ارشيف من : 2005-2008
"الانتقاد" تنشر كتاب رزق لابتزاز الأمم المتحدة وإراحة القضاء لإبقاء الضبّاط معتقلين: مجلس الأمن يخيّب آمال المتسّرعين لبدء المحكمة الدولية عملها
والرئيسية في لبنان، في أن يكمل مع لجنة التحقيق الدولية والقضاء الدولي والمسؤولة الوحيدة عن أعمالهما الأمم المتحدة، ما سبق له أن بدأه وأخذ راحته في تنفيذه مع القضاء اللبناني لجهة الضغط عليه لإبقاء الضبّاط الأربعة موقوفين، خلافاً للقانون، ولتحقيق غاية سياسية واضحة المعالم من وراء هذا الفعل السياسي بامتياز، وإن أعطي في فترة من الزمن صبغة وصيغة وغطاء قضائياً.
فقد دأب رزق، مراراً وفي مناسبات مختلفة، على إطلاق تصريحات تتدخّل في عمل القضاء اللبناني وتحديداً في ما يتعلّق بتوقيف الضبّاط الأربعة اللواءين جميل السيّد، وعلي الحاج، والعميدين ريمون عازار، ومصطفى حمدان، ونقل كلاماً غير صحيح وغير دقيق عن رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي سيرج برامرتز لجهة توقيت انتهاء عمل لجنته قبل أوانها وقبل كشف الجناة الفعليين، وواظب على تقديم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ضمن أوراق ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية قبل أن يفوته قطار التوافق الداخلي والخارجي على اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وهو القائل أكثر من مرة بأنّه يجب على رئيس الجمهورية أن يكون ملمّاً بالمحكمة الدولية المذكورة، وهو كلام غير منطقي لأسباب مختلفة منها أنّ المحكمة برعاية وإشراف الأمم المتحدة ولا سلطة للدولة اللبنانية الملزمة بتمويلها، عليها، بل هي من خلال قضائها، طرف في تحقيقاتها الأوّلية وتسمية قضاتها اللبنانيين، ومتى قيّض لهذه المحكمة أن تقوم بعملها في العام 2009 أو العام 2010، لم يعد للدولة اللبنانية أيّة علاقة لها بها، لا من قريب ولا بعيد، سوى متابعة نتائج أعمالها وجلساتها مثل بقيّة المهتمّين والفضوليين، كونها تنظر في ملفّ شخصية لبنانية تعرّضت للاغتيال بطريقة إجرامية وإرهابية.
اقتراحان سياسيان
والجديد القديم للوزير رزق في هذا المجال، كتاب رفعه يوم الجمعة الواقع فيه 18 نيسان/ أبريل من العام 2008، إلى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة حمل الرقم 12/1/ص، "تنبّأ" فيه بأنّ عمل لجنة التحقيق الدولية ينتهي في 15 حزيران/ يونيو من العام 2008 وعرض فيه بشكل مختصر، جملة مغالطات ليتوصّل من خلالها إلى تقديم اقتراحين يكملان دوره في تسييس القضية والمحكمة ويستشفّ منهما استعجاله قيام المحكمة، ويطلب من السنيورة وضعهما على جدول أعمال مجلس الوزراء للموافقة عليهما.
والاقتراحان هما: الطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تكليف القاضي دانيال بيلمار تسلّم مهام المدعي العام الدولي اعتباراً من 15 حزيران/ يونيو من العام 2008، والطلب إلى الأمين العام، العمل على تمديد مهلة لجنة التحقيق الدولية لمساعدة المدعي العام بيلمار ريثما يتمّ تأليف المكتب العائد له.
