ارشيف من : 2005-2008
نحو إعادة بناء قضية فلسطين ومنظمة التحرير (2 من 2)
ثالثا: المخرج من الأزمة
إذ تبدو القضية والمنظمة والسلطة في حال بائسة، وشعب فلسطين في حال حبوط وضياع، فإن البحث في منهج الخروج من الأزمة إلى الحل يجب ان ينطلق من حقيقة ساطعة هي ضرورة التلازم في إعادة بناء القضية والمنظمة معاً، بمعنى ان لا سبيل ولا جدوى من إعادة بناء المنظمة إن لم يسبقها او يرافقها على الأقل جهد مكثّف لإعادة بناء القضية. ذلك ان احد الأسباب الرئيسة لتصدّع المنظمة وتراجعها إنما هو تجويف الميثاق الوطني الفلسطيني، بما هو روح القضية وعنوانها، بسلبه مضمونه التحريري الثوري المقاوم، وتحويله مجردَ برنامج مرحلي لتنظيم سياسي عامل في ظل الاحتلال، يسعى من خلال المفاوضة، لا المقاومة، إلى توسيع صلاحيات سلطة الحكم الذاتي.
إن الطلاق شبه البائن بين ميثاق المنظمة المفرغ من مضمونه التحريري الثوري المقاوم وسلوكية السلطة الفلسطينية المهادنة لحكومة إسرائيل من جهة، وتمسك بعض التنظيمات بنهج المقاومة ضد الكيان الصهيوني من جهةٍ أخرى، أدى، من بين أسباب أخرى، إلى شلّ المنظمة وتعطيلها، ما أساء أيما إساءة إلى أصالة القضية ومركزيتها في الحياة العربية والإسلامية. من هنا تنبع ضرورة إعادة بناء القضية في وعي جمهورها الفلسطيني ووعي الأمة على النحو الآتي:
* إن مركزية القضية شرط لبقائها حيّة ولتوسيع قاعدة جمهورها، وبالتالي لضمان أولويتها وفعاليتها بين قضايا العرب والمسلمين.
* لذلك يقتضي، في عملية إعادة البناء، الحرص على إعادة توكيد مركزية القضية وسط عالم متغيّر ومكتظ بقضايا أخرى لها جماهيرها وأولوياتها.
* لعل السبيل الأفضل والأجدى لإعادة توكيد مركزية القضية إنما يكمن في توضيح مركزية إسرائيل في نظام الأمن الإقليمي للمنطقة ودورها المركزي في خدمة استراتيجيا الولايات المتحدة في المحافظة على أمن مصالحها النفطية، وما يتطلبه ذلك من إضعاف للكيانات السياسية العربية المحيطة جغرافياً بالكيان الصهيوني، والتقاء مصلحة أميركا مع مصلحة إسرائيل بأن ضمانة إضعاف تلك الكيانات هي في تفكيكها وتفتيتها للحؤول دون قيام قوة إقليمية مركزية في البرزخ الممتد بين الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والساحل الشرقي للخليج العربي ـ الفارسي.
* يقتضي أن يتأسس على هذا الربط بين مركزية دور إسرائيل الأمني والتفكيكي في المنطقة وحاجة الولايات المتحدة الى دورها هذا في حماية مصالحها النفطية، ربطٌ مقابل بين المقاومة لتحرير فلسطين من الصهيونية من جهة والكفاح من اجل تحرير المنطقة من الهيمنة الأميركية من جهةٍ اخرى، وصولا الى إقامة الدولة العربية الاتحادية بما هي القوة الإقليمية المركزية الكفيلة بحماية أمن دول المنطقة وحريتها ومصالحها ونمائها.
بإعادة بناء القضية وتعريفها وتوصيف دورها على هذا النحو، يصبح تحرير فلسطين طريقاً مؤدية الى وحدة العرب، كما ان وحدة العرب تصبح بدورها طريقاً مؤدية إلى تحرير فلسطين.
