ارشيف من : 2005-2008
الوجوه تتغير لكن التجارب تتشابه
كتب علي عبادي
ثمة اوجه تشابه عديدة بين تجربة الرئيس السابق امين الجميل في الحكم وتجربة الرئيس فؤاد السنيورة :
1- وصل الجميل الى الحكم عام 1982 من دون ان يبذل مجهودا كبيرا. فقط لأن شقيقه بشير الجميل اغتيل في ايلول من ذلك العام، طُرحت الزعامة على امين الجميل على عجل لملء الموقع الرئاسي من صفوف العائلة وحزب الكتائب، فوقع الاختيار تلقائيا عليه .
أما السنيورة فلعله لم يكن يطمح الى رئاسة الوزراء (التي اضحت في ايامنا الموقع التنفيذي الاول بما يعادل الى حد ما الرئاسة الاولى قبل الطائف ، ومن هنا تبدو المقارنة والمشابهة).
اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام في شباط 2005، أوقع تياره وفريقه في حالة صدمة، وسرعان ما تم التوافق على ملء الفراغ من اقرب المحيطين به، طالما ان العائلة لم تكن قد أهّلت خليفة له. وهكذا تم اختيار السنيورة، حتى يكون سعد الحريري قد مشى خطوات معقولة في عالم السياسة.
2- كان البلد تحت الاحتلال وفي حال انقسام سياسي لدى وصول الجميل الى الحكم، وكانت الفرصة متاحة امامه والاجواء مهيأة لإعادة التواصل والتوافق داخل البلد، مستفيدا من اجواء ما بعد الاجتياح الاسرائيلي والدمار الذي خلّفه وخروج منظمة التحرير الفلسطينية والجيش السوري من بيروت.
ولهذا رحبت فعاليات اسلامية رسمية بانتخابه على امل تحقيق هذا الهدف، في حين ان هذه الفعاليات نفسها اعترضت من قبل على "انتخاب" شقيقه رئيسا .
لكن الجميل ضاع بين اجندته الحزبية ومصالح البلد، وخضع لتوجهات اليمين الذي تصرف على اساس انه المنتصر الذي يملي السياسات التي يرتئيها. ولم تكن كلمات والده بيار الجميل عن حرب الجبل قبل اندلاعها "لتكن الحرب وليربح الاقوى" سوى عينة من حالة الاعتداد التي شعر بها هذا الفريق وهو يدير مرحلة ما بعد الاجتياح.
أما السنيورة فقد تسلم بلدا مشظى سياسيا في مرحلة ما بعد زلزال اغتيال الرئيس الحريري، وكانت الامال معقودة على حسن التقدير لديه لإعادة الوصل بين فريقي 8 شباط و14 اذار، بعد خروج الجيش السوري ثانية من بيروت بضغط دولي. الا ان ضغوط اليمين المتطرف في 14 اذار دفعت دائما في اتجاه "الثأر" من سوريا .
3- وُضع لبنان في التجربتين تحت عبء المواجهة الاقليمية المفتوحة:
امين الجميل استخدم الوجود الاميركي ـ الغربي المباشر على ارض لبنان في ما عرف بالقوات المتعددة الجنسية لمجابهة نفوذ سوريا.
وفريق فؤاد السنيورة استخدم مطرقة القرارات الدولية ابتداء من القرار 1559 ، والوجود الاميركي المباشر في المنطقة لمجابهة سوريا وحلفائها .
4- طُرحت ايام الجميل فكرة حكومة الوفاق الوطني او حكومة الوحدة الوطنية بعد مخاض عسير ومحادثاتٍ في جنيف ولوزان في سويسرا. وتم تشكيل حكومة من هذا النوع ضمّت اقطاب المعارضة، لكنها تلاشت بعد حين بسبب تضارب الحسابات .