اعتراف صريح بالتسييس
وأكثر ما يستوقف قارئ "الأسباب الموجبة" التي ضمّنها رزق كتابه لدعم اقتراحيه، فحوى الفقرة السابعة التي يقول فيها إنّه "تحسّباً لانتهاء المهلة المحدّدة لعمل لجنة التحقيق الدولية في 15 حزيران/يونيو من العام 2008، عقدتُ في 20/3/2008، اجتماعاً مع القاضي بيلمار تمنّى فيه القاضي الكندي أن تطلب الحكومة اللبنانية من مجلس الأمن تمديد عمل اللجنة من جديد، فأجبته أنّ الوضع القانوني للقاضي بيلمار يختلف جذرياً عن وضع القاضي برامرتز على اعتبار أنّ ممارسة مهامه على رأس اللجنة هي مؤقّتة بطبيعتها، بانتظار ممارسته مهام المدعي العام الدولي في إطار المحكمة الدولية التي أعلن الأمين العام للأمم المتحدة استعجال قيامها فعلياً في تقريره الثاني حول قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1757 المتعلّق بإنشاء المحكمة والصادر في 12 آذار/مارس من العام 2008.
ويضيف رزق في الجزء الثاني من هذه الفقرة ما يلي: "وأكّدتُ للسيّد بيلمار أنّه بمقدار ما يتفهّم لبنان حاجته للاستفادة من اللجنة الدولية للتحقيق بانتظار تأليف مكتب المدعي العام، بنفس القدر ينتظر منه أن يعي ضرورة انتقاله إلى ممارسة الصلاحيات المنوطة به كمدع عام، وذكّرته بأنّ المحاكم الدولية الأخرى بمعظمها ليس لديها لجنة تحقيق مستقلة، كما هي الحال بالنسبة إلى المحكمة الخاصة بلبنان، وأنّ المدعين العامين فيها يتولّون مسؤولية التحقيق وجمع الأدلة بصورة مباشرة".
وهذا الكلام هو اعتراف صريح بالتسييس، ويعني استمرار رزق والفريق السياسي لحكومة السنيورة، أيّ قوى 14 آذار/مارس، في ابتزاز الأمم المتحدة، ويعكس مرّة أخرى التجاذب بين القضاء الدولي والحسابات السياسية الداخلية اللبنانية، لأنّ الإرادة السياسية لها مصلحة في البدء الفوري لأعمال المحكمة ولو من دون وجود متهمين، بينما الواجب القضائي يقضي بعدم بدء المحكمة أعمالها قبل العثور على متهمين وإلاّ فمن تحاكم؟.
وهذا الموقف ليس جديداً للوزير رزق الذي سبق له أن قال خلال زيارته لمدينة نيويورك الأميركية مع الرئيس السنيورة في شهر نيسان/أبريل من العام 2006، بأنّ الحكومة اللبنانية لن تطلب التجديد للقاضي برامرتز بعد 15 حزيران/يونيو من العام 2006، سواء عثر على المتهمين أم لم يعثر، فما كان من السنيورة إلاّ أن تراجع عن هذا الكلام وطلب التمديد، وما كان من مجلس الأمن إلاّ أن استبعد موقف رزق، ولم يأخذ برأيه، بل على العكس تماماً مدّد للجنة التحقيق سنة كاملة، وليس ستّة أشهر كما كان يحصل سابقاً.
المحكمة تبدأ بمتهمين
ويعرف الوزير رزق في القرار نفسه كونه قانونياً عتيقاً، بأنّ بدء هذه المحكمة العمل من دون وجود متهمين، يؤدّي إلى كارثة، لأنّها سوف تستنزف كلّ ميزانيتها المالية قبل أن تبدأ المحاكمة.
تغطية القضاء والتوقيف
وهناك سبب آخر جعل رزق يقدّم هذين الاقتراحين، هو السعي إلى إراحة القضاء اللبناني من مسؤولية الاعتقال التعسفي للضبّاط الأربعة بعدما أدرجته منظّمات دولية تعمل في مجال حقوق الإنسان، في خانة الاعتقال الظالم الخارج عن الأطر القانونية، والخالي من أيّ سند قانوني يجعله صحيحاً ومستقيماً، وبعدما استنفد القضاء اللبناني كلّ الحجج التي كان يلجأ إليها لتبرير التوقيف الذي تحوّل مع مرور الأيّام، إلى اعتقال سياسي.
