ارشيف من : 2005-2008

أوّل لقاء صحافي مع أحد الضبّاط الأربعة المعتقلين سياسياً: اللواء علي الحاج يكشف لـ"الانتقاد" أسرار علاقته بالحريري.. وخبايا التحقيق ( النص الكامل)

أوّل لقاء صحافي مع أحد الضبّاط الأربعة المعتقلين سياسياً: اللواء علي الحاج يكشف لـ"الانتقاد" أسرار علاقته بالحريري.. وخبايا التحقيق ( النص الكامل)

منذ اعتقاله في 30 آب/أغسطس 2005، واللواء علي الحاج ينأى بنفسه عن تناول التحقيق في اغتيال شخص لطالما أؤتمن على روحه وربطته به علاقات طيّبة ومتينة، هو الرئيس رفيق الحريري، مراهناً على أن يكون التحقيق الدولي واللبناني شفّافاً، وساعياً نحو كشف النقاب عن الجناة الحقيقيين.
 ولكنّ الحاج، كما الشعب اللبناني، أصيب بخيبة أمل ونكسة كبيرة، من جرّاء عمليات التحوير والتزوير والتلاعب بالحقيقة بما يناسب المستفيدين من هذه الجريمة النكراء، بعدما حشدوا للتحقيق كمّاً من شهود الزور لم تر أيّة قضيّة مماثلة مثل عددهم الفضفاض، وبعدما حشوه بالافتراءات، والأكاذيب، والأضاليل.
ولذلك قرّر الكلام وتبيان الحقائق كما هي، فأعلن في أوّل حوار من نوعه مع أحد الضبّاط الأربعة المعتقلين سياسياً، عن حكايته مع الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط، والضابط العامل بإمرته وسام الحسن، واستفاض في الحديث عن عدائية ديتليف ميليس تجاهه، وتزوير الضابط الايرلندي بيتر فيتزجيرالد للحقائق، وعن نقل سيّارات الموكب من عين المريسة إلى ثكنة الحلو، وعن طلب فتح الطريق، وعن توصّل التحقيق اللبناني إبّان عهده على رأس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وتحديداً في اليوم التالي لوقوع الجريمة، إلى حسم كيفية حصول الانفجار من فوق الأرض، ونوع السيّارة المستخدمة، وعدم علاقة الانتحاري المفترض أحمد أبو عدس بالجريمة، وهو ما عاد وأكّده التحقيق الدولي.
وهنا وقائع الحوار/ الاستجواب الذي جرى بالورقة والقلم، داخل سجن رومية المركزي:

ـ أنت متهم بأنّك خنت الأمانة المعطاة لك من الرئيس رفيق الحريري، فكان الثمن أن تمّ الزجّ بك في السجن. هل هذا صحيح؟ وما هو ردّك؟ وكيف كانت علاقتك بالرئيس الحريري الذي كنت مؤتمناً على روحه، وهل هي تدهورت؟ وكيف؟ ولماذا؟

إنّ مفهوم الأمانة هو القيام بالواجبات الموكلة إليك انطلاقاً من الالتزام بالمناقبية العسكرية التي ترّبينا عليها، وهي تعود لسنين خلت، منذ أن كلّف جدّي لوالدي أن يقوم بمهمّة "شيخ صلح" زمن دولة لبنان الكبير، إلى والدي الذي كان ضابطاً في قوى الأمن الداخلي، وصولاً إليّ، ومن ثمّ إلى ابني الذي هو ضابط في قوى الأمن أيضاً، بالإضافة إلى المهنية العالية والإخلاص التام في العمل، وهذا الذي حصل إبان قيامي بمهام قائد سرية الحرس الحكومي بدءاً مع الرئيس عمر كرامي منذ بداية العام 1991، وحتّى شهر أيار/ مايو من العام 1992، ومن ثمّ مع الرئيس رشيد الصلح حتّى نهاية العام 1992، وإلى حين تولّي رئاسة الحكومة المغفور له الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، حيث حاول ضبّاط كثيرون السعي لأن يحلّوا مكاني، لكنّ المدير العام لقوى الأمن أصرّ على بقائي، وأبلغ الرئيس الشهيد بذلك، ففوجئ الأخير بأنّه لم يعط عدّة أسماء للاختيار بينها، كما أنّه لم يتلقّ أيّ اتصال من سياسي أو غيره، بشأني لتسويقي عنده كما حصل مع ضبّاط آخرين، سوى إصرار المدير العام عليّ، والنصيحة التي سمعها من رئيسي الحكومة السابقين أثناء زيارته البروتوكولية لهما بعد التكليف، بخصوصي، وهذا ما شجّعه وطلب مني الحضور إلى مقرّ إقامته، وأبلغني باستمرار المهمّة التي كنت موكلاً بها، وباشرت بالعمل إلى جانبه، وكان يعمل معنا جهاز أمن خاص تابع له يضمّ حوالي مئتي عنصر، ما أضفى على المهمّة حالة من التعقيد للعمل بجهازين أمنيين برأسين، ولكن، وبعد جهد كبير، استطعت إيجاد صيغة مشتركة لإنجاح العمل الأمني، وتلافي الخروق والخلل، بأكبر قدر ممكن.

