ارشيف من : 2005-2008
أي سيناريو ينتظر اتفاق الدوحة؟
مدار أخذ ورد، وبالتالي يأخذ الرئيس المكلف والمدلل لدى إدارة بوش وقته الكافي، خصوصاً ان الدستور لم يقيده بمهلة زمنية، وأن الخروج من التكليف لا يكون إلا بالاعتذار رسمياً لدى رئيس الجمهورية وقبوله إياه؟
إن مبررات طرح هذا السؤال تجد نفسها في التالي:
أولاً: انقلاب مناخات التفاؤل التي سادت الأيام الأولى للتكليف من الضد إلى الضد.
ثانياً: الطريقة التي تعامل بها فريق الموالاة مع البند الثاني من تسوية الدوحة، والمتعلق بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث جاءت تسمية السنيورة لتشكل صدمة للمناخ التوافقي المفترض أن اتفاق الدوحة أوجد أسسه. فالسنيورة هو أحد العناوين الأساسية للأزمة في لبنان، وهو الابن المدلل للإدارة الأميركية ووكيلها المعتمد، وبالتالي فإن الاحتفاظ به يعد مؤشراً على أن واشنطن ما زالت تحجز له دوراً ما في المرحلة المقبلة، والأدوار التي تعطيها معروفة.. وبهذا المعنى فإن إبقاء السنيورة يمكن عده أيضاً مؤشراً أولياً ومبكراً على عدم استقرار التسوية، وانفتاح الأمور على تطورات سلبية.
ثالثاً: الدخول الأميركي الفظ على خط تشكيل الحكومة من خلال الإصرار على احتفاظ الوزير المر بحقيبة الدفاع، وأن يكون لواشنطن حق النقض في ما يخص تسمية قائد الجيش. ومن المعلوم أن واشنطن لم تكن راضية ولا محبذة لإجراء تسوية في لبنان، وكانت تفضل ترك الأمور على ما هي عليه وصولاً إلى التمديد للمجلس النيابي الحالي. إلا أن التطورات الأخيرة ـ وبشهادة رايس ـ هي التي أملت عليها تمرير اتفاق الدوحة، من دون أن يعني ذلك تخليها عن أهدافها ونواياها المبيتة إزاء المعارضة عموماً، وحزب الله تحديداً.
رابعاً: ان الهجمة الدبلوماسية والعسكرية الأميركية الأخيرة على لبنان لا تبدو بريئة، وخصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار إصرار واشنطن على إبقاء حقيبة الدفاع بيد المر. وهذا ليس بالأمر العبثي أو المجان، واحتساب ذلك من حصة رئيس الجمهورية الذي ستكون وزارة الداخلية من نصيبه أيضاً، إضافة إلى تسميته قائد الجيش، ما سيعني عملياً حصر المؤسسات الأمنية في جهة واحدة.
ومن نافل القول أن واشنطن تبني رهانات مغامرة على الجيش اللبناني، وهي تتطلع إلى اعادة النظر في عقيدته، وتحويله إلى أداة من أدوات حربها على الإرهاب في العنوان العام، إلا أن هدفها غير المعلن ـ والمستحيل في آن ـ هو وضع الجيش في وجه المقاومة انطلاقاً من استراتيجية متكاملة عُدّتها فريقها في لبنان، وقوامها التالي:
ـ إظهار الانقسام حول المقاومة.
ـ إظهار التناقض بين منطق سيادة الدولة ومسوغات عمل المقاومة وسلاحها.
ـ العمل على نزع الشرعية والمشروعية إذا أمكن عن سلاح المقاومة ودورها.
ـ التسلح بالقرارات الدولية اللازمة.
ـ محاولة حل ذلك التناقض بالحوار، وإلا فبالقوة اذا توافرت لذلك الإمكانات اللازمة.
ما نريد تأكيده هنا، أن واشنطن وفريقها في لبنان لم يتخلوا عن هذه الاستراتيجية، وهم سيبقون يعملون على ابقاء هذه المسألة حاضرة، وتحويلها إلى بند للتوتير او للتفجير اذا أمكن.
خامساً: الطريقة الهادئة بل الباردة التي يتعامل بها الرئيس المكلف مع تشكيل الحكومة. صحيح أن هناك عوائق موضوعية من شأنها ان تؤخر عملية التأليف، إلا أن هذا لا يبرر البرود غير الطبيعي للرئيس المكلف، فلو كان حريصاً بالفعل على الإسراع في تشكيل الحكومة لأدى الأمر بطريقة مغايرة تظهر هذا الحرص.
