ارشيف من : 2005-2008

أكبر عملية إنزال توقفت لحظة تدمير الطائرة : "الوعد" الذي فاجأ العدو في أجواء "مريمين"

أكبر عملية إنزال توقفت لحظة تدمير الطائرة : "الوعد" الذي فاجأ العدو في أجواء "مريمين"

كتبت ميساء شديد
بعد سنة على الحرب الإسرائيلية على لبنان لا تزال تحتل أسماء القرى الجنوبية حيزاً في ذاكرة كل من تابع ورصد وعاش الأيام الثلاثة والثلاثين بين 12 تموز/ يوليو و14 آب/ أغسطس 2006 في لبنان والعالم العربي وربما في بلدان العالم أجمع.
في عيتا ومارون وعيترون وبنت جبيل كانت المواجهات البطولية لمجاهدي المقاومة، وفي وادي الحجير كانت مجزرة الميركافا وتحول الحلم الإسرائيلي المدرع إلى كابوس، أما في "ياطر" فكان سقوط "اليسعور" المروحية العسكرية الإسرائيلية التي تحولت منذ الثاني عشر من آب 2006 إلى "طائرة ياطر" أو "طائرة وادي مريمين". 
في مساء ذلك اليوم وعند تلة مريمين غربي ياطر أسقطت المقاومة المروحية الإسرائيلية وهي من نوع "شينوك" اسم المصنّع الأساس، الأميركي، أما "يسعور" وهو اسمها العبري فيعني "الدبّور".
في روايات نقلت عن مجاهدين فإن هؤلاء أسقطوا المروحية "مش بصاروخ" بل "بنص صاروخ"، فقد كان المقاومون يكمنون لجنود الاحتلال في طرف ياطر الغربي حيث نفذت ما بين 13 و15 مروحية ناقلة جند عملية إنزال بري، وكانت كل ناقلة جند تحميها اثنتان أو ثلاث من مروحيات الأباتشي، الطائرة التي استهدفت كانت إحدى ناقلات الجند التي كانت تهم بالإقلاع، اما الصاروخ الذي استهدفها فجديد من نوع "وعد"، وقد اعترف الجيش الإسرائيلي حينها بسقوط الطائرة وأفيد أن خمسة كانوا على متنها سقطوا قتلى.
سقطت فوق ياطر خلال الساعات القليلة بعيد سقوط الطائرة ما لا يقل عن خمسة آلاف قذيفة، أراد الإسرائيليون من خلال إحراق البلدة البحث عن إنجاز معنوي بأي ثمن يعوضهم عن خسارتهم لكنهم عبثاً حاولوا.
الرواية الاسرائيلية
أما في الرواية الإسرائيلية فيقول أحد الجنود الصهاينة عن لحظة إسقاط "اليسعور" "نزلنا من الطائرة التي هبطت في اعماق لبنان يلفها ظلام دامس، وشرعنا في المسير غربا باتجاه الهدف المحدد في حين اقلعت طائرتا يسعور متجهة غربا نحو اهدافها، وكان من الممكن مشاهدة ظلالها على ضوء القمر المكتمل، ونحن نشد رحالنا الى هدفنا فجأة سمعنا صوت انفجار يشبه ذلك الذي يحدث عند انطلاق زجاجة مضغوطة، فتجمدت كافة القوات التي تم انزالها لمشاهدة ما يحدث، ورأينا الصاروخ يضرب محركات اليسعور، وأضاء اللهب الوردي والاصفر الذي انطلق بقوة من المحركات المنطقة، وجنحت بما يشبه السفينة الغارقة، واخذ الوقود والقنابل الضوئية التي على متنها بالتفجر".