وخلال العام 1996، كما أذكر، وبعد بلوغ المدير العام للمراسم والعلاقات العامة سنّ التقاعد، وما لهذا المركز من مميّزات لجهة العلاقات مع كافة المستويات الداخلية والخارجية والسلك الخارجي والتي تشكّل الصلة بين رئيس الحكومة وهذه الجهات، فقد طلب الحريري مني أن أقوم بهذه المهمّة إضافة إلى موقعي الأمني، فاعتذرت بلباقة، وعندها طلب منّي تسمية شخص آخر، فسمّيت له الضابط وسام الحسن، فطلب مني أن أقدّم له هذا الضابط، بعد أن يتمّ نقل المدير العام إلى مكان آخر ويعود إلى وزارة الخارجية مكرّماً، وذلك للتعرّف إليه.
وأعود هنا إلى الفترة من منتصف العام 1996 وحتّى نهاية العام 1998، حيث كان وسام الحسن، وهو برتبة نقيب ومن ثمّ رائد، يقوم بمهام المديرية العامة للمراسم بحيث وضعتُ بتصرّفه العدد اللازم من العناصر باللباس المدني لتفعيل العمل وإنجاح المهمّة التي كنت شديد الحرص على إنجاحها نظراً للثقة الكبيرة التي أولاها الرئيس الشهيد لسريّة الحرس الحكومي، وأصرّ على اختيار ضابط منها برغم وجود العدد الوافر من الأشخاص أصحاب المؤهّلات إلى جانبه، بحيث كان وسام الحسن يقوم بمهامه ملتزماً بالتراتبية العسكرية والهرمية الأمنية التي تفرضها الأصول، معتمداً ذلك في كافة جداول السفر التي تنظّم لزيارات الرئيس الشهيد إلى الخارج، وترسل إلى وزارة الخارجية وإلى السفارات في الدول المنوي زيارتها، وكذلك توزّع على أعضاء الوفود المرافقة للرئيس الشهيد، فكان يدرج اسمه بعد اسمي، تقيّداً بالأصول والأنظمة.
من نهاية العام 1998، وحتى نهاية العام 2000، بقي وسام الحسن يعمل مع الرئيس الحريري بعد أن تمّ نقله إلى معهد قوى الأمن الداخلي مع سائر الضبّاط الذين تمّ اختيار بديل عنهم للعمل مع الرئيس سليم الحص، ولكنّه لم يستطع العودة كضابط عادي في قوى الأمن، بعد أن مارس مهام المدير العام للمراسم ولو بالتكليف، لما لهذا المركز من ميزات وعلاقات.
وقد طلبت حينها من الرئيس الشهيد الإبقاء عليه بعد أن اعتاد على العمل إلى جانبه، فوافق بعد سلسلة اتصالات سياسية وأمنية مع المراجع المعنية في ذلك الوقت. أمّا أنا فعيّنت مساعداً ثانياً لرئيس قسم المباحث الجنائية الخاصة وكنت برتبة عقيد ودون مكتب. وبعدها نقلت إلى قيادة سريّة المهجّرين في بيروت، وحينها كنت أتردّد على دولة الرئيس بشكل دائم ومستمرّ حتّى نهاية العام 2000.
الحريري : " تفضّل استلم مهامك"
وسافرت إلى مصر بعد أن أبلغت بواسطة وزارة الداخلية، بأنّني نلت المرتبة الأولى في الماجستير من بين كافة الضبّاط العرب المشاركين في الامتحانات النهائية، وبأنّ الرئيس حسني مبارك سيقلّدني وساماً بهذه المناسبة. وأثناء وجودي في مصر، تمّ تكليف الرئيس الشهيد برئاسة الحكومة، وأثناء الاتصال معه من مصر، سألني عن تاريخ العودة وطلب مني عدم التأخّر. وبعد يومين رجعت إلى لبنان وتوجّهت إلى مقرّ إقامته للتهنئة، وبعد السلام ومن دون مقدّمات قال لي: "تفضّل استلم مهامك"، فوقعت في حيرة داخلية، فبعد أن كان ابن بيروت هو المفضّل لاستلام المركز برغم المبرّرات الموضوعية لذلك، وبعد أن تبيّن بأنّه ليس هناك من إمكانية لاختيار أحد منهم للقيام بهذه المهمّة، فتمّت العودة إليّ، وكنت بين الرفض والقبول، فالرفض يعني أنّ الرئيس الشهيد سيغضب مني، وهذا ما تجنّبته وقبلت وباشرت العمل في اليوم التالي بعد صدور القرار اللازم بهذا الشأن، ولكن هذه المرّة كانت خلافاً لسابقاتها بحيث فوجئت بأنّ جداول السفر التي تنظّم لزيارات الرئيس إلى الدول في الخارج كان يُدْرَج فيها اسم وسام الحسن، وكان برتبة رائد، قبل اسمي، وهو ضابط كان يعمل معي طيلة الفترات السابقة من أيّام الرئيس كرامي إلى الرئيس الصلح، إلى الرئيس الشهيد رحمه الله، والفارق بيني وبينه عشر سنوات في الخدمة، ورتبتان في التراتبية العسكرية، وعند سؤاله عن سبب هذا الخلل العسكري والإداري، كان جوابه بأنّ المراسم والبروتوكول أهمّ من الأمن بغضّ النظر عن الرتبة.
الحريري يشكرني
* سبق لنا في التحقيق أن توصّلنا إلى معلومات عاد التحقيق الدولي وأكّدها بعد خمسة أشهر وبعد سنتين ومنها حصول الانفجار من فوق الأرض، ونوع سيّارة الانتحاري "الميتسوبيشي".

