ارشيف من :آراء وتحليلات

محاولة السطو على البنك المركزي العراقي ... ازمة القاعدة وهشاشة الدولة

محاولة السطو على البنك المركزي العراقي ... ازمة القاعدة وهشاشة الدولة
بغداد ـ عادل الجبوري

تتلخص قصة السطو المسلح على البنك المركزي العراقي الاحد الماضي وفق رواية مسؤولين امنيين عراقيين بالتالي: سبعة انتحاريين يقومون بتفجير انفسهم في اماكن مختلفة قرب مبنى البنك المركزي في شارع الرشيد وسط بغداد بالتزامن مع اقتحام مجموعة من المسلحين تنكروا بزي رجال الشرطة البنك للسطو عليه.


ووقعت مواجهة بين المسلحين والقوات العراقية استمرت اكثر من عشر ساعات ادت الى مقتل المهاجمين واعتقال عدد من المتورطين في العملية أو المشتبه بتعاونهم مع المجموعة المسلحة، الى جانب استشهاد عدد من الموظفين والمدنيين وعناصر الشرطة والجيش العراقيين، فضلاً عن الحاق اضرار مادية كبيرة في المبنى واتلاف وثائق مهمة.

هذه العملية اعتبرت الأخطر في بلاد الرافدين خلال الاعوام السبعة الماضية إذ استهدفت واحدة من اكثر المؤسسات الحكومية حساسية وأهمية، وهو ما يرسم صورة اجمالية لطبيعة الحدث وملابساته وخلفياته، ولكن من زاويتين، الاولى ترتبط بالجهة المنفذة وهويتها، والجانب الاخر بالجهة المهاجمة (بفتح الجيم).
أما الجهة المخططة والمنفذة للعملية فتتمثل بتنظيم القاعدة المتعاون مع جهات اخرى كحزب البعث المنحل وبعض موظفي البنك وعناصر الشرطة والجيش المغرر أو المرهب بهم. وبات من المعلوم أن الاسلوب الانتحاري لا يستخدمه الا مسلحو القاعدة، وجاء هذه المرة استهداف البنك المركزي دون غيره للحصول على اكبر قد ممكنن من الاموال وليس قتل اكبر عدد من الضحايا.

وفي الدلالات تؤكد العملية أن مصادر التمويل لدى تنظيم القاعدة قد جفت وهناك معلومات مؤكدة تتحدث عن مشاكل جدية في تمويل عملياته المسلحة. وأشارت بعض مراكز الابحاث المتخصصة بالتنظيمات الارهابية المسلحة الى ان القاعدة تخلى عن طريقته التقليدية في التمويل وهي جمع التبرعات ونقلها الى خلايا وقواعد التنظيم.

وقد جاء هذا التحول بعد قيود فرضتها دول كثيرة على حركة رؤوس الاموال كجزء من خطط مواجهة الارهاب وتجفيف منابعه وقطع مصادر تمويله، وهو ما ألمح إليه عدد من زعماء تنظيم القاعدة في تسجيلات صوتية كالرجل الثاني في التنظيم ايمن الظواهري وأبو يحي الليبي حيث حث الرجلين انصارهما على الانفاق لدعم ما اسموه بالمجاهدين.

واذا كانت محاولة السطو على البنك المركزي من اكبر المحاولات إلا أنها لم تكن الأولى خصوصاً في الآونة الاخيرة التي شهدت عمليات مماثلة، وان كانت على نطاق اضيق، كما حصل عمليات سطو استهدفت محلات بيع الذهب والصيرفة في منطقة البياع في بغداد الشهر الماضي، والسطو على احد فروع مصرف الرافدين في قضاء المشخاب بمحافظة النجف الاشرف، وسرقة خزنة مرقد القاسم في محافظة بابل (120 كم جنوب بغداد) إضافة إلى محاولة سرقة ميزانية احدى المستشفيات في قضاء المناذرة التابع لمحافظة النجف وحوادث اخرى مماثلة.

