ارشيف من : 2005-2008

شقيق الزرقاوي واثنان من عائلة بن لادن في لبنان: خلايا تنكشف وسلطات تغطّي عجزها باتّهام الجهاديّين

شقيق الزرقاوي واثنان من عائلة بن لادن في لبنان: خلايا تنكشف وسلطات تغطّي عجزها باتّهام الجهاديّين

ويرفض العبسي المقايضة، دون أن يسمح له موقعه بالتعامل السلبي‏

اشتعلت الحرب في شمال لبنان، وخلال بداياتها شرعت أكثر من اثنتي عشرة خلية نظامية تابعة للقاعدة أو من خلايا «فتح الإسلام» المباشرة تتحرك في طرابلس بانتظار ساعة الصفر لمؤازرة المحاصرين في نهر البارد من خارج المخيم. ونصح بعض القادة الأمنيين لمسؤوليهم السياسيين بالبحث عن «تسوية ما» تحفظ للجيش ولقوى الأمن الداخلي هيبتهما. أكثر الناس اقتناعاً بهذه النصيحة هم من أسهموا في نمو «فتح الإسلام» وسيطرتها على مخيم نهر البارد.‏

وفي جو من حالة استنفار عالية، أثارت سيدة سعودية الهلع في نفوس الأمنيين في مطار بيروت، حين وصلت سافرة وقدّمت جواز سفرها الذي يحمل اسم «بن لادن». وتبيّن أنها إحدى شقيقات الشيخ أسامة بن لادن، إلا أن القوى الأمنية اللبنانية تركتها تدخل الأراضي اللبنانية، إذ لا شبهات حولها، ولكنها أخضعتها لمراقبة، وكل ما قامت به السيدة هو التردد على أصدقاء لها في جنوب لبنان تعرّفت عليهم من حول العالم.‏

وخلال الساعات الثماني والأربعين الأولى من معارك نهر البارد، كان الأردني محمد نزال الخلايلة، شقيق فضل نزال الخلايلة، أو أبو مصعب الزرقاوي، قد دخل إلى البارد، بعدما كان قد انتقل من العراق عبر سوريا إلى لبنان، مع مجموعة تضم 12 عنصراً من جنسيات مختلفة، في منتصف نيسان 2007، ثم دخل إلى البارد بعد بدء الاشتباكات فيه.‏

التحق الخلايلة بالعمل الجهادي بعد مقتل شقيقه، إثر لقاءات جمعته بالدكتور أيمن الظواهري، بناءً على طلب الأخير، الذي أقنعه بمتابعة طريق شقيقه الزرقاوي، وأرسله إلى دورات عسكرية مكثّفة في مناطق جبلية في باكستان، على أن يتابع دورات في التفجير وحرب العصابات في لبنان، قبل تكليفه مهمات خاصة في الأردن. ولكن مع بدء الاشتباكات، كان الخلايلة في مخيم البارد للمشاركة في العمليات الحربية إلى جانب أحد أهم الشخصيات.‏

خلال تلك الحقبة، برزت بضع شخصيات على درجة رفيعة من الاحترام بين الجهاديين، ويمكن سماع أنبائها تتردد هنا وهناك إلى اليوم، إحداها الخارج من العدم، شاهين شاهين، الشاب المتواضع، الذي كان يجيب في البداية على رقم شاكر العبسي الشخصي. في أحد الاتصالات التي أجريت مع رقم شاكر العبسي، أجابنا صوت الشاب، المشوب بتعابير عراقية، الذي لا يمكنه إخفاء لكنته الخليجية، ويصف نفسه بأنه «مرافق الأخ أبو حسين».‏

حريص شاهين دائماً على التحدث بهدوء، وسبق أن وعد بتخصيص مجموعة واسعة من الصور من داخل المخيم، إلا أن ظروف الحصار لم تسمح بذلك. كان يمتاز بالدقة في زمن المكالمات، فهو يعلم يقيناً عدد الدقائق اللازمة لإنهاء المكالمة قبل أن يتمكّن الجيش من تحديد مصدر الإشارة الصادرة عن الخلوي.‏