*  في اليوم التالي لاغتيال الحريري أكد مجلس الأمن المركزي بأنّ الانفجار حصل فوق الأرض بواسطة انتحاري وبسيّارة مفخّخة

*  أكّدنا أنّ أحمد أبو عدس ليس الانتحاري ولا وجود له في مسرح الجريمة
وتكرّر هذا الموضوع مرّات عدّة. وبرغم كافة المحاولات التي أجريت لمعالجته من قبل المدير العام آنذاك اللواء مروان زين، واللواء رفيق الحسن، وآخرين، إلاّ أنّها باءت بالفشل، فقرّرت التنحّي عن المهمّة، وعند إبلاغ الرئيس الشهيد من قبل اللواء زين بقراري لم يكن مرتاحاً، وقال لي بالحرف: "أنتم العسكر بربع عقل"، وتمّ الاتفاق على أن يشملني أمر النقل الذي كان يعدّه اللواء زين على مستوى المديرية العامة ليكون النقل بشكل طبيعي وهادئ، ومن ضمن مجموع الضبّاط في قوى الأمن، لئلاّ يعطى تفسيرات عدّة، وتمّ اختيار موقع لي، هو قائد منطقة البقاع حسب التوزيع الطائفي المعتمد لقادة المناطق.
وعند تعييني مديراً عاماً لقوى الأمن في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2004، اتصل بي الرئيس الحريري وبارك لي، كما أنّه اتصل بي قبل اغتياله بعدّة أيّام طالباً بعض الأمور المتعلّقة بمدينة بيروت، وبالفعل أنجزتها وأبلغته ذلك، وكان شاكراً.

