ارشيف من : 2005-2008

بقلم الرصاص: ثقافة الانتصار

بقلم الرصاص: ثقافة الانتصار

كتب نصري الصايغ
جمع الجنرال ديغول قيادة فرنسا، غداة تحريرها من الاحتلال النازي، وهزيمة المانيا العسكرية، ولخص لهم التحديات الجديدة التي تواجهها فرنسا: "انتهت الآن الحرب الصغرى، وغداً تبدأ الحرب الكبرى". في اشارة منه إلى المصاعب التي على فرنسا مواجهتها، للحفاظ على الانتصار، كأنه يقول بلغتنا "انتهى زمن الجهاد الأصغر، ليبدأ الجهاد الأكبر".
كان الجنرال ديغول يعرف، أن انتصار فرنسا على المانيا الهتلرية بالتعاون مع الحلفاء، قد يفرغ من مضمونه، من خلال عمليات الالحاق التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة الاميركية، والنقاش غير المتكافئ مع بريطانيا العظمى.
بدا لديغول أن مشقة الحفاظ على الانتصار أشد من مشقات انجازه.
كم تشبه مخاطر الانتصار اللبناني على اسرائيل، في الخامس والعشرين من أيار، في العام 2000 ما تخوف منه الجنرال ديغول من مخاطر التحرير على فرنسا.
على أن الانتصار اللبناني، تعرّض للمواجهة مباشرة، بعيد هزيمة اسرائيل في الجنوب، ومن قبل أطراف لبنانية، التقت مطالبها بشكل التصاقي، مع مطالب اسرائيل، ومطالب الولايات المتحدة، وما يسمّى المجتمع الدولي.
أنشبت القوى اللبنانية والعربية الرسمية، (في معظمها) والعالمية كذلك، أنيابها وأظفارها لإفراغ الانتصار من مضامينه:
أ ـ انتهى زمن المقاومة، فعليها أن تسلّم سلاحها، "لقد انتصرنا على اسرائيل" (وكأنه انتصارهم) فلنكفّ عن توريط لبنان بالمغامرات.
ب ـ على المقاومة أن تستقيل "مشكورة" (بالكلام فقط) وتترك الجنوب لحراسة الجيش اللبناني، وتبعاً لعناية المجتمع الدولي، واذا لم يحصل ذلك فإن هذه المقاومة مستأجرة من قبل إيران وسوريا، وعليه فهي في شبهة الخيانة للبنانيتها، وبعد حرب تموز، والانتصار اللامثيل له، على العدو الاسرائيلي، وقفت بندقية المقاومة في قفص الاتهام، من قبل شرائح لبنانية، هي في الأساس ضد المقاومة، جملة وتفصيلاً، ومن قبل دول النظام العربي والاميركي الرسمي، وبدا أن ما فشلت في تنفيذه اسرائيل، سيقع على عاتق التحالف الدولي، العربي، اللبناني السلطوي، القيام به، بكل الوسائل المتاحة.
بالفعل: الحفاظ على الانتصار أكثر صعوبة من تحقيقه.
وقد مرّ لبنان في أسبوعيه الأخيرين، بعد عدوان السابع من أيار، بتجربة قاسية، أثبت فيه المراهنون على طعم الهزيمة وفضائل السلامة، أنهم أشد خطراً من العدو الاسرائيلي، كان همهم، أن يبرهنوا، بدماء اللبنانيين، أن المقاومة ميليشيا، وأنها ضد الاعتدال السني، وأنها ضد وأنها ضد وأنها ضد.. إلى آخره.
في ذكرى الخامس والعشرين من أيار، لهذا العام، طعم آخر: لقد تم تحصين الانتصار بانتصار جديد، على الفتنة، وعلى الانقسام الذي كان يمكن أن يكون أكثر دموية وأكثر مأساوية.
لكن هذا الانتصار ليس كافياً.
ولعله من المفيد، أن نضيف إلى مقولة، ثقافة المقاومة، ثقافة أخرى، هي ثقافة الانتصار، طبعاً، الثقافة هي سياج الانتصار، وهي حضنه، وهي التي تستطيع أن ترتفع به، من مستوى السياسة وضروراتها إلى مستوى الوعي التاريخي.
لقد اعتاد العرب في عقودهم الأخيرة، على الهزيمة، وكانوا ماهرين في تدبير شؤونهم في ظلها، أما الانتصار فجديد عليهم.
فلنسلحهم بثقافة الانتصار.
هذا يحتاج إلى قراءة هادئة للتاريخ، ولإبداع الصيغ الجديدة، لخطاب وطني، قومي، انساني، متواضع جداً، ومحب جداً، ومحتضن دائماً.
يلزم إشعار الجميع، فإن من أنجز الانتصار، يتساوى مع من ينتسب اليه، ولا يعادي من لا يتفهمه، ويكون شديد البأس على أعدائه.
الانتقاد/ العدد1268 ـ 23 ايار/مايو 2008

2008-05-23