وحين يدخل أحد المفاوضين إلى مخيم نهر البارد، يصف كيف جلس وانتظر حتى دخل عليه شاب والتعب باد على محياه، وعلى ساقه رباط يضمد جرحه، ويقول الشاب: «أنا شاهين شاهين»، ويعلن أمام المفاوض «أن تنظيم القاعدة يرى أنه جرى توريطه في هذه المعركة». ويستند الداعية فتحي يكن حينها إلى هذه العبارة ليقول إن من يواجههم الجيش هم تنظيم القاعدة ولا أحد آخر.‏

ومنذ برز اسم شاهين كأحد مسؤولي إدارة العمليات العسكرية لفتح الإسلام في البارد، والنطق باسم التنظيم والتفاوض مع لجنة علماء فلسطين ومع غيرها، انشغلت الأجهزة الأمنية في محاولة اكتشاف هوية هذا الرجل.‏

في منتصف حزيران 2007، طلبت إحدى الجهات الأمنية اللبنانية على وجه السرعة معرفة هوية الرجل، وبعد طول تدقيق، تأكدت الجهات اللبنانية من أن شاهين هو ابن الشيخ أسامة بن لادن، وأنه تمكن من الدخول إلى المخيم المحاصر بعد أيام من بداية المعارك، وكان الغرض من دخوله تولّي إدارة العمليات العسكرية.‏

ابن أسامة بن لادن هذا، هو سعد. وكانت المعلومات الأخيرة عنه تفيد بأنه في الإقامة الجبرية في إيران. وصل سعد إلى لبنان في نيسان 2007، وعبر الحدود تهريباً بمساعدة أحد المسؤولين الجهاديين اللبنانيين علي ح. المولود في القرعون، والمتهم بالمشاركة في حوادث الضنية، وتولّى علي ح. تأمين انتقال سعد إلى البارد.‏

كان سعد بن لادن قد أمضى فترة عقب وصوله إلى لبنان في البقاع الغربي لدى أحد الناشطين الجهاديين، وانتقل بعدها إلى إحدى البلدات العكارية. وصل إلى لبنان بداية بعد تكليفه من المسؤول في القاعدة أبو مصطفى اليزيد، الذي كان من أبرز مسؤولي المحاسبة والشؤون المالية في إحدى شركات أسامة بن لادن في السودان، الإشراف على الخلايا النائمة للتنظيم الدولي في لبنان، وخاصة بعدما تحول سعد بن لادن إلى أحد أبرز المسؤولين في فرع العمليات والأنشطة الخارجية للقاعدة.‏

وفور وصوله إلى لبنان، شرع سعد في تركيب خلايا أمنية للقاعدة وتنظيمها بالتنسيق مع عدد آخر من المسؤولين الجهاديين، المتحالفين مع القاعدة في لبنان. كما أشرف على عمليات نقل الذخائر إلى البارد، وخاصة تلك الصفقات التي كان يجريها الفلسطيني ناصر إ.، وهو من تجار السلاح ومن أبرز الجهاديين.‏

وإن كانت قيادة الجيش قد أعلنت مقتل شاهين، لم يتأكد الخبر من مصدر مستقل، كما لم يُنعى الشاب الذي دخل المخيم تسلّلاً، وتوزعت المعلومات بين مقتله إثر نزاع مع العبسي، وتمكّنه من الفرار مع المجموعات التي انسحبت في نهاية المعارك.‏

ولم ينقض شهر حزيران دون انكشاف مجموعة أخرى من مجموعات القاعدة، التي تمُتّ أيضاً بعلاقات وروابط دم إلى المجموعات القاعدية، حين قبضت القوى الأمنية على زوجة كمال ط.، الملقب بـ«أبو عمر»، والمقيم في دوحة عرمون، والمتأهل من شقيقة أمير تنظيم القاعدة في منطقة الموصل العراقية. حُقّق مع زوجته مدة أسبوعين قبل أن يفرج عنها.‏

