ارشيف من : 2005-2008
بعد ستين عاماً على النكبة: اللاجئون الفلسطينيون بين مطرقة التوطين وسندان المعاناة
والسعي لتكريس الكيان الصهيوني وشرعنته من قبل الإدارة الأميركية وأتباعها في المنطقة والعالم، والشعب الفلسطيني ومنذ ما يزيد على التسعين عاماً لم يتوقف عن تقديم التضحيات جيلاً تلو جيل من أجل التحرير والعودة، ولم يلق سلاح المقاومة والجهاد من أجل محو كافة آثار النكبة التي حلّت به العام 1948، وأدت إلى نشوء الكيان الصهيوني على أرضه، وهو الآن يواصل مقاومته بإيمان لا يتزعزع وإرادة لا تلين وبعزيمة يجترح من خلالها المعجزات، ويحقق مكاسب لا يمكن تجاهلها استناداً لمقاومة يحتل فيها الإيمان والإرادة والثقة بالنفس وبالنصر والتحرير الأهمية الحاسمة في الميدان.
شهدت السنوات الماضية في هذا الميدان محطتين ما زالتا تحملان أفدح المضاعفات على الكيان الصهيوني، وقدرته على الاستمرار من خلال زعزعة أعمدة قوته، فانتصار المقاومة الإسلامية في لبنان وإلحاقها هزيمة واضحة هي الأكبر بالجيش الصهيوني منذ إنشائه، وأيضاً ما حققته المقاومة في فلسطين وإجبارها للعدو في قطاع غزة على الانسحاب ونزع المستوطنات حيث لم يعد الكيان الصهيوني بعد هذين الإنجازين "لا يقهر ولا يهزم"، بل هو قابل للانكسار والاندحار والهزيمة والزوال وهذا ما ينبغي الاستناد اليه برغم مرور ستين عاماً على النكبة والظروف السلبية التي يمر بها النظام الرسمي العربي الذي بدأ معظم أطرافه يتخلى عن قضية فلسطين وحقوق شعبها في ظل اشتداد الضغط الأميركي الصهيوني وسعيه لتثبيت الكيان وشرعنة وجوده على أرض فلسطين، والضغط يجري اليوم بشكل مباشر حيث يستعد الرئيس الاميركي جورج بوش وإدارته وحلفاؤه في المنطقة لتحويل الجريمة التي حصلت عام 1948 إلى حدث يحتفل به (العالم) بالمجرم ومكافأته على جريمته ضد فلسطين، الأرض والقضية والشعب والمقدسات والحقوق وفي مقدمتها حق العودة، حيث تتسارع وتيرة مؤامرات التوطين والتهجير والتعويض، وقد نشرت صحيفة هآرتس (الإسرائيلية) يوم 24 تشرين الثاني 2007، وثيقة تحت اسم (إكس آن بروفانس) وتطرقت إلى عدد من القضايا المصيرية كالوضع النهائي لمدينة القدس، ومشكلة اللاجئين، مقترحة حلاً يقوم على إسقاط هذا الحق مقابل التعويض، وبحسب الوثيقة فإن تكلفة حل مسألة العودة تتراوح بين 55 مليار و85 مليار دولار.