التلاعب بمسرح الجريمة!
ـ أنت متهم بأنّك تلاعبت بمسرح الجريمة في عين المريسة لتغيير معالمها، وبطلب نقل سيّارات موكب الحريري إلى ثكنة الحلو؟ فما هي حقيقة الأمر؟ وأين كنت عند وقوع الجريمة؟ وماذا فعلت؟ وكيف تصرّفت؟

* إنّ التلاعب بمسرح الجريمة في حال حصوله، يكون الهدف منه حرف التحقيق عن مساره الحقيقي للوصول إلى اتجاه غير صحيح، وهذا ما لم يحصل، إنّما هو كلام سياسي، وما يدحضه، هو أنّه في اليوم التالي لحصول الجريمة النكراء، وعند الساعة العاشرة والنصف صباحاً عقد مجلس الأمن المركزي اجتماعاً برئاسة وزير الداخلية (سليمان فرنجية) وحضور أعضائه، ووزيري الإعلام (إيلي الفرزلي) والعدل (القاضي عدنان عضوم)، وفي نهاية الاجتماع أعلن وزراء الداخلية والإعلام والعدل بأنّ الانفجار حصل فوق الأرض بواسطة انتحاري وبسيّارة مفخّخة، ووجدت قطع لها في الحفرة وفي مكان الانفجار، ولكن لم يحدّد نوعها بعد، ولم يؤكّد وجود أبو عدس أو عدمه، كون فحوص الحمض النووي لم ينته بعد.
وهذا الإعلان أثار حفيظة فريق سياسي ينوي القيام بحملته بعد استشهاد الرئيس الحريري على فرضية حصول الانفجار من تحت الأرض، وبأنّ منظومة أمنية لبنانية ـ سورية هي وراء ذلك لأهداف لم تعد خافية على أحد.
أبو عدس ليس الانتحاري
وما أعلنه وزير الداخلية جاء بناء للمعلومات المتوافرة لدى قاضي التحقيق العسكري الأوّل (رشيد مزهر)، ووفقاً لتقارير خبراء قوى الأمن والجيش الذين أكّدوا ما أعلنه الوزير وذلك من اليوم الأوّل، والذي وصل إليه المحقّق الدولي الأوّل بعد خمسة أشهر من وقوع الجريمة، وأكّده المحقّق الدولي الثاني بعد سنتين من حصولها، وهذا ما يدعو إلى التنويه بعمل الفريق الأمني المكلّف آنذاك مع قاضي التحقيق، والذي أكّد بعد أيّام معدودة، وبعد حصوله على نتائج الحمض النووي بأنّ أحمد أبو عدس ليس الانتحاري ولا وجود له في مسرح الجريمة، كما تمّ التأكيد على نوعية السيّارة بأنّها "ميتسوبيشي كانتر" وفقاً لتقارير الشركة العائدة للسيّارة وفيلم مصرف "HSBC"، بحيث وجد هذا الفريق الأمني 23 قطعة لهذه السيّارة في الحفرة، وفي مسرح الجريمة، وفي البحر بواسطة الدفاع المدني، وذلك قبل وصول الخبراء الأجانب، الذين توصّلوا إلى عدد إضافي من القطع، وكذلك العثور على 27 عيّنة تعود للانتحاري من ضمنها "أحد الأسنان"، ومن ثمّ تمكّن الخبراء التابعون للتحقيق الدولي من العثور على عدد إضافي حتّى وصل عدد العيّنات إلى حوالي 35 عيّنة.
وهذا كلّه كان يتناقض مع المشروع السياسي لفريق لبناني لا يريد أن يكون التحقيق وفق المعطيات الحقيقية، التي أعلنت، وهذا ما سيحرجه تجاه الجمهور المطلوب توجيهه نحو النظام الأمني اللبناني ـ السوري المشترك، ولكن بعدما حشر هذا الفريق بالمعطيات التي قدّمها الخبراء الأجانب والتي لم يستطع المحقّق الدولي الأوّل ديتليف ميليس تغييرها، وقد اعتمدها، فكان المطلوب لتسويقها بما يخدم هذا المشروع السياسي، أن بوشر باستحضار شهود الزور ليعودوا ويؤكّدوا على نظرية النظام الأمني اللبناني ـ السوري، وذلك بسبب عدم وجود أيّة أدلّة، أو قرائن، أو إثباتات، تساعدهم على تأكيد نظريتهم.
فيتزجيرالد وتزوير الحقائق

* عثرنا على 27 عيّنة تعود للانتحاري من ضمنها "أحد الأسنان"

* ما قمنا به في التحقيق كان يتناقض مع المشروع السياسي لفريق لبناني يريد توجيهه نحو النظام الأمني اللبناني ـ السوري المشترك