ويعدّ كمال ط. نفسه من القادة في تنظيم القاعدة في العراق، وكان من الذين وضعوا «بنكاً للأهداف» إذا قررت القاعدة تنفيذ عمليات في لبنان، إلا أن معارك البارد أدّت إلى اعتقال زوجته، وبدأ كمال بالتخطيط للفرار، بعد شكوك بشأن مشاركته في عمليات ضرب اليونيفيل.‏

في الشمال، منع التركيب المعقّد لـ«فتح الإسلام» والمجموعات القاعدية المتحالفة معها، أي جهاز أمني، سواء لبناني أو سوري، من تكوين صورة كاملة عن التنظيم وما يقوم به والمجموعات الحليفة. لكن التركيبة المعقّدة نفسها أدت في لحظة خلل واحدة إلى انفجار الوضع.‏

وكانت «فتح الإسلام» قد عاشت ازدهاراً جعلها تؤلّف مجلس شورى، وتضع خريطة لأهدافها أهمها: الإمساك بالساحة الفلسطينية، والاستعداد لمهمات أمنية ضد القوات الدولية والمصالح الأجنبية وفق تعليمات القاعدة.‏

حاولت الأجهزة الأمنية في تلك الفترة تغطية فشلها في ضبط أعمال العنف الأهلي، والاغتيال والتفجيرات في المناطق اللبنانية، فكانت من ناحية تلصق التهم بـ«فتح الإسلام»، وتتذرّع بالفراغ الأمني في المخيمات لتغطية فشلها، وتصرف ملايين الدولارات على الرواتب للأجهزة الأمنية وتوسّعها دون طائل. وحين حاول ضابط في فرع المعلومات دهم شقة شارع المئتين في طرابلس، ما أدّى إلى انفجار المعركة في نهر البارد، كان الضابط مزوّداً أجهزة تنصّت متطورة سمحت له برصد مكان وجود المجموعة المطلوبة، التي كانت مجموعة دعم للقاعدة في لبنان، وتعمل بحماية «فتح الإسلام»، وكان ضمن هذه المجموعة أفراد مطلوبون للسعودية، بعد اعتقال بسام حمود في المملكة. وخلال الاشتباك الأول مع المجموعة المحاصرة في شارع المئتين، أصيب الضابط في ساقه، دون أن يعلن عن إصابته حينها.ومع انفجار المعارك، كانت مفاجأة الأجهزة الأمنية اللبنانية كبيرة. فرغم مبالغتها في تصوير «فتح الإسلام» كحالة قتالية، فقد فاقت هذه الحركة توقعاتها.‏

جهاديون يسألون: من أين تأتي الصحف بأخبارها؟‏

ــــــــــــــــ‏

تبادل الخدمات‏

بعد وصول العبسي إلى مخيم نهر البارد، تلقّى زيارة مفاجئة، لم تكن من دون تمهيد، ولكن لم تكن أيضاً من ضمن يوميات المخيم أو المسؤول الجهادي الذي لطالما كان مطارداً في المرحلة الأخيرة من حياته، والمطلوب للسلطات الأمنية بعد مقتل جندي من الجيش اللبناني في البقاع... إذ استقبل العبسي نائباً شمالياً دخل إلى المخيم للقائه، وقال النائب لأبو حسين: إن لدى حزب الله نيّة لضرب السنّة في لبنان، ونحن مستعدون لمساعدتكم شرط الوقوف مع السنّة والدفاع عنهم. فأجاب العبسي: أنا لا أريد أن أقاتل حزب الله ما دام يقاتل إسرائيل. مع إصرار النائب على العبسي، تعهّد أبو حسين: «إذا تعرّض (حزب الله) للسنّة فسأقاتله». وكان ذلك في اعتقاد النائب، هو أقصى المطلوب، وجرى الاتفاق بينهما، وكان من ضمن بنوده حصول «فتح الإسلام» على موازنة شهرية وبطاقات خاصة من جهاز رسمي لتسهيل تنقلات عناصر التنظيم مع أسلحتهم.‏

المصدر: صحيفة الاخبار اللبنانية، التاريخ: 14/3/2008‏

2008-04-14