"اليسعور" في سطور

"اليسعور" مروحية من نوع "شينوك سي اتش 47" وهي من تصميم شركة بوينغ الأميركية، وتعتبر "الشينوك" ويعني اسمها الرياح العاتية من ناقلات الجند الضخمة، وقد دخلت قيد الاستعمال منذ حرب فيتنام في العام 1966.
يبلغ طولها نحو 22 مترا، وعرضها نحو أربعة أمتار، وتتسع لنحو أربعة وستين جنديا مع عتادهم، ويمكن أن تحمل آليات من نوع "هامر" وناقلة جنود من نوع "أم 113"، وهي الطائرة نفسها التي استخدمت في إنزال أنصارية وأصيبت بقذيفة هاون في العام 1997.
واضاف: "لقد استغرق الامر اقل من عشرين ثانية، لكننا احتجنا الى ساعات لإدراك ما حدث، بعد لحظات من سقوط المروحية اقتربت منها طائرة انقاذ مستعينة بالكثير من بالونات التضليل التي اطلقتها لتضليل الصواريخ، لكن الخوف من صواريخ اضافية أجبرنا على إلغاء عمليات الانقاذ الجوي، وعمل رجال المظليين على حماية منطقة السقوط وجثث الطاقم التي كانت تعج برجال حزب الله"، وتابع يقول "بسبب هذه الصواريخ ألغيت عمليات الانزال التي كانت مقررة تلك الليلة".
الخبير في الشؤون العسكرية العميد الركن المتقاعد وليد سكرية رأى في إسقاط الطائرة في ياطر كميناً ناجحاً للمقاومة مشيراً إلى "أن الطائرات لا تملك القدرة على قصف سوى الأهداف المعروفة والمحددة، أما المقاومون المختبئون فإنها لا يمكن أن ترصدهم"، مضيفاً "أن سلاح الجو الإسرائيلي لا يستطيع ان يؤثر على الأسلحة والصواريخ المحصنة، وإن استهدف الأماكن أو المناطق التي تطلق منها".
ويرى سكرية أن الخلل الإسرائيلي يكمن أيضاً في "عدم فعالية القوات الإسرائيلية البرية أمام ضربات المقاومة، والتي كان من شأنها أن تشكل من خلال تدخلها على الأرض عنصراً مساعداً لسلاح الجو".
أصداء سقوط الطائرة
في الثالث عشر من آب 2006 تصدّر حدث إسقاط الطائرة صفحات الصحف في لبنان وخصوصاً أنه حصل في خضم وقائع ميدانية برز خلالها تفوق المقاومة على العدو الذي شهد في الثاني عشر من آب ما لم يعهده في يوم واحد منذ حرب العام 1973، فقد قتل في ذلك اليوم نحو عشرين جندياً وضابطاً إسرائيلياً، وجرح أكثر من 120 جريحاً ودمرت 39 دبابة ميركافا.





المجاهدون يروون لحظة تدمير اليسعور: انفجرت مرتين قبل أن تتحول حطاماً


يروي أحد المجاهدين لـ"الانتقاد" عن ليلة الثاني عشر من آب ليلة إسقاط "اليسعور" قائلاً: "أكثر من 15 مروحية كانت تنفذ عملية الإنزال في ياطر، ظن هؤلاء أن المنطقة خالية بعد جولات القصف العنيف، استدرجناهم وبدأنا بحصارهم. وفجأة ظهرت قافلة جديدة من الطائرات المروحية تحمي طائرة ضخمة جداً محملة بالمؤن والجنود، وفي تمام الساعة التاسعة وأربعين دقيقة من ليل السبت 12 آب وبنداء الله أكبر وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى أطلق مجاهد صاروخ "الوعد" فانفجرت "الشينوك" أو "اليسعور" كما يسميها العدو في السماء، لتعود وتنفجر مرة أخرى قبل وصولها إلى الأرض لكثرة ما فيها من الذخائر والعتاد، ولتتناثر قطع اللهب على مساحة لا يقل قطرها عن نصف كيلومتر مربع"، ويتابع المجاهد: "وصرنا نكبر ونكبر وتلال البلدة تردد التكبير من كل حدب وصوب وكأننا أصبحنا بحالة هستيرية غير آبهين بما ينهمر علينا من قذائف وحمم من الطيران والقصف المدفعي، ولم يصب أحد والحمد لله ساعتئذ".
ويضيف "تابعنا عملنا الجهادي نقصفهم بعنف وضراوة ولم نمكنهم من الاقتراب من المكان الذي سقطت فيه اليسعور للم الأشلاء، وما أن طلع الصباح حتى أحاطوا المكان بغطاء كثيف من الدخان لعلهم يتمكنون من جمع أشلاء قتلاهم، فيما تابعنا قصف المكان والاشتباك مع جنود العدو، وكنا نسمع صراخهم وهم يتراجعون ويختبئون داخل الأحراج الكثيفة باتجاه تلة "مريمين" غربي البلدة". يقول مجاهد آخر ممن شارك في المواجهات في ياطر "إن حوالى 20 جندياً قتلوا في المواجهات في تلك المنطقة فيما احترق في الطائرة المدمرة ما لا يقل عن 17 جندياً".