* بعدما حُشروا بمعطيات الخبراء الأجانب التي لم يستطع ميليس تغييرها، بوشر باستحضار شهود الزور

* فيتزجيرالد اعتمد على كلام سياسي لأحد أقطاب 14 آذار/ مارس
لذلك، ولتسويق نظرية التلاعب بمسرح الجريمة، كما جاء في تقرير (رئيس الفريق الدولي المكلّف جمع المعلومات والاستقصاء الضابط الايرلندي بيتر) فيتزجيرالد في البند 35، الفقرة هاء، بأنّ هناك ضبّاطاً ألقوا قطعاً في الحفرة ليصلوا إلى أنّ الانفجار حصل فوق الأرض، أيّ لحرف التحقيق، وهذا الكلام الذي اعتمده رئيس لجنة التقصي اعتمد فيه على كلام سياسي لأحد أقطاب 14 آذار/ مارس، كما أنّه اعتمد على تقرير أعدّه العقيد رولان أبو جودة من الجيش، وهو قائد فوج الهندسة، والذي أعدّ تقريراً يؤكّد بأنّ الانفجار حصل تحت الأرض خلافاً لما قدّمه خبراء الجيش وقوى الأمن وعددهم ستّة خبراء.
واتهم العقيد المذكور في مكتب مدعي عام التمييز القاضية (ربيعة عمّاش) قدوّرة في حينه، بأنّ عناصر قوى الأمن هم من ألقى بالقطع في الحفرة لتضليل التحقيق، وحصلت مشادة كلامية بينه وبين الضبّاط الحضور، وهذا التقرير للعقيد المذكور قدّم لفيتزجيرالد واعتمده هذا المندوب الدولي ليس لبيان الحقائق، بل لتزويرها.
تقرير أبو جودة غير صحيح
وهناك سؤال كبير طرحته سابقاً على المعنيين والمسؤولين عن العقيد المذكور، لماذا أقدم على ذلك، وهو ما تبيّن بأنّه غير صحيح ومناف للوقائع التي أكّدها التحقيق اللبناني والدولي والتي أتت وفق ما قام به قاضي التحقيق والفريق الأمني معه، ولكنّ الأجوبة كانت ملتبسة، واليوم نعود ونطرح السؤال نفسه، لماذا خالف العقيد المذكور تقارير الخبراء، وقدّم هذه المعلومات المغلوطة لفيتزجيرالد ليتبنّاها؟؟
أمّا بالنسبة لنقل السيّارات وحقيقة الأمر فهي ما يلي:
يوم حصول الجريمة، وليلاً حوالي الساعة العاشرة، وأثناء وجودي في مكتبي بحضور قائد الشرطة القضائية بالوكالة ورئيس قسم المباحث العلمية العميد هشام الأعور، تلقيت اتصالاً من مدير عام وزارة الأشغال العامة فادي النمّار ليبلغني بأنّ قراراً متخذاً لفتح الطريق في اليوم التالي، فأجبته بأنّ هذا الموضوع قضائي بامتياز، وبأنّ الضابط المعني بهذا الموضوع هو موجود عندي "فتفضل حكي معو"، وعند الكلام بين النمّار والعميد الأعور، أكّد له العميد أنّ الإجراءات التي تقوم بها الأدلّة الجنائية لم تنته بعد في مسرح الجريمة، وهم بحاجة إلى وقت لإنهاء هذا الموضوع، واتفق معه على أنّه سيتصل به في صباح اليوم التالي للوقوف على الوقت المطلوب لإنهاء الإجراءات وللمباشرة في فتح الطريق.
وبعد انتهاء الاتصال والذي فاجأني به، اتصلت بقائد شرطة بيروت بالوكالة وأعلمته بالأمر، وأبديت مخاوفي لجهة فتح الطريق بالنسبة للسيارات المستهدفة بالجريمة، وطلبت منه معالجة الموضوع مع قاضي التحقيق، ومعرفة ما إذا كان موافقاً على ذلك كما فهمت من النمّار بأنّ الأمر سبق وتمّ  ترتيبه مع القضاء.
وبالفعل اتصل العميد قائد شرطة بيروت بالوكالة بالقاضي رشيد مزهر وأطلعه على الأمر، فاستمهله لوقت قصير، ثمّ عاد وطلب منه نقل السيّارات إلى ثكنة الحلو، والتأمين عليها وتغطيتها بعد أن تأكّد من أنّ كافة أعمال الأدلّة الجنائية بالنسبة إليها قد أنجزت، أيّ التصوير الفوتوغرافي، وتصوير الفيديو، وسحب العيّنات منها، وتحديد أماكنها في مسرح الجريمة بواسطة إشارات مزروعة في الأرض، ووضع خطيطة لمسرح الجريمة تبرز كلّ ذلك وهذا ما حصل. أيّ أنّ قاضي التحقيق أمر بسحب السيّارات، وهو صاحب الصلاحية، بعدما كان موافقاً على فتح الطريق في اليوم التالي كما صرّح النمار، ولو لم يكن قاضي التحقيق موافقاً على فتح الطريق، لما وافق على نقل السيّارات.
مع التأكيد بأنّه فور اتصال النمار، اتصلت بوزيري الداخلية والعدل وأطلعتهما على هذا الاتصال الذي فاجأهما كما فاجأني واستمهلاني بعض الوقت، وأجريا اتصالاتهما مع المعنيين، ومن ثمّ اتصلا بي وأبلغاني بأنّ الأمر تمّت تسويته ولن تفتح الطريق في اليوم التالي. كما أُبْلِغت بأنّ خبراء أجانب سيتمّ استقدامهم لمساعدة التحقيق اللبناني، ولكن لدى سؤالي من قبل وزير العدل بخصوص السيّارات، أبلغته بأنّني علمت بأنّهم باشروا بنقل أوّل سيّارة، وهي ما زالت قريبة من مسرح الجريمة، فأكد لي وجوب الاستمرار بنقل السيّارات، لأنّه إذا تمّت إعادة السيّارة بعد المباشرة بنقلها، فستستخدم ضدّنا بالسياسة، وإنني سأبلغ ذلك لقاضي التحقيق، وعدم السماح بفتح الطريق، وهذا ما حصل.