وتقترح الوثيقة توطين اللاجئين في الأمكنة الموجودين فيها حالياً مع إلغاء وكالة "الانروا"، وإقامة مشاريع اقليمية بتمويل من اميركا ودول خليجية وأوروبا واليابان على أن تساهم ("اسرائيل") بالخبرة والأفكار. وتقترح الوثيقة التي صاغها (اسرائيليون وعرب) أن تكون قيمة التعويض لكل عائلة 10،000 دولار مقابل التخلي عن حق العودة، وهذا ينسجم مع مشروع بوش القادم إلى المنطقة ليحتفل مع "اسرائيل" بمرور ستين عاماً على ولادتها دولة عنصرية لليهود ولليهود فقط، وليجدد دعمه لها سياسياً ومالياً واقتصادياً وعسكرياً، وليعيد تعزيز موقعها في مشروع الشرق الأوسط الجديد. وفي هذا السياق يجري العمل على تعريف "اسرائيل" بأنها دولة يهودية والوطن القومي لليهود ما يترتب عليه من رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا قسراً عام 1948 من ديارهم، وما يترتب أيضاً على ذلك من محاولات الصهاينة ممارسة عنصريتهم وإرهابهم من خلال سياسة التهجير للفلسطينيين في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948، بالتزامن مع محاولات تمرير مشاريع التوطين والتعويض ضد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات. وقد كشفت أيضاً صحيفة أوروبية أن طاقماً سرياً يضم ممثلين عن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ودول عربية وأوروبية وبعلم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أنهى اجتماعات سرية عقدت في ضواحي عاصمة دولة اسكندنافية لبحث مسألة توطين اللاجئين وخاصة المقيمين في لبنان، وقالت المصادر نفسها ان الطاقم تمكن من تحديد أراضٍ في عدد من الدول ومن بينها لبنان لشرائها وبناء مدن عليها، كما يتم التركيز على توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وأضافت أن هذا الطاقم الذي يتولى مهمة تنفيذ مخطط التوطين بدأ بالتعاقد مع شركات مقاولات لتشييد أبنية عمودية في أماكن محدودة ومخصصة لذلك، وقد أنشئ صندوق مالي يتلقى الأموال من بعض الدول الخليجية واليابان والولايات المتحدة، وهذه المعلومات تتزامن مع موعد زيارة بوش للكيان الذي يعلن أنه ينتظر هداياها الثمينة بهذه المناسبة، أي احتفاليته بالاغتصاب وفي القمة الخماسية المزمع عقدها في شرم الشيخ، وفي هذا الشأن تقول صحيفة يديعوت أحرنوت، ان هذه الزيارة يحضر لها منذ عام، وقد تم تشكيل لجنة من الخبراء الصهاينة لبحث ماذا يريد الكيان من بوش قبل أن يغادر البيت الأبيض.
اللاجئون الفلسطينيون في لبنان:
تحل الذكرى الستون للنكبة على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حاملة معها ذكريات وآلام التهجير القسري منذ عام 1948، وهم ما زالوا يعانون آثارها ونتائجها المرة من احتلال الأرض وجرائم القتل والمجازر والحصار واستمرار التشديد وحرمانهم من حق العودة إلى وطنهم بفعل الاحتلال، وهم بعد مرور ستين عاماً على النكبة يتمسكون بحقهم ويعتبرونه حقاً مقدساً لا تراجع عنه، ويعلنون رفضهم وتصديهم لكل محاولات الشطب لهذا الحق لمصلحة الحلول التصفوية البديلة، ويعتبرون أنفسهم مستهدفين مباشرة من هذه المشاريع التآمرية التي تتحدث عن التوطين والتعويض بديلاً عن حق العودة، ويرون أن هذه المؤامرة هي في أوجها اليوم بعد أن دعا بوش إلى شطب حق العودة والاستعاضة عنه بالتعويض عن الحق، وليس عن الأضرار والخسائر التي لحقت بهم، والتي لا تنفصل عن حقهم بالعودة إلى وطنهم، ويؤكدون أن هذا الحق لا مساومة عليه، وإن كان الفلسطينيون في لبنان وبعد ستين عاماً على النكبة يجدون أنفسهم بين مطرقة المؤامرات ومشاريع التصفية التي تستهدف حق العودة، وسندان معاناة حياة البؤس والحرمان في المخيمات، فإنهم يستعدون لإحياء الذكرى الستين للنكبة لتأكيد رفضهم المطلق لجميع الدعوات الصريحة والمستترة التي تدعو للتوطين أو الترحيل مع المطالبة بتحسين الظروف المعيشية لهم بعيداً عن مشاريع التوطين، ويستعيدون في هذه المناسبة ذاكرة كبارهم الذين لم يموتوا بعد، عن الوطن السليب لتبقى حية في ذاكرة الأطفال الذين لم ينسوا، أو يحفظون أسماء القرى والمدن في فلسطين، ويرثون عن آبائهم مفاتيح الدار التي يناضلون من أجل العودة اليها جيلاً بعد جيل.
حمزة البشتاوي
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008