشيف من : 2005-2008

تعمية الخيانة

تعمية الخيانة

أعرني قلماً لئيماً رجساً وسلفني قرشاً بخساً وجردني من الضمير والوجدان المستنير، وخذ مني جعجعة فارغة وقلباً للموازين وشهادة للزور.
عجبت كل العجب من التكرار لتلك العبارة السافلة الخيانة!!
وأعجب أيضاً من أي امرئ يتهم بها آخر..
وأعجب أكثر وأكثر، ممن يمارس تلك الفعلة، ويأبى أن يوصف بها، وأشد ما أمقت، من التبست عليه المفاهيم ـ إن نحن أحسنا الظن وسلمنا بحسن نيته ـ والا فانه قد عرف الحقيقة فحاول تعميتها والدفاع عن فاعل الذنب (الخيانة) لترويج المنكر بين العباد ويستحل إفساد البلاد!!!
دعونا ندقق النظر في العبارات السالفة، ونمحص ماهية كلٍ منها، أول ما يجب التدقيق به، أن وصف العبارة (الخيانة) بالسافلة هو غير صحيح، الصحيح هو أن العبارة إذا انطبقت على الفعل فهي صادقة وهي كشف للحقيقة، ولكن دون ذلك حقل واسع من فعل آخر (هو الاستدلال) وشرطه الصحة والدقة.
إذاً، ما هو السافل؟ الحق أن فعل الخيانة سافل، أو بعبارة أكثر دقة، فاعل الخيانة هو السافل، لارتباط الفعل بالفاعل وترتب الضرر من ذلك الفعل.
والخيانة لا تنفك عن كونها فك ارتباط بين طرفين كفعل الخيانة الزوجية مثلاً، التي يترتب عليها نقض العهد بين شخصين، كالرجل والمرأة.
وقد يكون الطرفان فريقين في وطن واحد، ويترتب على ذلك في بعض مصاديق فعل الخيانة فك ميثاق الدفاع عن الوطن، بالتخلي عن الواجب، وأسوأ ما في ذلك التنكر لابن الوطن الواحد، الذي من شروط وجود الوطن والمشاركة في المواطنية بين الفريقين مواجهة أخطار الأعداء، ولذلك فإن الخذلان وإدارة الظهر لمواجهة العدو هو أدنى درجات الخيانة، أما أشدها سفالة فهو مساعدة العدو على الشريك بأي وجه كانت المساعدة.
وثاني ما يجب التدقيق به، هو الاتهام بالخيانة للآخر، وشرط ذلك أن لا يكون الاتهام مجرد اتهام، دون تقديم الدليل والبيّنة المثبتة لصحة تلك التهمة، ولذلك فهي في الحالة الزوجية تحتاج إلى شهود يثبتون الفعل أو بينات لا يرقى اليها شك، وهي موجودة في عصرنا المتطور تقنياً بوفرة. فالاتهام بالخيانة يحتاج إلى دليل، فمتى توافر الدليل يبطل العجب من الاتهام، ويترتب على ذلك معاقبة المذنب، وفي حال عدم وجود الدليل، فقد يترتب على ذلك معاقبة ملقي التهمة.
وثالث ما يجب التدقيق به، إباء الفاعل للخيانة ورفضه الاتصاف بها، ذلك أن فاعل ذلك يعبّر عن مرحلة صراع مع الضمير فبدلاً من الإنكار، يكون الأجدى له البحث عن التوبة وعدم تكرار الفعل.
أما الرابع الذي يجب تمحيصه فهو من التبست عليه المفاهيم بشقيه، فالشق الأول يعني أنه ليس في مستوى معالجة القضية فليترك الأمر لمن لديه الكفاءة.
وأما الشق الثاني فإن من يحاول تعمية الحقيقة يكون قد أضاف إلى  فعل الخيانة فعلاً أشد خطورة من الأول، وهو الترويج للخيانة والإفساد في مفاهيم العباد.
ومهما كان من أمر فوظيفة التدقيق ليست من شأن أرباب المتاجرة بالسياسة، أو أصحاب الأقلام المأجورة في الصحف ووسائل الإعلام المتنوعة.
والمتعظ هم أولو الضمائر الحية والألباب التي عصمت نفسها من الفساد.
إذاً لماذا لا تعالج القضية حسب الأصول، وتبقى سائبة كما هذا الوطن المنكوب بفعل المفسدين فيه؟!
محمد الموسوي
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو2008

2008-05-23