عدائية ميليس
ـ كيف كان لقاؤك بالقاضي الألماني ديتليف ميليس؟ وكيف تصرّف معك؟

* إنّ أوّل جلسة مع التحقيق الدولي كانت خلال  شهر حزيران/ يونيو من العام 2005، بصفة شاهد، وكان الجوّ عادياً، وتمحورت حول ظروف الجريمة ودور قوى الأمن بصددها، والإجراءات التي اتخذت، وعن هيكلية قوى الأمن والمسؤوليات المفروضة عليها، وكيفية العمل في ظلّ الوجود السوري.
أمّا الجلسة الثانية، فكانت يوم التوقيف بتاريخ 30 آب/ أغسطس من العام 2005، واستمرّت من الساعة الثامنة صباحاً، وحتّى منتصف الليل دون وجود محام، وكان الجوّ عدائياً حيث قال لي المحقّق بأنّ رؤساء الأجهزة الأمنية أصبحوا في السجن، وليس هناك من رأس كبير يعصى على التحقيق في لبنان. وعُرض عليّ فيلم للشاهد المخفي، أو المختفي محمّد زهير الصدّيق، ولدى عرضه حاولت الوقوف، وعدم المتابعة، فأصرّ المحقّق على إنهائه، عندها قلت له، إذا كان التحقيق يسير بهذا الاتجاه، فمعنى ذلك أنّكم لا تريدون الحقيقة، وهذه إساءة إلى التحقيق الدولي والأمم المتحدة، وستؤدّي إلى التشكيك بمصداقيته، وإلى تعزيز الانقسام الداخلي اللبناني.

برامرتز يتجاهل شهود الزور
ـ ما هي الأدلّة التي واجهك بها التحقيق الدولي واللبناني؟ وكيف رددت عليها؟


