علي الصغير
أما وقد حلت الذكرى الثامنة للتحرير وحان معها أوان "فلش" الأوراق الرسمية على ما أنجز من مشاريع مائية، فيما يبدو الجنوب اليوم على غير ما كان عليه، اليوم لا زالت تتردد في أجوائه أصداء وعود صمت قصصها أذان قاطني هذه المنطقة منذ اللحظات الأول لانسدال ستار الاحتلال وحملتهم على أجنحة ألاماني فطافت عليهم وعود وأحلام بعد أن توقفت عندهم عجلة الزمن زهاء ربع قرن ونيف. في جردة الحساب الثامنة يكشف الواقع عرقوبية الكثير من تلك الوعود وليظهر أن ظلم ذوي القربى اشد على الأهالي من ظلم سنوات الاحتلال الطويلة. اليوم وبعد سنوات ثمانية على التحرير وبعد إنجاز عشرات المشاريع لا تبدو المنطقة قد أخذت نصيبها من الإنماء خاصة وان معظم تلك المشاريع قد أتت ضمن متفرقات متباعدة وليس ضمن رزمة متكاملة فجاءت النتائج على غير ما هو مأمول منها فلا أزمة مدارس حُلت ولا الطرقات تحولت إلى أوتوسترادات كما لم تنعم المنطقة بتغذية ثابتة من المياه رغم المجهود المبذول لذلك بالإضافة إلى جملة مشاكل أخرى ليس اقلها أوضاع الكهرباء.
مشاريع غير متكاملة للمياه
من المعلوم ان منطقة بنت جبيل تعوم على أبار متعددة من الخزانات الجوفية لم تجد طريقها الى الاستغلال الكامل بعد مما يؤدي الى اهدار ملايين الأمتار المكعبة سنويا فيما المنطقة بأمس الحاجة إليها. ولعل من المؤسف القول الى ان هذه المشكلة ما عرفت طريقها الى هذه المنطقة الا بعد التحرير كما يشير جلال عبد الله "حيث كان أهالي القرى المحتلة يتغذون من شبكة المياه الاسرائيلية والتي كانت في الاصل مياه لبنانية تجرها شركة المياه الاسرائيلية الى داخل فلسطين المحتلة قبل ان تعود تلك الشركة لبيعها الى المواطنين اللبنانيين وبأسعار ليست رخيصة ولكن بكميات كافية لم تعوزهم الى العطش يوما". اما اليوم وبعد مرور ستة سنوات على التحرير تتعرض خدمة تقديم هذه السلعة الى جملة من المشاكل بعضها متأتي من مصلحة ثانية في وزارة الوصاية فيما البعض الاخر خاضع لوزارات اخرى.
بحسب الأوراق الرسمية تتغذى بنت جبيل من خمسة مصادر للمياه، الاول هو مشروع برك رأس العين في صور عبر خط دفع إلى بلدة صديقين ومنها إلى قصر الماء في كفرا الذي بدوره يوزع الى منطقة بنت جبيل، والثاني مباشرة من ابار بلدة باتوليه إلى كفرا، والثالث من ابار وادي جيلو الى منطقة القطاع الاوسط والمؤلفة من قرى شقرا ومحيطها، كما أن هناك خط رابع متأتي من خزانات الطيبة هذا بالإضافة إلى بعض الآبار الارتوازية التي المتفرقة التي تسد بعض الحاجات المحلية للقرى المتواجدة فيها خاصة في بلدات دبل رميش وعيتا الشعب.
