ارشيف من :أخبار لبنانية
تعـويم الحصــار
تشرين السورية
آخر (تقليعات) الاصطلاحات في القانون الدولي والسياسة جاء تحت عنوان: (تخفيف الحصار)، ويعادل هذا الاصطلاح القول: إن إسرائيل مددت عمر جريمتها المستمرة على غزة إلى (أجل غير مسمى)، وهذا بدوره أيضاً مصطلح جديد من مصطلحات استمرار الحصار الإسرائيلي على غزة.
ومن دون أدنى شك فإن إسرائيل تعيش أزمة سياسية لم تتعرض لها من قبل بسبب انكشاف سياستها وسلوكها وجرائمها حتى أمام حلفائها الذين يشعرون ببعض الحرج، ولاسيما بعد عدوانها على أسطول الحرية تحديداً..
ويحاول الإعلام الغربي وبعض الحكومات في المنطقة والغرب تظهير قرار الحكومة الإسرائيلية السماح بإدخال مواد جديدة إلى غزة على أنه تحول كبير وكاف ومقبول، ومحاولة تصوير ذلك على أنه انتصار لقضية غزة، وهزيمة لإسرائيل.
بالطبع إن هذه المحاولة لا تعني على مستوى القانون الدولي أي معنى على الإطلاق، فإسرائيل لا تزال تفرض حصارها واقعاً واصطلاحاً، ولا تزال مسؤولة مسؤولية كاملة عن نتائج الحصار خلال السنوات الماضية، وعمّا يمكن أن ينجم أيضاً في المستقبل، ذلك أن مفهوم الحصار كلّ لا يتجزأ، ولا يمكن إطلاقاً افتراض مبدأ تدرج الحصار، ولا يمكن تصور الحصار المشدد والحصار المخفف وما بينهما على أنه تحول ايجابي، كما لا يمكن مقاربة هذا المفهوم كمن يميز بين جريمتي القتل والإيذاء.
فالحصار هو الحصار مخففاً أو مشدداً، ولا يكون مقبولاً ولو اقتصر على شق واحد أو مادة واحدة أو ساعة واحدة...
إن محاولة ترويج الموقف الإسرائيلي بهذا الشكل إنما هي محاولة لنفض آثار وسلبيات الماضي على حساب كل الخسائر في الأرواح والممتلكات الناجمة عن همجية ورعونة ووحشية القيادة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والمتضامنين معهم من كل أنحاء العالم..
إن محاولة تقنين السلوك الإسرائيلي بحق أسطول الحرية سابقة خطيرة بكل المعاني والمستويات، لأن ما فعلته إسرائيل لا يشكل مخالفة للقانون الدولي فحسب، بل إنه يشكل أيضاً ـ في حال تجاوزه واعتباره حادثاً عرضياً وإجازته لاحقاً بعدم معاقبة إسرائيل عليه ـ إعلاناً بالممارسة والفعل وإجازة لاختراق القانون الدولي، والاعتداء عليه، وتهديد السلم والأمن الدوليين من قبل كل من يعتقد أو يظن أن بوسعه أن يكرر ما حدث متى شاء وحيث يشاء وضد من يشاء..
على العالم أن يدرك أن اصطلاح تخفيف الحصار يعني استمرار الحصار بوسائل مبتدعة، وتحت مسميات مختلفة، وأن تخفيف الحصار لا يقل خطورة عن الحصار ذاته، فانعكاساته السياسية والإنسانية وحتى القانونية ستبقى تشكل مصدر تهديد حقيقياً للواقع الإقليمي والدولي وأولاً لمفهومي السلام والأمن الدوليين...
إن محاولة إرضاء البعض على حساب شعب محاصر إهانة حقيقية للقيم الأخلاقية والقانونية، وإهانة للمجتمع الدولي بذاته لا يمكن تحديد عواقبها ونتائجها على الإطلاق، إضافة إلى أنها تعويم للحصار وإبقاء عليه..