* لا بدّ من توزيع كلّ الجلسات لدى التحقيق اللبناني والدولي كالتالي:
ـ زمن القاضي ديتليف ميليس لم يعرض عليّ سوى فيلم يظهر فيه الصدّيق.
ـ زمن القاضي سيرج برامرتز خضعت لأربع جلسات، تمّ تسليمي نسخة عنها، بعكس ميليس الذي لم يزوّدنا بنسخة عن التحقيق. وأثناء التحقيق في فترة برامرتز كان السؤال عن يوم حصول الجريمة، والإجراءات المتخذة، وما رافق ذلك من تدابير ولقاءات، إضافة إلى السؤال عن سيرة حياتي العسكرية منذ دخولي إلى المدرسة الحربية، وحتّى تسلّمي مهام المديرية العامة لقوى الأمن، ولم يتطرّق التحقيق إلى أيّ دليل، أو إثبات، أو قرينة، وحتّى إلى شهود الزور الذين تمّ تجاهلهم في فترة برامرتز بشكل كلّي، ما اضطرّني في نهاية التحقيق إلى سؤال المحقّق لماذا لم تسألني عن محمّد زهير الصدّيق، وهو السبب الرئيسي لتوقيفي، فأجاب بأنّه لا علاقة له بهذا الشاهد لا من قريب ولا من بعيد. وآخر جلسة تحقيق كانت في شهر أيّار/ مايو من العام 2006.
شاهد الزور مراد
ـ أمّا بشأن التحقيق اللبناني معي، فإنّني أستطيع أن أقول بأنّ كلّ ما جرى معي في التحقيق، لا علاقة له بمراحل جريمة 14 شباط/ فبراير، ولا بالأدلّة، سوى المقابلة مع شاهد الزور أكرم شكيب مراد المحكوم بالسجن لمدّة خمس سنوات بجرائم تعاطي مخدّرات واتجار بالمخدّرات منذ شهر نيسان/ أبريل من العام 2004، أيّ قبل حصول الجريمة بعشرة أشهر.
وقد أكّد هذا الشاهد بشهادته المزوّرة، أنّه شاهد سيّارة "الميتسوبيشي" في عنجر خلال شهر آذار/ مارس من العام 2004، ولكن تبيّن من تقارير التحقيق الدولي المتتابعة وتقارير الانتربول، بأنّ السيّارة التي استخدمت في الجريمة كانت قد سرقت من اليابان خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2004، ومن ثمّ نقلت إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ووصلت خلال شهر كانون الأوّل/ ديسمبر من العام نفسه إلى معرض في طرابلس في لبنان.
فالسؤال كيف وصل شاهد الزور هذا لعند المحقّق العدلي؟ وكيف استطاع المرور من السجن إلى ... إلى ... وصولاً إلى مدعي عام التمييز (القاضي سعيد ميرزا)، ومنه إلى المحقّق العدلي دون اكتشاف زور شهادته، أم أنّه تمّ تركيبها وفبركتها وتلقينه إيّاها أسوة بشهود الزور الآخرين، ومن قبل نفس الجهات؟

ـ هناك حضور قوي لشهود الزور في هذه الجريمة بغية إبقائك أنت وبقيّة الضبّاط في السجن ومن ثمّ اقتيادكم إلى المحكمة الدولية، فماذا تقول عن هؤلاء؟ وهل تعرف من اخترعهم؟ ولماذا؟

الردّ هو أنّه لو كان هناك تحقيق يسير بالاتجاه الصحيح، ولو كان هناك أدلّة، أو براهين، لما كانت الحاجة إلى هذا الكمّ من شهود الزور، ولكن لنقل كلمة حقّ، وهي أنّه بعد استلام سيرج برامرتز التحقيق الدولي تجاهل هؤلاء الشهود ووضعهم خارج التحقيق، والدليل على ذلك عدم ذكرهم أمامنا، أو سؤالنا عنهم، ولو بسؤال يتيم.
إنّ من أتى بهؤلاء، هو لتضليل التحقيق لأسباب سياسية، لأنّ حقائق الأمور لا تخدم مشروعه السياسي، والاستمرار بتوقيف الضبّاط يقع في سياق استمرار هذا المشروع، وأكبر دليل على ذلك هو التعمية على "مجموعة الـ13" (التابعة لتنظيم "القاعدة") برغم اعترافات أفرادها التي أحرجتهم، ومن ثمّ تمّ بقدرة قادر التراجع عن الإفادات، ونضع كلّ هذا عند القضاء اللبناني ليقول كلمة الحقّ.
أمّا من اخترع شهود الزور، ومن فبركهم، ومن لقّنهم، ومن رعاهم وخصوصاً الصدّيق فمعروفون بالاسم، كما أنّ أهدافهم معروفة، ولسنا نحن المقصودين بالتوقيف من وراء هذا المشروع، بل المقصود هو فريق سياسي عريض في لبنان.