ويقول رزق في الفقرة الثالثة من كتابه المذكور إنّه بعدما حلّ برامرتز على رأس لجنة التحقيق محل القاضي الألماني ديتليف ميليس في 11 كانون الثاني/يناير من العام 2006، سأل برامرتز "بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي أنطوان خير والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ما إذا كان يتقيّد بتوصية اللجنة الدولية لتوقيف الضبّاط الأربعة التي صدرت عن سلفه ميليس، أم أنّه يلغيها، فأجاب برامرتز بأنّه لا يلغي التوصية، فاستمرّ التوقيف".
وهذه الفقرة تحمل مغالطة كبيرة دأب رزق على نشرها بين الحين والحين من دون طائل، وهي ليست دقيقة تماماً، وتهدف إلى تغطية القضاء اللبناني لكي يواصل عملية التوقيف، بينما كان برامرتز نفسه، يؤكّد في أكثر من كتاب وجّهه لوكلاء الدفاع عن الضبّاط الأربعة، بأنّ الملفّ فارغ من أيّ دليل يتعلّق بالضبّاط، وهو ما عاد وقاله صراحة في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية.
برامرتز يرفض تصحيح خطأ ميليس
وأكثر من هذا، فإنّ برامرتز كان يعتبر توصية ميليس مخالفة للقانون، وهذا ما كان يجاهر به في لقاءاته مع وكلاء الدفاع عن الضبّاط، لأنّه لا يحقّ لميليس أن يلزم القضاء اللبناني بتوصية دولية، فلجنته أنشئت بموجب القرار الدولي الرقم 1595 الذي ينصّ صراحة على أنّ اللجنة تقوم بمساعدة القضاء اللبناني ولا تحلّ مكانه في إعطاء الأوامر والتعليمات القضائية، أو إصدار توصيات بالتوقيف، بل يفترض أن تتلقى هي الأوامر من القضاء اللبناني لأن عملها مطابق لدور الضابطة العدلية.
وقد رفض برامرتز إصدار توصية مماثلة تخالف توصية ميليس، وتقضي بالإفراج عن الضبّاط، لأنّه لا يجوز تبرير الخطأ بخطأ شبيه، ومن المعيب قانوناً وأخلاقاً، تصحيح الخطأ بخطأ آخر، واكتفى برامرتز بتزويد القضاء اللبناني صاحب الصلاحية الوحيدة حصراً، بالوثائق والمستندات التي تساعده على إخلاء سبيل هؤلاء الضبّاط.
وخلاصة القول إنّ مجلس الأمن الدولي خيّب آمال الوزير رزق، وكلّ مسؤول سياسي لبناني ودولي زعم مراراً بأنّ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ستنطلق في شهر شباط/ فبراير، ومن ثمّ في شهر أيّار/ مايو، ومن ثمّ في شهر حزيران/ يونيو من العام 2008، وحدّد جازماً، مواعيد لهذه الانطلاقة وصفها بالدقيقة. وقد وافق مجلس الأمن في جلسته التي عقدها يوم الاثنين الواقع فيه 2 حزيران/ يونيو من العام 2008، على قرار يمدّد للجنة التحقيق الدولية مهامها ستّة أشهر إضافية، أيّ لغاية نهاية العام 2008، وهذا التمديد يعني بأنّ اللجنة لم تتوصّل إلى جمع الأدلّة الدامغة التي تستطيع من خلالها توجيه أصابع الاتهام إلى أحد، وبالتالي فإنّها تحتاج إلى المزيد من الوقت، وهذا في سبيل الحصول على الحقيقة الكاملة، وما دام أنّه لا توجد أدلّة ولا يوجد موقوفون، فإنّ المحكمة لن تبدأ عملها، لأنّ غياب المتهمين يفقدها رونقها، وأساس وجودها، وهذا ليس لمصلحة المطالبين بمعرفة قتلة الرئيس رفيق الحريري، بل يصبّ في خانة المستفيدين من هذه الجريمة وتداعياتها السياسية.
علي الموسوي
الانتقاد/ العد1270 ـ 9 حزيران/ يونيو 2008