أما الزاوية الاخرى التي يمكن من خلالها قراءة تلك العملية، فهي طبيعة الجهة المستهدفة أي المصرف المركزي ومن ورائه الحكومة العراقية بمؤسساتها السياسية والادارية والامنية والعسكرية الامنية.

قد تكون الازمة المالية لتنظيم القاعدة احد الدوافع للتفكير والتخطيط بالسطو على المصرف المركزي لكن ارتباك الوضع السياسي في البلاد يمكن ان يكون قد هيأ الأرضية المناسبة للقيام بمثل تلك العمليات الخطيرة، او أنه في اسوأ الأحوال قد شجع وحفز المسلحين على تنفيذها خصوصا انهم حققوا نجاحات نسبية في اماكن اخرى.

وقد رجح مدير عام مصرف الرافدين ـ أحد اكبر مصارف الحكومة العراقية ـ عبد الحسين الياسري ان يكون اقتحام المصرف المركزي نفذ من قبل جماعات مسلحة نفد تمويلها، وكذلك من اجل ارباك الاوضاع الاقتصادية والسياسية، مشيرا الى ان عمليات السطو على المصارف خلال الآونة الاخيرة متعددة الدوافع والأهداف، منها ما هو جرمي ومنها لارباك الحالة الاقتصادية وعرقلة تدفق الاستثمارات إلى البلاد، ومنها ما يحمل الطابع السياسي والاقتصادي المزدوج كما في محاولة السطو على البنك المركزي.

وعلى الرغم من أن محاولة السطو قد باءت بالفشل إلا أنه يمكن تسجيل ملاحظات عدة حول اداء مسلحي تنظيم القاعدة مقابل اداء المؤسسات الامنية العراقية.
ـ فشل الاجهزة الامنية في الكشف المبكر عن العملية خلال مرحلة التخطيط حيث استأجر منفذوا الهجوم وحدات سكنية عدة في محيط المصرف المركزي قبل مدة لتكون منطلقاً للتخطيط والتنفيذ ، وهو ما حصل سابقاً لدى تفجير عدد من المجمعات السكنية في مناطق مختلفة من العاصمة بغداد بعد انتخابات السابع من اذار/مارس الماضي.

ـ استغرق الاشتباك المسلح نحو عشر ساعات وهي مدة طويلة نسبياً، وهذا يعكس تخطيطاً دقيقاً لتنظيم القاعدة مقابل ارتباك وضعف في أداء القوات الامنية والعسكرية العراقية.

ـ العملية الاخيرة وما سبقها من عمليات سطو، أكدت ان وحدات حماية المصارف ومؤسسات حكومية اخرى مازالت تحتضن عناصر فاسدة ومرتبطة بجماعات ارهابية وعصابات مسلحة ترتبط عقائديا او مصلحياً بتنظيم القاعدة، وهو ما يكشف عن ضعف استخباراتي لدى الاجهزة الامنية المعنية ادى الى استفحال ظاهرة الاختراقات على مستويات خطيرة ومقلقة للغاية.

هذا الواقع لا ينفي وجود قدر لابأس به من تطور الأداء لدة الاجهزة الامنية في بعض الجوانب، اذ أن القضاء على الارهابييين وافشال مخططهم باحتلال المصرف والاستيلاء على موجوداته افضل بكثير مما لو نجحت عملية الاحتلال والسطو.

ومن هنا فإن مراجعة الخطط والاجراءات الامنية وتعزيز العمل والجهد الاستخباراتي الحقيقي للاجهزة الامنية العراقية امر وضروري إذ لا يعقل ان تكون الجماعات المسلحة اكثر دقة وحرفية في العمل الاستخباراتي من الاجهزة الحكومية التي يقع على عاتقها المحافظة على الاستقرار الامني وهو احد اهم الاستحقاقات لتجنيب بلاد الرافدين خطر الانزلاق الى الخيارات السيئة.

2010-06-18