ـ ما هي حقيقة المخصّصات المالية الموجودة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والتي سئلت عنها في التحقيق عند القاضي صقر صقر في جلسة استجوابك الوحيدة عنده؟

إنّ للمدير العام لقوى الأمن الداخلي مخصّصات سرّيّة هي عبارة عن مبلغ مالي عادي وليس مبلغاً كبيراً، ويتمّ صرفه وفقاً لصرف معتمد في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي خلال عهود كلّ المدراء العامين.
أمّا بالنسبة للمبلغ الذي سئلت عنه، فهو مخصّصات المدير العام، لأنّه صادف أنّني استلمتها يوم السبت في 12 شباط/ فبراير من العام 2004، وكالعادة كنت عند استلام المبلغ، أقوم بصرف قسم واجب منه إلى الجهات المعنية في قوى الأمن وفقاً للعرف. أمّا القسم الآخر الذي يصرف خلال الشهر وفقاً لحاجات وظروف، أيضاً وفقاً لما هو معتمد في قوى الأمن، فكنت أعمد إلى تحويله إلى دولار أميركي وأبقيه في المكتب لصرفه. وصادف أنني أرسلته يوم السبت لصرفه، ولكن لم يكن يوجد سوق للصرف في هذا اليوم، فأبقى موظّف البنك المبلغ لديه وصرفه يوم الاثنين، وأرسله لي وهذا كلّ ما حصل.

توتاليتارية جنبلاط
ـ بعد فشل محاصرة الضبّاط بالقرائن الثابتة، انبرى مسيّسو التحقيق، وفي مقدمّتهم وليد جنبلاط، إلى التهجّم على عائلاتكم ونسائكم، فكيف ترى هذا الهجوم؟ وما هي الغاية منه؟

إنّ هذا الصخب الإعلامي المضاد لتحرّكاتنا، يصبّ في إنقاذ المشروع السياسي الذي استهدفنا، وهم يحاولون تسليط الأضواء علينا لعزلنا عن الفريق السياسي المستهدف لإضعافه وشلّ حركته بالمطالبة بالحقّ وإخلاء السبيل، وبالتالي الانقضاض عليه.
ولا نستطيع ألاّ نرى مدى ارتباط هذا المشروع بكون اثنين من الضبّاط الأربعة المعتقلين، هما من أبناء إقليم الخرّوب، وما تبوّأ أحدهما مركزه، إلاّ بجدارته، وليس من خلال سلطة جنبلاط. ولن ننسى بأنّه سبق له أن حمّلنا مسؤولية فشله الذريع في آخر انتخابات بلدية في إقليم الخرّوب، وهو يعتبر بأنّ المراكز العليا لأبناء إقليم الخرّوب، لا بدّ وأن تأتي من تحت إبطه، وهذا ما لم يحدث معي عند تعييني مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، وعند تعيين العميد مصطفى حمدان قائداً للحرس الجمهوري، ولا ننسى بأنّ مدير عام الأمن العام اللواء جميل السيّد هو أيضاً صهر الإقليم.
إنّ توتاليتارية هذا الرجل تمنعه من أيّ مشاركة في موضوع إقليم الخرّوب، وهذا ما دفعه إلى القول ضمن برنامج "كلام الناس" عبر محطّة "المؤسّسة اللبنانية للإرسال" قبل اعتقالي، بأنّه لن يرتاح إلاّ بعد سجن علي الحاج.

عزلة تامة وانفراد
ـ كيف تمضي يومياتك في سجن "فرع المعلومات" في سجن رومية، وخصوصاً أنّه يقال إنّكم تعيشون في فندق "خمس نجوم"؟

إنّ كلمة نجوم هي مرادف للرفاهية وعددها يستخدم لتمييز الفنادق وليس النجوم، فهل سمعت يوماً بأنّ قفصاً يحوي بداخله مرفّهين، فنحن يا صديقي، في عزلة تامة وانفراد، منذ التوقيف حتّى اليوم، ولكن بفضل المؤسسات الدولية وتحديداً الصليب الأحمر الدولي أدخل إلينا جهاز تلفزيون، وقصاصات صحف، وجهاز راديو، وهذا كلّه يبقى داخل هذا القفص الذي لا نستطيع رؤية الخارج منه كون النافذة عالية ومستطيلة.
أجرى الحوار: علي الموسوي

2008-05-01