في الصورة المقابلة أي في الصحف الإسرائيلية كان أيضاً الحدث سقوط الطائرة، وبينما كانت الصحف اللبنانية تتحدث عن إنجاز للمقاومة كان المعلقون والمحللون الإسرائيليون يوجهون الانتقادات اللاذعة لهذا السلاح الذي خسر في حربه على لبنان أربع طائرات، "اليسعور" وثلاث من نوع اباتشي، كما أصيبت مروحية خامسة اثناء المواجهات مع المقاومة في معارك مارون الراس بنت جبيل، وتحطمت مقاتلة من نوع "اف 16" اثناء اقلاعها من جنوب فلسطين لضرب اهداف داخل لبنان. كذلك خسر العدو طائرة استطلاع بدون طيار اثناء تحليقها فوق المرتفعات الغربية لجبال لبنان، وقد وردت هذه الأرقام في إحدى مقالات كبير المعلقين الإسرائيليين في صحيفة "هآرتس" زئيف شيف.
ولعل كل ما قيل عن سلاح الجو أو بالأحرى كل الانتقادات التي وجهت إلى أدائه خلال وعقب حرب تموز 2006 تنبع من كونه يشكل العنصر الأكثر فاعلية في الجيش الإسرائيلي، خصوصاً بعد تجربتي حربي 1967 و1982 لذلك فإن لهذا السلاح الأولوية في ميزانية "جيش الدفاع" لما يمثله من أهمية في عقيدة "إسرائيل" الهجومية، إذ تسعى دائما الى تحقيق التفوق النوعي عدا عن قيامها بتحديث هذا السلاح بشكل متواصل اقتناعا منها بأنه أكثر الأسلحة أماناً لأداء المهمات.
ولهذا فإنه على مدار أيام العدوان وفي ظل الفشل الإسرائيلي المتواصل شكل سلاح الجو الوسيلة الوحيدة للعدو للتعويض عن خسائره في الميادين الأخرى، فكانت أن أطلقت الطائرات الإسرائيلية خلال 33 يوماً من الحرب الشاملة على لبنان ما فاق عدد الصواريخ الذي أطلقته خلال اجتياح العام 1982 بحسب ما أشار إليه الصحفي الأميركي شارلز غلاس في إحدى مقالاته.
ولكن السحر انقلب على الساحر فاستمر سقوط الصواريخ على الكيان الصهيوني وفشل سلاح الجو في تحقيق أحد أهم أهدافه. وإذا كان من إنجازات لسلاح الجو فيمكن إيراد المجازر وأكثر من 60% من البنية التحتية المدمرة، أما الحديث عن إنجازات أخرى لها علاقة بالتأثير على المنظومة الصاروخية للمقاومة فيبقى بعيداً عن الواقع، وهو ما كان واضحاً في تقرير لجنة فينوغراد الذي انتقد سلاح الجو لكون "الغارات أدت إلى سقوط عدد كبير من المدنيين دون أن تتمكن من القضاء على حزب الله".
إلى جانب ذلك شكل هاجس امتلاك المقاومة صواريخ مضادة للطائرات عنصراً مؤثراً إلى حد ما على أداء سلاح الجو الإسرائيلي حيث كانت تخشى طائراته الانخفاض كي لا تصاب بنيران المقاومة، وهو ما أدى إلى نقص كبير في إمدادات الأكل والمواد التموينية والذخيرة لجنود العدو بحسب ما نقل أحد المواقع الإخبارية الإسرائيلية الناطقة باللغة الروسية، وقد تجنب العدو بعد إسقاط الطائرة إرسال المروحيات التي كانت تحمل على متنها فرق الكوماندوس.
في البر، والبحر والجو كانت مفاجآت المقاومة ترسم ملامح الانتصار، فيما العدو الإسرائيلي يعيش حالة التخبط والإرباك نتيجة عجز سلاح الجو ليس فقط عن حسم المعركة، بل حتى عن تحقيق جزء معتدّ به من الأهداف، وهو ما دفعه إلى القول "إذا كانت جيوش العدو قد امتنعت في السابق حتى عن عملية حربية محدودة انطلاقاً من الاعتقاد بأنها لا تملك حلاً لمشكلة المدرعات وسلاح الجو الإسرائيليين، فإن الوضع قد تغيّر الآن من النقيض إلى النقيض، مع إثبات إمكان تدمير المدرعات بواسطة صواريخ مضادة للدروع مطوّرة، فيما قدرة سلاح الجو على الحسم بعيدة".
الانتقاد / العدد1227 ـ 10 آب/أغسطس 2007


2007-08-10