في ضوء هذا الفهم الإستراتيجي لقضية فلسطين ومركزيتها في حياة العرب والمسلمين، يقتضي الشروع في إعادة بناء منظمة التحرير وفق الأسس الآتية:
* المنظمة هي الكيان الوطني الحقوقي والسياسي لشعب فلسطين والأم الحاضنة والمربية لكوادر دولته الديمقراطية المستقلة.
* تنهض المنظمة، بالصفة والغاية المبينتين أعلاه، بجملة ادوار على النحو الآتي:
(أ) برلمان الشعب، فالمجلس الوطني الفلسطيني هو أعلى سلطة تقريرية وتشريعية ورقابية في المنظمة.
(ب) قيادة الشعب، فاللجنـة التنفيذية هي أعلى سلطـة قياديـة وإجرائية وتنظيمية في المنظمة. وبهذه الصفة، فإن اللجنة التنفيذية هي حاكمة السلطة الفلسطينية ومرشدتها والساهرة على حسن أدائها بما يحقق الأهداف العليا للميثاق الوطني الفلسطيني.
(جـ) ممثل الشعب، فالمنظمة من خلال مؤسساتها وأجهزتها هي الممثـل الشرعي لشعب فلسطين، ولها وحدها الصفة والصلاحية للتفاوض باسمه مع الدول والحكومات والهيئات الدولية.
(د) عدم جواز الجمع بين عضوية اللجنة التنفيذية وسائر أجهزة المنظمة مـن جهة، ورئاسـة وعضوية الحكومة في السلطة الفلسطينية من جهةٍ اخرى. يمكن، في ظروفٍ استثنائية، تجاوز هذه القاعدة بإجازة صريحة ولمدة محددة بموجب قرار من المجلس الوطني الفلسطيني.
* يعاد بناء المنظمة وفق الأسس الإجرائية الآتية:
(أ) تتوافق القوى الفلسطينية الحية على تأليف لجنة وطنية تحضيرية مؤلفة من 12 شخصية فلسطينية مستقلة من بين أعضاء الاتحادات النقابية والمهنية الفلسطينية الذين لا يشغلون ولم يسبق لهم ان شغلوا مناصب قيادية مدنية أو عسكرية في المنظمة أو في السلطة، مهمتها إجراء أوسع المشاورات من أجل وضع نظام القواعد الإجرائية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني.
(ب) ترفع اللجنة التحضيرية نظام القواعد الإجرائية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني إلى اللجنة التنفيذية للمنظمة للمصادقة عليه واعتماده دونما تعديل ووضعه موضع التنفيذ. كما تقوم بتوزيعه على مختلف التنظيمات العاملة داخل المنظمة وخارجها، وعلى قيادات الاتحادات النقابية والمهنية العاملة من أجل الدرس وبيان الرأي.
(جـ) يُستحسن ان يرتكز نظام القواعد الإجرائية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني على أساس ان يقوم الفلسطينيون حيثما يوجدون، داخل فلسطين وخارجها، بالتصويت للوائح مرشحين بعدد أعضاء المجلس كحدّ أقصى، مؤلفة من محازبين لتنظيمات معينة أو لمستقلين خارج التنظيمات أو للوائح ائتلافية تضم محازبين ومستقلين، على ان يؤلف شعب فلسطين كله بشتى مجتمعاته وجماعاته وأفراده دائرة انتخابية واحدة، وان تُحتسب نتائج الاقتراع على أساس قواعد التمثيل النسبي لتأمين صحة التمثيل الشعبي وعدالته.
(د) إذا أخفقت اللجنة التنفيذية للمنظمة، لأي سبب من الأسباب، في المصادقة على نظام القواعد الإجرائية لانتخاب أعضاء المجلس ووضعه موضع التنفيذ خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ إحالته عليها، تقوم اللجنة التحضيرية باستفتاء مختلف قيادات التنظيمات الفلسطينية العاملة وقيادات الاتحادات النقابية والمهنية على النظام المذكور خلال شهر من تاريخ انتهاء المهلة المعطاة للجنة التنفيذية. وإذا حصل النظام على موافقة غالبية التنظيمات والاتحادات، يصار إلى وضعه موضع التنفيـذ سواء وافقت اللجنة التنفيذية على ذلك لاحقاً او عارضته لأي سبب من الأسباب. وتتولى اللجنة التحضيرية إجراء العملية الانتخابية ومراقبتها بالتعاون مع التنظيمات السياسية والاتحادات النقابية والمهنية التي وافقت على نظام القواعد الإجرائية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني.