اما على ارض الواقع فان الخط الاول المدفوع من كفرا الى بنت جبيل هو خط بقوة 10 انشات في بدايته وينتهي بثمانية انشات في بنت جبيل وموصول من قصر الماء في كفرا بسعة 4000 متر مكعب الى حوالي 15 قرية تتداور في اخذ حصتها من المياه اسبوعيا عبر محطتي ضخ عاملتين وثالثة للاحتياط وبقدرة ضخ 8000 متر مكعب باليوم في حال توفر الكهرباء باستمرار، الا ان الانقطاع المستمر للاخيرة يؤدي الى اختلال كبير في توزيع الحصص المائية على القرى رغم توفر كميات المياه في القصر، فبينما محطة الضخ في صديقين مربوطة بخط كهربائي متواصل الامر غير المتوفر لخزان كفرا مما يؤدي الى فيضان المياه احيانا على الطرقات بحيث تصل إلى رشاف. لذلك فالحل برأي المطلعين على الموضوع هو ربط محطات الضخ في كفرا بخط الخدمات الكهربائي الغير خاضع للتقنين على خزانات صديقين، والتي تتغذى من برك رأس العين في صور بمعدل 2000 إلى 3000 متر مكعب يوميا فيما يتكفل الخط الثاني من ابار بتوليا السبعة بتغطية الكمية المتبقية وتعتبر مشكلة الكهرباء هي المعوق الرئيسي في قيام هذه المنشأت بمهمتها كاملة ولعل مثال بنت جبيل يوضح الامر فالبلدة بحاجة في الاحوال العادية الى حوالي 2000 متر مكعب اسبوعيا فيما بسبب التقنين يصلها حوالي 500 متر فقط.
كما جرى بعد التحرير اعادة تشغيل الخط القديم من الطيبة الى محلة صف الهوا في بنت جبيل عبر خزانات تلة بلعويل في برعشيت وهو بقوة 18 انش وهو الخط الذي كان يغذي المنطقة قبل الاحتلال الا ان الخزانات القديمة الموصلة على هذا الخط لم تعد تكفي الزيادة السكنية والعمرانية. وليست آبار وادي جيلو ببعيدة عن الأعطال الكهربائية أو التقنية بحيث تعيش بلدة مثل برعشيت في أزمة دائما صيفا وحتى شتاء.
أما الآبار الارتوازية فهي إما ضعيفة كما في بنت جبيل وعيترون وعيتا الشعب ورميش، وما غير صالحة للاستعمال كما في عيناتا ويستثنى من ذلك بلدة دبل الغنية بالابار الارتوزية والتي تكفي حاجتها وتبيع للقرى المجاورة أيضا.
وزير الموارد المائية والكهربائية محمد فنيش يعتبر ان الكلام عن ان تقنين الكهرباء هو السبب في مشكلة المياه في المنطقة "كلام غير دقيق ولا يقارب الحقيقة خاصة وان التقنين لا يتجاوز يوميا 4 ساعات"، واشار الى ان المشكلة هي في مكان اخر لدى مؤسسة المياه العامة.
قصة ناقصة لمشروع ألوزاني
أما خط المياه الذي كانت الحرب على وشك القيام بسببه بين لبنان وإسرائيل والمعروف بخط ألوزاني فهو حتى اليوم ورغم مرور حوالي ستة سنوات على تدشينه وثمانية سنوات على التحرير لم تجد المياه طريقها إلى قساطله الممدودة إلى بنت جبيل منذ خمسة سنوات رغم أن هذا الخط يستطيع إذا ما قيد له العمل أن يحل جذريا المشكلة المزمنة في المنطقة إذ تصل قوته إلى 14 أنش. وقد بدأت القصة أواخر آب 2002، عندما باشرت الحكومة بالأعمال الإنشائية لمشروع ضخ مياه الحاصباني حيث كان من المقرر جر 12 ألف متر مكعب من المياه يومياً من المصدر إلى القرى والبلدات المحيطة والتي كان يسكنها 65 ألف شخص يتغذون بحوالي 3000 متر كعب يوميا فقط كما كان من المقرر بعد ذلك أن يمتد المشروع إلى معظم قرى الجنوب وبالفعل فقد بوشر بتمديد القساطل ووصلت إلى بنت جبيل إلا أن مشكلة إستملاكات في ميس الجبل تحول دون وصول المشروع إلى نهايته السعيدة.