وفي عهد السنيورة ، طُرحت الفكرة ايضا وتم تشكيل حكومة من هذا النوع لكنها لم تكن مكتملة وانفرط عقدها بعد حين ، واعيد طرحها على المتحاورين في الدوحة .
5- أصابت المعسكرَ اليميني هزيمةٌ ماحقة في الثمانينيات في الضاحية الجنوبية وغربي بيروت والجبل ، وصولا الى تناحر داخلي في شرقي بيروت بين جيش يقوده العماد عون والقوات اللبنانية . ولم تنفع اساطيل الغرب وقواته على الارض في تثبيت حكم الجميل وتعزيزه ، بل انها كانت وبالاً عليه ، بسبب ذهابه بعيدا في المراهنة عليها.
وفي عهد السنيورة ، اصيب الفريق اليميني بخيبة امل شديدة، وهو يلقى التعاطف وحسبْ من اميركا والغرب وبعض العرب، بعد تراجعه امام المعارضة المدعومة من ايران وسوريا.
6- اتفاق 17 ايار 1983 كان القنبلة التي فجّرت الاوضاع في لبنان ذلك العام، وقد احتفظ به الجميل الى حين من دون توقيعه، أملاً في المساومة عليه عند الضرورة، وهكذا كان، فكان الغاؤه عام 1984 تمهيدا لمحادثات تشكيل حكومة وحدة وطنية.
أما قرارا حكومة السنيورة اللذان فجّرا الازمة السياسية على نطاق واسع في ايار 2008 فكانا الشرارة لانتفاضة المعارضة، وكان الغاء القرارين بداية للدخول في حوار وطني مجددا .
7- وكما في كل مرة، أخفق لبنان في الخروج من التجاذبات الاقليمية سالماً، فلقد اضطربت اوصاله وتمزقت، واستحال التوافق الى تناحر، ووصل مَنْ في الحكم الى نهاية غير سعيدة:
عهد امين الجميل انتهى من دون انتخاب رئيس بديل، ليضحى العماد ميشال عون رئيسا لحكومة عسكرية في مقام رئيس الجمهورية .
وعهد السنيورة مع الرئاسة الاولى انتهى من دون انتخاب رئيس بديل، ليصبح هو الوارث نظريا لصلاحيات هذا الموقع.
وفي ضوء هذه النهاية ، انفتح الفراغ على المجهول، فوُلدت مجابهات قاسية، وتعرضَ البلد لمخاطر انقسام اخطر من ذي قبل .
8- انتهت مغامرات عهد الجميل الى تغيير في النظام عبر اتفاق الطائف، والآن نسمع من يقول من اهل السلطة ( الوزير محمد الصفدي) ان هناك اموراً عدة يجب اعادةُ النظر فيها في اتفاق الطائف، لتدارك مواضع خلل في النظام. ولو ان الجميع يحاذر في الخوض بهذا الشأن، لا سيما ان الوضع السياسي بالغ الهشاشة، ويؤمل ان تكون ايةُ تغييرات بدايةً للنظر في تأسيس بلد للقانون والاندماج الوطني والتوافق والمشاركة والاستقلال عن التدخلات الخارجية التي يستجلبها زعماء كأنها ضرورة من ضرورات السيادة بهدغ تحقيق الغلبة على خصومه .
يقال ان التاريخ يعيد نفسه، وان الوجوه تتغير لكن التجارب تتشابه. ويبدو ان لبنان لا يشذ عن هذه القاعدة ، خصوصا ان التسويات والمصالحات وحكومات الوحدة الوطنية هي المُسكّن الدائم لأوجاعه ، لكنها لم تكن حلاً ثابتاً بسبب خلل في تركيبته السياسية التي يتم في كل تسوية ترتيبها على مقاس زعماء يقامرون بمصير البلد ويخسرون ثم يعاودون النهوض مرة اخرى على اكتاف المناصرين ليتم تتويجهم ابطالاً لا يعرفون طعماً للهزيمة ولا معنى للتقاعد من مهامهم الجسيمة ! .