(هـ) يدعى الأعضاء المنتخبون إلى الاجتماع خلال مدة أقصاها شهران من تاريخ إعلان النتائج، فيقوم أول مجلس وطني فلسطيني ذي طابع تأسيسي ديمقراطي في تاريخ فلسطين المعاصر.
(و) للمجلس الوطني الجديد ان يعدّل النظم الإجرائية المعتمدة في انتخاب رئيسه وأعضاء مكتبه وانتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية وسائر الهيئات المنبثقة منه، أو ان يقوم بتفعيلها كما هي لضمان الغاية المتوخاة منها.
(ز) تنظر اللجنة السياسية المنبثقة عن المجلس الوطني في التقرير السياسي والتوصيات المقترح اعتمادها المقدم من اللجنة التحضيرية، وتُجري عليه التعديلات اللازمة قبل عرضه على الهيئة العامة للمجلس من أجل مناقشته وإقراره.
(حـ) يُستحسن ان يتضمن تقرير اللجنة التحضيرية وبالتالي التوصيات المراد إقرارها من طرف المجلس الوطني المواقف الآتية:
1ـ التأكيد على ان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد لشعب فلسطين، والسلطة التقريرية والتشريعية الأعلى في ما يخـص حقوقه ومصالحه وشؤونه العامة، داخل فلسطين المحتلة، لا سيما الضفة الغربية وغزة، وخارجها، وأن لا صفة ولا شرعية لأي سلطة أو إدارة أو جهاز لا يحظى بثقتها وإجازتها.
2ـ الإعلان عن عدم ثقتـه بتركيبـة السلطـة الفلسطينية القائمة، وبالحكومتين القائمتين في رام الله وغزة، وتكليف اللجنة التنفيذية للمنظمة الاضطلاع بمسؤوليات وصلاحيات الحكومة بالطرق السياسية والإدارية المناسبة لحين تأليف حكومة وطنية جامعة تنفذ سياسة المنظمة وفق ما يجري إقرارها في المجلس الوطنـي، واعتماد مناهجها وإجراءاتها في اللجنة التنفيذية للمنظمة.
3ـ الإعلان عن عدم التزام المنظمة ومن ورائها الشعب الفلسطيني بأي اتفاق مع دولة الكيان الصهيوني سابق لتاريخ انتخاب المجلس الوطني الجديد ما لم يجرِ إقراره مجدداً مع التعديلات الواجبة من طرف المجلس أو اللجنة التنفيذية للمنظمة.
4ـ الإعلان عن ان ثورة شعب فلسطين من اجل تحرير الأرض والشعب من الاحتلال الصهيوني، وحق العودة بلا قيود أو شروط إلى الديار، وإقامة الدولة الديمقراطية المستقلة، وأن أعمال المقاومة الجارية والتي تجري في هذا السياق إنما هي جزء من ثورة شعوب الأمة وأمم عالم الجنوب من أجل إنهاء الهيمنة الأميركية وكسر سيطرتهـا على الثـروات والموارد الطبيعية، والمواقع الإستراتيجية، والأسواق التجارية، والنظم السياسية، والتأكيد على حق الأمم المقهورة والمقسّمة في استعادة حريتها ووحدتها، وحقها غير القابل للتصرف في معاملتها على أساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والاتفاقات المتفرعة عنه، وحقها في التنمية المستقلة وفي وقف المخاطر البيئية المصدّرة إليها من الدول الصناعية الكبرى والتعويض عليها والمشاركة في معالجة آثارها الكارثية.
5ـ الإعلان عن أن إصلاح المنظمة وتطويرها وضمان فعاليتهـا ليس مجرد قرار بل هو مسار، وان المجلس الوطني يوصي بتأليف لجنة دائمة للإصلاح والتصحيح والتطوير لتتولى هذه المهمة الجليلة.
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2007