سادساً: كان لافتاً موقف رئيس الجمهورية الأخير الذي دعا إلى الحوار بديلا لتعثر عملية تأليف الحكومة. هذه الدعوة التي تلتقي مباشرة أو غير مباشرة مع دعوة جعجع إلى أن يكون الحوار حالة برزخية بين تشكيل الحكومة وكتابة البيان الوزاري، فهل تعثر التأليف هو لغرض استدراج المعارضة إلى طاولة الحوار قبل التشكيل، لتحويل البيان الوزاري إلى صاعق للتفجير ربما.
سابعاً: من الواضح أن اتفاق الدوحة بكل بنوده لم يكن لمصلحة فريق الموالاة، فلا هو كان يرغب بمنح المعارضة الثلث الضامن، ولا كان يرغب بالإتيان بقانون للانتخابات بالصورة التي أتى بها، وهو كان يفضل الإتيان برئيس للجمهورية من صفوفه.
وكما كان متوقعاً، فإن أولى نتائج الانخراط في تشكيل الحكومة هي تصدع فريق الموالاة ودخوله في تجاذبات وحسابات الربح والخسارة، وصولاً إلى إجراء إعادة اصطفاف دافعها انتخابي.
ثامناً: الرسائل الأمنية التي توالت شمالاً في العبدة وجنوباً على مدخل مخيم عين الحلوة، والتي أعادت تظهير الحضور السلفي في توقيت حساس، وبالتقاطع مع مناخات تعبوية وتهديدية بتحويل الصراع في لبنان إلى صراع سلفيات وأصوليات، وفي الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على إدراج اهتمامها بالجيش اللبناني بضرورات الحرب على الإرهاب.
تاسعاً: استمرار حالات التعبئة العصبية والمذهبية، والاستمرار في شراء السلاح وتوزيعه.
كل هذه المعطيات قد تكون مؤشرات مهمة الى أن اتفاق الدوحة لم يأخذ طريقه إلى الثبات بعد، وأنه قد يكون عرضة لاهتزازات ليست بالقليلة. مع الأخذ بعين الاعتبار ان التوازنات المحلية والتقاطعات الإقليمية والدولية التي أنتجته وغياب أي خيارات أخرى، قد تفرض على الجميع عدم اللعب على حافة الهاوية بالنسبة إلى هذا الاتفاق، لأن البدائل الأخرى لن تكون في مصلحة الجميع عموماً، والمتضررين في هذا خصوصاً، ما يضعنا أمام السيناريوهات التالية:
أولاً: ان ما نشهده تجاذب طبيعي يفرضه ما يلي:
أ ـ ان اتفاق الدوحة هو خطوة أساسية في مسار، وبالتالي فإن ما يحدث الآن سيبنى عليه لاحقاً، ما يفرض على كل طرف دراسة خطواته الحالية، وترسيخها بالشكل الملائم له.
ب ـ إن الانتخابات النيابية هي الهدف الذي يتطلع اليه الجميع، وبالتالي من الطبيعي أن تنعقد الحسابات الخاصة بتوزيع الحقائب لاندراجها في سياق تحقيق هذا الهدف.
ج ـ حاجة كل طرف إلى تحسين ظروف موقعه السياسي والشعبي، والحفاظ على تماسك تنظيماته الخاصة.
خلاصة القول هنا، ان التأخير طبيعي، إلا أن التشكيلة الحكومية ستولد عاجلاً أم آجلاً، وسيكون هنا متضررون ورابحون بنسب متفاوتة.
ثانياً: ان ما يحدث هو مجرد عملية تقطيع وقت لحسابات ما، جوهرها استمرار الرهان على متغيرات ما تؤدي إلى قلب التوازنات الإقليمية والدولية، والإطاحة بالتالي بالاتفاق الحالي لمصلحة اتفاق مغاير.
ثالثاً: ان المطلوب استهلاك أكبر قدر من الوقت بما يحشر الجميع في أقصر مسافة زمنية إلى الاستحقاق النيابي، وبما يبقي الأمور في حال من المراوحة عسى يحدث متغير ما.
فأي سيناريو سيُكتب له النجاح؟
الأيام المقبلة ستكون كاشفة إلى حد كبير.
الانتقاد/ العد1270 ـ 9 حزيران/ يونيو 2008