ويمكن النظر إلى أهمية هذا المشروع من الرؤية الإسرائيلية له حيث نقلت احد صحفها أفكار مشروع حكومي يشير إلى "أن نقل المياه اللبنانية قابل للتحقيق عن طريق تحويل مياه الليطاني بواسطة نفق إلى نهر الحاصباني والى نهر العيون، وتصريف الجزء الأعلى من الليطاني، مستغلا بواسطة بحيرة اصطناعية هي بحيرة القرعون (بارتفاع + 850 مترا، تحول المياه منها في نفق نحو البحر المتوسط وتولد منها الكهرباء خلال جريانها). ويبقى للاستغلال في إطار المشروع، المياه المتدفقة في الجزء المنخفض من الليطاني في إطار خزان الخردلي (على ارتفاع 220 مترا) الذي يوجد مخطط لإقامته في أعلى بركة الليطاني بحيث يمكن تحويل المياه منه إلى إسرائيل".
.. وأخرى لمشروع الليطاني
ولم يكن مصير مشروع الليطاني بأفضل حال، ففي 15 كانون ثاني 2002 وقّع رئيس مجلس الإنماء والأعمار جمال عيتاني، ومدير عام الصندوق الكويتي بدر الحميضي في حضور الرئيس الحريري ورئيس مصلحة مياه الليطاني ناصر نصرالله اتفاق يهدف بحسب ما ورد في المؤتمر الصحفي يومها "إلى المساهمة في تنمية اعمار الجنوب اللبناني وزيادة الانتاج الزراعي وايجاد فرص عمل لسكان المنطقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض المنتجات الزراعية، وذلك عن طريق نقل حوالى 110 ملايين متر مكعب سنوياً من مياه نهر الليطاني من مأخذ على نفق اسفل سد القرعون الى الجنوب وتوفيرها لاغراض الري والشرب والاستهلاك الصناعي. يتضمن المشروع المقترح جزئيين، يشمل الأول جميع الأعمال والخدمات اللازمة لانشاء ناقل رئيسي للمياه ومأخذ وانفاق وقنوات مفتوحة وخطوط انابيب، اضافة الى خطوط انابيب فرعية لنقل المياه من الناقل الرئيسي الى مناطق الري والقرى، وعدد من الخزانات ومحطات الضخ وانظمة المراقبة والتحكم والتشغيل، وغيرها من الخدمات والاعمال والمعدات والاجهزة اللازمة لتنفيذ المشروع وتشغيله والاستفادة من المياه التي يوفرها. ويتضمن المشروع كذلك الخدمات الاستشارية والدعم المؤسسي للجهة المستفيدة من المشروع. اما الجزء الثاني فيشمل اعمال الري وتطوير حوالى 15000 هكتار، وانشاء محطات لمعالجة المياه اضافة الى الخدمات الهندسية اللازمة لها". يذكر أن هذا المشروع يأتي كجزء من مشروع الليطاني في القسم المعروف "مشروع القناة 800 لنقل مياه الليطاني الى الجنوب، ويشمل 14700 هكتار تشمل 76 بلدة وقرية جنوبية.
على انه في النهاية ووسط هذا الفيضان من المشاريع الناقصة أو غير المكتملة يعود الأهالي إلى الاستفادة من مصادرهم المحلية إما عبر تخزين مياه الشتاء في أبار اصطناعية يبنونها لهذه الغاية في منازلهم أو عبر الاستفادة من مياه البرك الصناعية التي لا تخلو أي بلدة أو قرية منها منذ عشرات السنين للدلالة على أن هذه المشكلة هي من عمر لبنان أو ربما اكبر، كما ويلفت في النهاية محمد سعد الى ان اسعار المياه باتت تساوي اسعار البنزين، "واللبيب من الاشارة يفهم" لذلك لا تزال للعيون والينابيع الصامدة زوارها ولكنها لم تعد ملتقى لشباب البلدة وصباياها كما واستبدلت الجرار الفخارية بأخرى بلاستيكية للقول بأن عصر من التطور قد مر من هنا يوما.
14/5/2008